هل علينا شهر كريم عظيم، صُفِّدت فيه الشياطين، وغُلِّقت أبواب النار، وفُتِّحت أبواب الجنة .. ونادي مناد يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. وفي كل ليلة من لياليه عتقاء من النار، هو شهر الخير والمواساة .. يزداد فيه رزق المؤمن.. شهر البركة والأمن والأمان والقرب من الله الواحد الديان. مناسبة سنوية لتطهير النفوس والأبدان مما علق بها طوال العام.. فتجدد فيه للصائمين خلايا أجسامهم التالفة، ويتجدد إيمانهم، ويجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار تسمو فيه نفس المؤمن فتحلق مع الملائكة، وتتحلى بالفضائل وتتخلى عن الشهوات والمنكرات.
من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتقا له من النار، فأهلا ومرحبا به شهر عظيم كريم.علماء الدين يطالبون باغتنام هذا الشهر الكريم في التحلي بالتآخي والتراحم والتواصل فيما بيننا، والتخلى عن المشاحنات والخلافات، وننقي أنفسنا ونصفيها تجاه الآخرين، وألا نفرط في مواسم الطاعات، فنستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب. ويعد شهر رمضان المبارك فرصة سنوية لمحو وتكفير الذنوب وخروج المسلم منه إنسانا آخر، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل اوله رحمة واوسطه مغفرة وآخره عتق من النيران، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأحاديث الصحيحة. علماء الأزهر من جانبهم دعوا الى استثمار نفحات الشهر الكريم وما ينزل الله فيه من خير لعباده، فيتطهر المسلم من خطاياه ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، مؤكدين ان شهر رمضان هو بعث ايمانى للأمة، لتقوية ومراجعة علاقة المسلم بربه، فيصحح ما أخطأ فيه ويقوى ما هو عليه من الصواب. يقول الدكتور طه ابو كريشة عضو هيئة كبار علماء الأزهر، ان شهر رمضان هو البعث الإيمانى للأمة كلها، فهو شهر التوبة والتقوى، كما انه شهر له مميزات خاصة تجعله متفردا عن غيره من الشهور، وقد جاءت فى ذلك أحاديث كثيرة منها، ما رواه ابو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، وفى حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلمبرغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر، فلم يدخلاه الجنة». مدرسة التقوى وأشار الى ان شهر رمضان المعظم يعتبر موسما لتكفير الذنوب والخطايا، ولقد جاء ذلك فى الحديث الشريف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» موضحا ان الشهر الكريم الذى يحل علينا ضيفا مرة كل عام هو بمثابة مدرسة للتربية على التقوى، وهي حكمة من حكم تشريع صومه، قال تعالى «ياأَيُّهَا الَّذِينَ أمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ لصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، ومن المعلوم انه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلّت المعاصي، ولأن الصيام كما قال عليه الصلاة والسلام فى حديثه الشريف «الصيام جُنّة ووجاءت» وسبب التقوى، لأنه يميت الشهوات. وأوضح ان صيام رمضان مطهرة للجوارح والقلوب من المعاصى والذنوب، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» وهو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئاً طلبه عنه فلم يقم به: لا حاجة لي بكذا، فالمراد: رد الصوم المتلبس بالزور، وقبول الصحيح منه. ويقول الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، انه يجب علينا أن نجعل هذا الشهر العظيم فرصة للتصافي والتآخي والتراحم والتواصل فيما بيننا، ونتخلى عن المشاحنات والخلافات، وننقي أنفسنا ونصفيها تجاه الآخرين مما أصابها في الفترة السابقة، لنعود إلى الصفاء تجاههم، وهذه دعوة للجميع من أجل أن يمد كل منا يده للآخر مسامحًا، ولن نترك الخلافات تكثر وترسب في نفوسنا التنافر والتناحر والتنابز وخلافه، فرمضان هو شهر التصافي، ونبذ الخلافات، وتنقية القلوب مما علق بها، هو شهر العفو عمن أخطأ في حقنا، يقول تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، وعلينا أيضًا أن نجعل شهر رمضان فرصة لأن نصل أرحامنا التي حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونداوم على فعل الخيرات به. وقال نجم انه شهر العبادة والذكر والصدقة، هو شهر الرحمة والمغفرة، وهو سيد الشهور كلها، اختصه الله تعالى بالخير العظيم فأكثر فيه من الغفران، ومحو السيئات، وإقالة العثرات، ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات، واستجابة الدعوات، ونجى فيه من النار كثيرًا، وعم فيه الخير واليمن والبركات، وهو شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، لذا علينا أن نستغل هذا الشهر الكريم في العبادة والطاعة وألا نهدر أوقاتنا في أشياء غير ذي جدوى، بل يجب علينا أن نطلب فيه العلم ونجالس العلماء والصالحين، فشهر رمضان هو فرصة عظيمة علينا ألا نفوتها بل نغتنمها ونستفيد منها، بالنسبة للعلم والعبادة والطاعة لله تعالى في كل شئون حياتنا. وعلى المرء أن يكون من السابقين إلى هذا الشهر الكريم ومن المتنافسين فيه، قال الله تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، قال الحسن البصري رحمه الله: «إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون!» كما أنه يجب على كل أحد منا أن يعقد النية والعزيمة على ترك الذنوب والتوبة؛ لأن هذا الشهر يعد فرصة حقيقية للتغيير، وفتح صفحة بيضاء مع الله تعالى ومع خلقه يقول تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). من جانبه أوضح الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه ينبغي للمسلم ألا يفرط في مواسم الطاعات، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى : «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون» [المطففين: 26]. قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده و سلوا الله أن يستر عوراتكم و أن يؤمن روعاتكم: كما يجب علي كل مسلم ومسلمة ان يعقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة، فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير، قال الله - عز وجل -: «..فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم». ويجب على المؤمن أن يعبد الله على علم، ولا يعذر بجهل الفرائض التي فرضها الله على العباد، ومن ذلك صوم رمضان فينبغي للمسلم أن يتعلم مسائل الصوم وأحكامه قبل مجيئه، ليكون صومه صحيحا مقبولا عند الله - تعالى -: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».