فى شهر رمضان المبارك تتدفق أسمى دروس التربية حاملة أكرم الصور التى تصنع الخير والبر، وتبث أفضل ضروب الطهر والعفة والطاعة والصبر والرشد، لقد عرف الرسول الكريم والمربى العظيم أسرار عظمتها، وأكد أنها تقوم بإعداد النفس إعداداً قوياً، حيث جعلت المسلم يمسك عن الطعام والشراب من الفجر إلى غروب الشمس، ويمتنع عن المعاصى والشرور، ويصبح أكبر عون للخير وأشد عدو للشر، وأعظم طاقة للبر، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:» أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه ويباهى بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل» ولا ريب فى أنه بالصيام، يملك القلب الطاهر، ويواجه الحياة فى عفة ونسق سديد، يلوذ بطاعة الخالق، ويؤثر الصبر، ويحارب الأثرة، ويسيطر على أموره بإرادة فتية، تحطم الأغلال وتهزم الطغيان، وحب السطوة، والغرور . إن الصلة القوية بين العبد وربه تطالب الصائم بالإخلاص ، وتحرضه على ما يذكى سعيه ويرفع درجاته، وتجعل منطق العنف والقسوة والإكراه بعيداً عن العمل الصالح، إن التربية الرشيدة تبين أن الصوم الصادق يبعد المسلم عن كل فاحشة، ويحفظ صاحبه من كل خطيئة، ويربى فيه قوة الإرادة والعزيمة، ويسعى به إلى المغفرة والرحمة والعتق من النار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، ومن أكرم ما تحرص عليه التربية فى رمضان أنها تفتح أمام القلوب المظلمة مطالع أنوار الحق، وتكشف لها سلم العروج إلى سماء الفردوس، فتأخذ طريقها إلى الله، فرحة بالصيام منشرحة بالهدي، متعلقة بالصدقة والإحسان، راضية مطمئنة، قريرة العين بالصبر والسلوك الحسن، والنأى عن اقتراف المعاصى التى حرمها الله،والمنكرات التى ينفر منها الطبع السليم. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:» من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه»، ويقول أيضاً: «لكل شىء زكاة وزكاة الجسد الصوم والصيام نصف الصبر»، ومنزلة الصبر عالية فى شهر الصيام، حيث يمنح الصائم القدرة على التحمل، فتزيد فيه العزائم، وتقوى الطاقات، وتقوده التقوى ليسعد بصفحات النور الساطعة، التى تعلن أنه طاهر، كبح جماح شهواته، وضبط نفسه طوال النهار، امتثالا لأمر ربه، وقصدا إلى نيل رضاه. إن التربية فى رمضان تعول على طاقة كبيرة من جلال الإيمان ، ترفض النيل من الشهوات بلا حساب ، وتحارب الانطلاق وراء المتع الحسية بلا حياء ، والتحلل من عرى الفضائل والأخلاق والقيم العليا، والصيام هو الذى يمنح هذا المستوى الرائع والطاقة الجليلة، وكل همه تحقيق مطالب الكمال المنشود، والتطهر الذى يصون الحياة ويعلى شأنها، إنه يحفظ من السقوط فى مهاوى الرذيلة، ويدفع إلى فعل الخير بكل ما استطاع الصائمون، ونور القرآن يحصن القلوب. بهداه فتظل فى مناعة إيمانية يعجز الشيطان أن يصل اليها يقول الله تعالى «إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون»، ولذلك كان شهر رمضان طريق الوصول إلى أعظم المنازل، بما استفاد من القرآن الكريم، وتخلق بأخلاقه، وتأدب بآدابه، فالله تعالى يقول: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين».