لم تكن الضربة الأمريكية لقاعدة الشعيرات الجوية السورية فجر الجمعة الماضى هى الأولى، فقبل أن يغادر باراك أوباما البيت الأبيض بأيام أغارت الطائرات الأمريكية على مواقع عسكرية سورية فى دير الزور، تزامنت مع هجوم لتنظيم داعش على نفس الموقع، واستطاع زداعشس إحتلال مواقع مهمة بفضل الغارات الأمريكية المكثفة والمتواصلة على القوات السورية، واعتذرت الولاياتالمتحدة وقالت إن غاراتها جاءت بالخطأ. كما لم يكن اتهام سوريا باستخدام أسلحة كيماوية فى ضرب الجماعات المسلحة هو الأول أيضا، فقد سبق لأوباما أن وجه اتهامات مماثلة للجيش السورى فى أغسطس 2013، وحشد قواته لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، وتدخلت روسيا، وتم الاتفاق على نزع كل الأسلحة الكيماوية السورية بإشراف دولي، ووافقت إدارة أوباما، التى كانت تعتقد أن الجيش السورى على وشك الانهيار، وأنه لا ضرورة لمشاركة القوات الأمريكية فى إسقاطه، وترك الأمر للجماعات المسلحة التى كانت تتقدم بسرعة فى دمشق ومعظم أنحاء سوريا. كان الرئيس دونالد ترامب قد أعرب عن أسفه لأن القوات الأمريكية انسحبت من العراق، وأنه كان بمقدورها السيطرة على حقول النفط، وقال إن أوباما قد أخطأ لأنه لم يوجه ضربات إلى سوريا قبل أن تتلقى الدعم من روسياوإيران وحزب الله.هذا الندم جاء متأخرا، والضربة الأمريكية الأخيرة لمطار الشعيرات لا يمكن أن تؤثر على القدرات القتالية للجيش السوري، وتستهدف فقط عرقلة التقدم السريع للجيش السورى فى الشرق، والتى حرر فيها مئات البلدات، وكان فى طريقه إلى الرقة ودير الزور، ليحقق نصرا كبيرا ومدويا، لكن القوات الأمريكية قامت بعملية إسقاط مظلى لقوات المارينز على مدينة الطبقة، لتقطع طريق الجيش السورى نحو الرقة، ويبدو أن هذا الإنزال لم يكن كافيا، لهذا جاء انتهاك الجماعات المسلحة للهدنة، لتشن هجمات مباغتة ومتزامنة على العاصمة دمشق وريف حماة وحلب واللاذقية، لكن الجيش السورى تمكن من إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة التى خرقت الهدنة، وشن هجوم مضاد أجبرها على الانسحاب، وكادت تنهار فى الأيام الأخيرة، وكانت بحاجة إلى (مظلمة) لتكسب التعاطف، مثلما حدث عندما حوصرت فى شرق حلب، ولم يكن أمامها إلا الموت أو الاستسلام. وجاءت حملة (حلب تحترق) لتنقذها من المصير المحتوم، وهو ما تكرر فى حادث التفجير الكيماوى فى خان شيخون قرب إدلب، ولم تمر سوى دقائق على إعلان حدوث تفجير كيماوى حتى اهتز العالم، وتعرضت سوريا وحلفاؤها لحملة إعلامية شديدة الضراوة، وتصدرت صور الأطفال الذين يسعلون من الغاز صدارة نشرات الفضائيات والصحف الأجنبية والعربية، والمصدر الوحيد لهذه الصور ومقاطع الفيديو هو إعلام جبهة النصرة الإرهابية، الذى اتهم الجيش السورى بارتكاب التفجير، لكن الجيش السورى لم يكن بحاجة إلى اقتراف هذه الحماقة، فقد كان فى وضع قوي، ويحقق مكاسب كبيرة بدون سلاح كيماوي، ولا يعقل أن يفسد انتصاراته ويقلب الأوضاع عليه بمثل هذه الحماقة غير المجدية. الأسئلة المهمة هي: ماذا أراد الرئيس ترامب بإطلاق 59 صاروخ توماهوك على المطار السوري، وهل حقق الهجوم أهدافه؟ وما هى تداعيات هذا الهجوم؟ لم ينتظر ترامب ما سيسفر عنه اجتماع مجلس الأمن، بعد أن اتضح إصرار كل من روسيا والصين على تمرير قرار يدين سوريا، وطالبتا بتحقيق محايد وشفاف، وهو ما يعنى أن الفرصة ستضيع، وأن نتائج الحملة الدعائية سوف تتبدد، وأراد ترامب أن تصل رسالة مفادها أنه ليس هادئا وصبورا مثل أوباما، وأنه لن يسمح للجيش السورى بتحقيق انتصارات كبيرة وسهلة، لكنه لم يكن مستعدا للصدام بروسيا أو إيران، لهذا أطلع روسيا على مكان وموعد الهجوم، فأبلغت سوريا، وجرى إفراغ الموقع من معظم الطائرات والمقاتلين، لكن بوتين أبدى غضبه الشديد من السلوك الأمريكي، الذى يتجاوز القانون الدولي، ويريد أن يكون فوق أى قانون أو إجراءات، لهذا كان الرد الروسى حادا، ولم يكتف بإدانة الهجوم الأمريكي، بل توعد بإجراءات جديدة على الأرض، مؤكدا وضع إمكانيات القوات الجو- فضائية الروسية لدعم جهود الجيش السورى فى دحر الإرهاب، ووصف الغارة الأمريكية بأنها تدعم الجماعات الإرهابية، أما موقف إيران فكان أكثر حدة، وأعلنت حالة التأهب استعدادا لمؤازرة الجيش السوري. كانت إسرائيل وتركيا والمعارضة السورية أول من رحب بالهجوم الأمريكي، ويعقد نيتانياهو اجتماعا اليوم لبحث إمكانية تدخل القوات الإسرائيلية فى ضرب سوريا، وأعربت عن أملها فى أن تتسع الضربات الأمريكية لتصل إلى إيران وكوريا الشمالية، وكأن إسرائيل تريد مأتما لملايين البشر لتشعر بالأمان. لا يبدو أن الإدارة الأمريكية بصدد التورط فى حرب مباشرة فى سوريا، فتقارير البنتاجون حذرت من مثل هذا الاحتمال، وأكد أن خسائر أى تدخل أمريكى مباشر تفوق كثيرا ما يمكن أن يحققه من إيجابيات، ولهذا لم تستخدم الطائرات خشية الاحتكاك بالدفاعات الجوية الروسية، واعتمدت على الصواريخ بعيدة المدى، والتى وصل أقل من نصفها إلى أهدافه. كل ما تطمح إليه القوات الأمريكية هو الحيلولة دون انتصار جديد وكبير للجيش السورى وحلفائه، وأن تتمكن من السيطرة على الحدود العراقية السورية قبل أن ينتهى الجيش العراقى والحشد الشعبى من تحرير الموصل وتلعفر، ويتوجه إلى الحدود العراقية السورية، ويطرد داعش منها، ويفتح الطرق البرية بين العراقوسوريا، وهو ما يعزز من قوة التحالف الروسى السورى الإيرانى ومعهم حزب الله اللبناني، وهو ما يزيد من مخاوف إسرائيل التى تخشى الترابط الجغرافى بين دول هذا التحالف، لهذا قال نيتانياهو للرئيس الروسى بوتين فى زيارته الأخيرة لموسكو إن شرط إسرائيل لوقف الحرب ضد سوريا هو انسحاب إيران وحزب الله والمجموعات المسلحة العراقية من سوريا. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد;