صقور واشنطن تنشب مخالبها فى الرئيس ترامب، وبدأت اتخاذ إجراءات عزله من الحكم، بعد حملة إعلامية وصفها ترامب بأنها الأعنف فى التاريخ على رئيس أمريكي، فماذا يريد صقور واشنطن؟ وكيف سيتصرف ترامب؟ قال الرئيس الأمريكى إن تعيين وزارة العدل لمحقق خاص حول التدخل الروسى المزعوم فى الانتخابات الرئاسية التى فاز بها ستؤدى إلى انقسام المجتمع الأمريكي، وقد يكون ترامب محقا فى أن تداعيات اتهام الرئيس بأنه مشكوك فى شرعيته سيؤدى إلى أزمة عميقة، لكن صقور مراكز النفوذ لم يتوقفوا عند حد التشكيك فى شرعية الرئيس لأول مرة فى تاريخ أمريكا، بل ذهبوا إلى طريق أقصر يؤدى إلى عزله، وهو اتهامه بأنه حاول عرقلة العدالة، عندما أقال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذى كان يتولى التحقيق فى التدخلات الروسية فى الانتخابات، وتهمة عرقلة العدالة من التهم الخطيرة، التى تؤدى فى حال ثبوتها إلى إقالة الرئيس. كان ترامب قد اعتقد أن الأمور ستهدأ فى واشنطن، بعد أن قرر تمديد العقوبات الأمريكية ضد روسيا، وأمر بالضربة الصاروخية على مطار الشعيرات السوري، وكانت المرة الأولى والوحيدة التى أشاد فيها الإعلام الأمريكى بالرئيس الجديد، والذى لم يتمكن حتى الآن من تنفيذ أى قرار اتخذه، فقد تم إيقاف تنفيذ قراره بمنع رعايا 7 دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولاياتالمتحدة، ولم ينجح فى عرقلة مشروع التأمين الصحى للرئيس السابق أوباما، ورفض اعتماد موازنة إنشاء جدار بين الولاياتالمتحدة والمكسيك، وبدا ترامب مشلولا تماما. كان الرئيس الأمريكى قد أرضى صقور مراكز النفوذ، عندما منح البنتاجون تحديد حجم القوات فى كل من سورياوالعراق، وإصداره أمر إطلاق صواريخ كروز على مطار الشعيرات السوري، واعتقد أن الوقت أصبح مناسبا لأن يتخفف من بعض خصومه داخل إدارته، فكان قراره بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ليفاجأ بحملة أشد ضراوة، بلغت حد البدء بإجراءات خلعه، خوفا من تمادى الرئيس فى تصفية خصومه، والانفراد بالسلطة، وحاول ترامب امتصاص الغضب، وأمر بتوجيه ضربة جوية جديدة أصابت قافلة لقوات حليفة للجيش السورى قرب الحدود مع الأردن، وادعت مصادر البنتاجون فى بيان لها أنها تدخلت لوقف تقدم القافلة، بعد أن فشلت روسيا فى إقناعها بعدم التقدم، لكن روسيا نفت أى اتصال مع القوات الأمريكية، وأكدت أنها تنسق مع إيرانوسوريا لدعم سيطرة الجيش السورى على البادية السورية والحدود مع العراق، واعتبر النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن فى مجلس الاتحاد الروسى فرانتس كلينتسيفيتش، أن «الوضع فى سوريا خرج عن السيطرة بشكل تام بسبب تصرفات التحالف الأمريكي، وأن ترامب هو من أعطى الأمر بالضربة، وأن الأزمة السياسية التى يواجهها الرئيس الأمريكى فى الداخل انعكست على تصرفات القوات الأمريكية. هكذا وجد ترامب أنه أمام خيارين، إما تصعيد القتال داخل سوريا تحت ضغط صقور مراكز النفوذ فى أمريكا واللوبى اليهودي، خشية انتصار جديد وحاسم للتحالف الروسى الإيرانى السوري، بسيطرة قوات الجيشين السورى والعراقى على الحدود بين البلدين. الوضع العسكرى فى سوريا شديد التعقيد، فالجيش السورى استفاد من اتفاقية «خفض التوتر» وتقدم شرقا وجنوبا على عدة محاور، واقترب من الحدود العراقية لأقل من 100 كيلو متر، ويتلقى دعما جويا روسيا، بينما على الجانب الآخر من الحدود تندفع قوات الحشد الشعبى العراقية بسرعة أكبر، ولم يعد أمامها سوى أقل من 60 كيلو مترا، لتصل إلى الحدود خلال أيام قليلة، فى الوقت الذى جرت فيه اتصالات بين روسياوالعراقوإيرانوسوريا لإعادة إحياء غرفة العمليات العسكرية المشتركة، كما أرسل فيه رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى موفدا خاصا إلى الرئيس السورى بشار الأسد، أكد فيه ضرورة التنسيق العسكرى والسياسى بين البلدين لتطهير المنطقة الحدودية من تنظيم داعش، مؤكدا أن معركتهما واحدة والتحديات واحدة. الولاياتالمتحدة لا يمكنها توسيع الصدام فى سوريا، فليس لديها إلا قوات محدودة على الأرض، وهى وحدات الحماية الكردية فى الشمال، والتى خسرت تركيا بسبب تسليحها، وفى الجنوب لا يوجد سوى نحو 6 آلاف مقاتل، جندتهم من النازحين السوريين وسكان البادية، وأطلقت عليهم اسم مغاوير البادية، ولا يمكنهم مقاتلة كل من داعش والقوات السورية والعراقية والسيطرة على الحدود، لهذا أعلن وزير الدفاع الأمريكى أن القوات الأمريكية لا تنوى توسيع نشاطها فى سوريا، وسيقتصر نشاطها على حماية نفسها. روسيا لم تقتنع بالتفسير الأمريكي، واستاءت من خرق التعهدات التى قطعها ترامب بأنه لن يكرر توجيه ضربات للجيش السوري، وهو ما يفسر الاتصال الذى أجراه الرئيس الروسى بوتين برئيس فنزويلا مادورو، وعرض وساطة روسيا لحل الأزمة الفنزويلية، بعدما هددت المندوبة الأمريكية فى الأممالمتحدة الحكومة الفنزويلية بتعريض بلدهم للدمار مثل سوريا، وقال وزير الدفاع الفنزويلى بإننا لن نسمح لواشنطن بأن تحول كاراكاس إلى حلب، ولا فنزويلا إلى سوريا جديدة. الخيارات تضيق على الرئيس الأمريكي، فلا هو قادر على إرضاء صقور مراكز النفوذ المتربصين به فى واشنطن، ولا المواجهة العسكرية مع روسياوإيران، ولم يعد أمامه إلا محاولة إقناع القادة العرب بالتدخل فى سوريا، ربما يمكنهم تحقيق ما عجزت عنه واشنطن، دون أن تتحمل أى خسائر أو مخاطر. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد