شهر الصيام فيه حصيلة قوية من الفضائل، ورصيد ضخم من المكارم، وحشد هائل من ألوان التربية، وهو يدعونا إلى الاعتصام بالتقوي، ويبين أنها الغرض من الصيام يقول سبحانه: « يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» والتقوى خير زاد، وجماع كل فضيلة، وغاية كل عبادة، والصيام وسيلة لتحقيق تقوى الله، التى هى أمنية كل إنسان كامل الإنسانية، وهى لا تتحقق إلا بعنصر إيجابي، يتركز فى القيام بما أمر الله سبحانه وتعالى به من فروض وواجبات فى القول والفعل، وعنصر آخر يدفع إلى الانتهاء عما نهى الله عنه بالقول والفعل. وإذا أثمر الصوم ثمرة التقوى فإنه يكون قد جمع القيم الروحية، وضم الفضائل التى امتدحها المولى عز وجل فى قوله: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» وشهر الصيام يطالب المؤمنين بأن يهاجروا إلى الله ورسوله، ساعين الى أفضل المراتب، مؤكدين أن إيمانهم صادق، وصبرهم خالص، ومسلكهم رشيد، وهم سعداء بالصوم، الذى يعصم العين واليد واللسان والأحاسيس من الشرور والآثام، ويمنح أعظم ما يصون الدين والخلق، من التردى فى مهاوى الرذيلة والفساد. إن إمساكهم عن الطعام والشراب من الفجر الى غروب الشمس، وامتناعهم عن المعاصى والفواحش والمنكرات، وإقبالهم على المكارم والفضائل وطاقات الرحمة ونفحات الخير والبر، يثبت أنهم متمسكون بأكرم صور الهجرة والطهر وجهاد النفس، وشهر الصيام يود أن يفطن الناس الى الاتجاه الصافى السليم الذى يضيء جوانب النفس، ويعول على منهج الطهر والسمو والتكامل، الذى ينبه على أن من ظن أن الصوم هو الجوع والعطش فحسب، لم يفهم المقصود الأسمى منه، ووقف عند الأمر الظاهرى الشكلي، ولم يدرك التكامل الرائع والحكمة السامية فيه. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش». ويقول أيضاً: «إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل أنى صائم إنى صائم». وما قاله رسول الله، يدل على أن هدى شهر الصيام يحارب العنف والإرهاب ويبغض هوى المضللين وفساد المنحرفين، وبطش المخربين، إنه حرب على العدوان وقتل الأبرياء، وحث على الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتى هى احسن، وما أعظم هذا المنهج الطيب الذى يعلم السماحة والمودة والاحسان، وينأى عن القسوة والجور والطغيان! إن شهر الصيام يسعد بالعمل الذى يسعى الى تقوية الإخاء، وصيانة حق التكافل وحفظ الوحدة، ويريد أن يكون الصيام سندا للصفاء، ودعما للتراحم والتعاطف والعمل الصالح، ويبث قول الرسول صلى الله عليه وسلم موجها ومرشدا: «ومن فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: يارسول الله ليس كلنا يجد مايفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطى الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضى شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة. ولا ينسى شهر الصيام الحض على ترك الزور والعمل به. يقول المصطفي: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه». إن من خير دروسه التحريض على نشر الخير وتصحيح الاتجاه، ونبذ الشح،، وإشاعة الحلال، والقضاء على الحرام والتعلق بأوامر الله، ولزوم الإخلاص والإحسان والصدق وفتح أبواب اليسر، وزيادة الالتجاء الى القرآن الكريم، فهو النعمة الكبرى فى أيام وليالى رمضان وهو مع الصيام يشفعان للعبد يوم القيامة. لمزيد من مقالات د. حامد شعبان