حل علينا شهر رمضان الكريم بكل ما فيه من خير وإيمان وتقوى، ولكن ما الذى يعنيه إسم الشهر "رمضان"؟ وتأتى الإجابة من المفسرين وعلماء اللغة لتقول ( رَمَضَانَ ) اسم لهذا الشهر الذى فرض علينا صيامه ، وهو مأخوذ من كلمة "رمض" الصائم "يرمض" إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء : شدة الحر. وقيل : إن العرب عندما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التى وقعت فيها، فوافق هذا الشهر(أى شهر رمضان) أيام رمض الحر فسمى بذلك . وقيل أيضا إنما سمى رمضان لأنه "يرمض" الذنوب ، أى : يحرق الذنوب بصالح الأعمال. ويعد صيام المسلم فى شهر رمضان هو الأساس الذى يتميز به هذا الشهر الكريم عن غيره من الشهور. وفى ذلك يقول الفقهاء أن اختيار شهر رمضان للصوم فيه لم يكن لمجرد كونه شهر رمضان فحسب، ولكن لإرتباط التوقيت ببدء نزول القرآن الكريم. فالصيام يتم فى شهر رمضان لأنه الشهر الذى أنزل فيه القرآن وهو ما يؤكده قول الله تعالى فى كتابه العزيز : "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون"(البقرة : 185) والهدف الرئيس المباشر من الصيام فى شهر رمضان هو "التقوى" التى تعد الهدف من العبادات والطاعات جميعا. وفى ذلك قال الله تعالى فى القرآن الكريم : "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"(البقرة:183) ويقول الفقهاء أن التقوى المقصودة فى قوله تعالى : ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) هى جملة تعليلة جىء بها لبيان حكمة مشروعية الصيام فكأنه - سبحانه - يقول لعباده المؤمنين : فرضنا عليكم الصيام كما فرضناه على الذين من قبلكم، لعلكم بأدائكم لهذه الفريضة تنالون درجة التقوى والخشية من الله، وبذلك تكونون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه. وفى الصوم قال خير خلق الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصوم جنة" أى : وقاية . إذ فى الصوم وقاية من الوقوع فى المعاصى، ووقاية من عذاب الآخرة، ووقاية من العلل والأمراض الناشئة عن الإِفراط في تناول بعض الأطعمة والأشربة. وهكذا بدا من الواضح أن الصيام والالتزام به فى رمضان يحقق نصر الإنسان على شهواته ويمكنه من كبح جماح نفسه ما يعنى أن الإنسان الصائم ينتقل إلى مرتبة تجتمع له فيها العبودية لخالق الكون والسيادة. فالسيادة يقصد بها السيادة على النفس وتنبع من قدرة الإنسان الصائم على إعطاء الأوامر لجوارحه وقلبه والتحكم فيها جميعا تحقيقا لمشيئة الله وطلبا للتقوى والرضا الإلهى. وبهذا يبتعد الإنسان الصائم عن مرتبة الحيوان والجماد حيث الانصياع لقوانين الطبيعة أو الشهوات. وللصوم درجات كما قال الفقهاء؛ فمن الناس من يصوم عن الطعام والشراب فحسب، وهذه أقل درجات الصوم، ومن الناس من يصوم عن الطعام والشراب والأعمال السيئة والأقوال الرديئة، وتلك هى أعلى من السابقة، وهناك صفوة يصومون عن الطعام والشراب وسوء الأعمال ومنكرات الأقوال، وتصوم قلوبهم عن الأهواء وخواطرهم عن كل ما لا يتعلق بالله، ونجد أن الإمام أبو حامد الغزالى في كتابه (إحياء علوم الدين) قد جعل الصوم ثلاث درجات : الأولى صوم العموم : وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. والثانية صوم الخصوص : وهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. والثالثة صوم خصوص الخصوص : وهو صوم القلب عن الدنايا والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويتشدد الغزالى مضيفا بأن الفطر فى هذا الصوم (خصوص الخصوص) يحدث بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر فى الدنيا إلا دنيا تراد للدين. ومن الواضح أننا نعيش اليوم مرحلة تجاوز فيها الشيطان حدود إغواء الصائم صوم العموم، وصوم الخصوص. فقد شهدت الأعوام الأخيرة تعظيم الشيطان وأوليائه من أغراض وشهوات الدنيا ومن "الأفكار الدونية" التى تسعى وراء تلبية تلك الشهوات حتى بات هناك الكثير ممن تحولوا إلى عبيد لتلك الشهوات التى لوثت أفكارهم إن لم تكن قد طمستها فأصبحوا مستعدين للتضحية بأرواحهم من أجلها بدلا من طاعة الله عز وجل خالق الكون. فما أحوجنا فى تلك الأيام الصعبة لأن نصل بصومنا بل وبفكرنا إلى مرحلة صوم الخصوص، وخصوص الخصوص، تخليصا للنفس من الشهوات المتنوعة التى نشط الشيطان وأولياؤه فى التعظيم منها، وأدت وتؤدى إلى ما حاق ببلادنا العربية من كوارث متتالية بداية من التقاتل على السلطة والمال ووصولا إلى التشريد والتفتيت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;