شهر رمضان، شهر الجلال والرضوان، فلا نظير لأيامه ولياليه، ولا مثيل لنفحاته وبركاته، ففيها حصيلة قوية من الفضائل، ورصيد ضخم من المكارم وحشد هائل من ألوان التربية، ودروس التقوى والصبر والصمود، وطاقات البر والخير والعفة والطهر.. وليس بغريب أن تقر العيون برمضان، وتنشرح له الصدور، فبستانه حافل بالثمر، ومنهجه يزدان بفيض كبير من الدستور الخالد، وهو القرآن الكريم الذى “ يَهْدِى لِلَّتِى هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا”. وما أسعد المؤمنين بأيامه المعدودات، وهى تقدم لهم الصوم، الذى يعصم العين واليد واللسان والأحاسيس من الشرور والآثام، وتمنح أعظم ما يصون الدين والخلق من التردى فى مهاوى الرذيلة والفساد، وتحمل على عاتقها رسالة صقل النفوس، وكسر حدة شهواتها، ومنع هواها وردعها عن التعلق بلذائذ دنياها، والاستسلام لمغريات النفس. إنها تعتبر الصيام أفضل مدرسة للتربية الروحية والخدمة الإنسانية، والتدريب على مواجهة الشدائد، ومصارعة أحداث الحياة بسلاح الصبر والإيمان، وهى تحرص أشد الحرص على أن تبرز الوجه المشرق، والأثر الطيب للشهر العظيم فى تنظيم العلاقة بين الجسم والروح بالصوم الذى يوجب أن يترك الإنسان شهواته ولذاته التى تعرض له فى عامة الأوقات امتثالا لأمر ربه، وخضوعا لنداء دينه، مدة شهر كامل لتسمو فيه التربية الروحية، وينتصر الاتجاه الصافى الكريم، الذى يضيء جوانب النفس، ويسعد منطق الطهر والسمو والتأمل، الذى يؤكد أن من ظن أن الصوم هو الجوع والعطش فحسب لم يفهم المقصود الأسمى منه، ولم يدرك التكامل الرائع والحكمة السامية منه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش»، ومن أعظم ما يسعى إليه شهر رمضان أن يثبت أن الصوم وسيلة تحقيق تقوى الله التى هى أمنية كل إنسان كامل الإنسانية، وإذا أثمر ثمرة التقوى فإنه يكون قد جمع القيم الروحية، وضم الفضائل التى امتدحها المولى عز وجل فى قوله: « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ » إن شهر السعادة والرضوان يحرص على بث الخير، ونبذ الشح، وإشاعة الحلال، والقضاء على الحرام، وفهم مراد الله، وعشق تكاليفه، والتعلق بأوامره، ولزوم الإخلاص والإحسان والصدق، والتمسك بنور جلاله الساطع، وفضله الواسع انه يفتح أبواب الجنة ويغلق أبواب النار، ويجلب كل الخيرات والبركات. لمزيد من مقالات د.حامد شعبان الأستاذ بجامعة الفيوم