سيناريوهات متكررة ومزاعم وهمية ومواقف لاتزال متخاذلة لم تتغير على مر العصور والعهود وتبدل الرؤساء والملوك، فالمسرحية الأمريكية التي تم تمثيلها في العراق منذ ما يقرب 14 عام، وأدت إلى دمار الدولة وإضعاف مؤسساتها بمزاعم وجود أسلحة دمار شامل، يتم الأن تأليفها من جديد وتوزيع الأدوار فيها بإخراج أمريكي أيضًا، لكن هذه المرة بمزاعم الأسلحة الكيميائية، فما أشبه الليلة بالبارحة. غزو مُدمر بمزاعم وهمية الحملة الإعلامية والسياسية الغربية والأوربية التي تم شنها على النظام السوري عقب وقوع حادث مدينة "خان شيخون"، تذكرنا تمامًا بالحملة التي تم شنها على النظام العراقي قبل الغزو العراقي عام 2003، فالسيناريو الأمريكي الذي خططت له الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق، جورج بوش، للتدخل في العراق وإسقاط، صدام حسين، بذريعة وجود أسلحة دمار شامل، هو نفسه الذي تم خلال الأيام الماضية في سوريا، ولاكتشاف تطابق السيناريوهين الأمريكيين يجب أولًا تفنيد مزاعم أمريكا لغزو العراق. كانت المبررات الأمريكية حينها تنصب في أن النظام العراقي يملك أسلحة دمار شامل، تشكل خطرًا على الشعب الأمريكي ثم على الشعوب المجاورة للعراق، كما أن الرئيس "صدام حسين" يملك علاقات مع تنظيم القاعدة ومنظمات إرهابية، وهي المزاعم التي انطلقت على أساسها قوات الائتلاف بقيادة أمريكا ومساندة بريطانيا، وقد أطلقت عليه اسم "ائتلاف الراغبين"، وقد تسببت هذه الحرب في أكبر خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي منذ عدة عقود، وأنتهت الحرب رسميا في 15 ديسمبر عام 2011 بإنزال العلم الأمريكي في بغداد وخروج أخر جندي أمريكي من العراق. فيما بعد أثبتت التقارير والتحقيقات أن المزاعم التي أطلقتها أمريكا لتبرير حربها على العراق، ما هي إلا مزاعم واهية أثبتت عدم صحتها نهائيًا، فبعد سقوط بغداد قام الرئيس الأمريكي حينها بإرسال فريق تفتيش برئاسة "ديفيد كي" الذي كتب تقريرًا سلمه إلى "بوش" في أكتوبر عام 2003،ونص التقرير على أن فريق التفتيش لم يعثر على أي أثر لأسلحة دمار شامل عراقية، وأضاف في استجواب أمام مجلس الشيوخ الأمريكي: "بتصوري نحن جعلنا الوضع في العراق، أخطر مما كان عليه قبل الحرب"، ليخرج بعد ذلك رئيس الوزراء البريطاني ويعتذر عن دخول حرب "بمعلومات استخباراتية غير دقيقه"، في محاولة لمحو سطور الدم التي سطرها في تاريخ بريطانيا. موقف عربي متخاذل اتسم الموقف العربي حينها بالتخاذل، فعلى الرغم من رفض العديد من الدول العربية شن حرب أمريكية ضد العراق، إلا أن جامعة الدول العربية وقفت مكتوفة الأيدي أمام قرار بريطانياوأمريكا دخول العراق، حيث كان موقفها بطيئًا حيث لم تدع الدول العربية إلى قمة عاجلة للنظر في أمر التهديدات الأمريكية للعراق، كما اتسم الموقف العربي بالانقسام كلًا وفق مصالحة الشخصية. سوريا.. السيناريو العراقي يتكرر وسط التحقيقات والاجتماعات والمؤتمرات وتبادل الاتهامات وتضارب التصريحات بشأن مجزرة بلدة خان شيخون باستخدام الأسلحة الكيميائية، وفي الوقت الذي لم تكاد تخرج فيه نتائج تحقيقات نزيهة، بل لم يتم التأكد من مصدر هذه الأسلحة الكيميائية، ومع نفي النظام السوري قطعيًا استخدام هذه الأسلحة أو وجود مخزون كيميائي لديه، وتأكيد روسيا على أن هذه الغازات ناتجة عن انفجار مخزن للأسلحة الكيماوية تابع لجبهة النصرة في خان شيخون، وتأكيد منظمة الحظر الكيمياوي صحة البيانات السورية، حول إدخال الإرهابيين مواد كيماوية إلى سوريا من العراق، وتأكيد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والوكالات المتخصصة في الأممالمتحدة على حقيقة تدمير القوات المسلحة السورية لجميع مخزوناتها من الأسلحة الكيميائية، خرج الرئيس الأمريكي منفردًا ليقطع الطريق على كل هذه التصريحات والتأكيدات، ويستبق التحقيقات ليعلن أن قواعد النظام السوري هي التي شنت الهجوم الكيمائي على منطقة خان شيخون السورية، دون تقديم أي دلائل أو تفنيد لهذه المزاعم. الإدارة الأمريكية كعادتها بحثت مرارًا عن مزاعم واهية لحشر أنفها في الأراضي السورية، وقد نجحت في هذا على مدار الست سنوات من عمر الأزمة السورية، لكن ظل التدخل الأمريكي في سوريا على استحياء لعدم وجود ما يبرره سوى محاربة داعش أو تأمين المدنيين السوريين، وهي المزاعم التي لم ترتقي لأن تكون قوية وتبرر تدخل عسكري واضح وقوي، حتى جاءت واقعة "خان شيخون" لتجد فيها واشنطن ضالتها، فتستبق الأحداث والتحقيقات وتشن هجومًا كارثيًا مدمرًا على الأراضي السورية، حيث انطلقت المقاتلات الأمريكية عند الساعة 3.42 فجر اليوم الجمعه، لتشن هجومًا سافرًا على قاعدة الشعيرات العسكرية في مدينة حمص وسط سوريا، وتُطلق 59 صاروخًا من طراز توماهوك من مدمرتين للبحرية الأمريكية، لتُسقط 5 قتلي و7 جرحى في الحصيلة الأولية للعدوان الأمريكي. العدوان الأمريكي، بعيدًا عن أنه يبعث برسائل خاطئة للمجموعات الإرهابية تجعلها تتمادى في استخدام السلاح الكيماوي مستقبلًا كلما تعرضت لخسائر كبيرة في ميدان المعركة، فإنه أيضًا يُدخل الأزمة السورية في مرحلة مواجهات جديدة قد تتدخل بموجبها روسيا وإيران على خط المواجهة مع أمريكا، الأمر الذي قد يُصعد الحرب مستقبليًا، إلى جانب ذلك فإنه يثبت مجددًا أن "أمريكا جورج بوش" لا تخلف كثيرًا عن "أمريكا أوباما أو ترامب"، فالسياسة الأمريكية على مختلف العهود والرؤساء أثبتت تناقضها الشديد وريائها، فالرئيس "ترامب" حينما كان مرشحًا للرئاسة أكد أنه لا يسعى إلى مزيد من المغامرات الخارجية، وانتقد مرارًا سياسة سلفة "أوباما" المتورطة في ليبيا واليمن وسورياوالعراق، وشدد على أنه سيركز على "أمريكا أولًا"، قائلًا: "نحن نريد ان ننكفئ على الداخل ولا نريد مغامرات ولا نسعى إلى إسقاط حكومات، ولا نريد ان نزج بجيوشنا بحروب خارجية لا جدوى منها"، لكن الأحاديث شيئًا والأفعال شيئًا أخر، فبمجرد دخول "ترامب" إلى البيت الأبيض سارع إلى زيادة ميزانية القوات العسكرية إلى 500 مليار دولار، وانغمس بشكل أكبر في الحرب على اليمن لتليها سوريا. دول عربية وإسلامية.. تخاذل يتكرر اختارت بعض الدول العربية والإسلامية الدخول مع إسرائيل في خندق المباركة، فعقب خروج المقاتلات الأمريكية لتنفيذ عدوانها على سوريا، انطلق التهليل الصهيوني مرحبًا بالخطوة الأمريكية، حيث عانت إسرائيل كثيرًا من تقدمات الجيش السوري الأخيرة بمساندة القوات الروسية ودعم من القوات الإيرانية في مواجهة الجماعات الإرهابية المسلحة هناك، فالاحتلال الصهيوني الذي حاول مرارًا تغيير قواعد اللعبة على الأرض وقلب ميزان القوى العسكرية لصالح الجماعات المسلحة المدعومة منه والتي كانت تتلقى الدعم المالي واللوجستي والعلاج على أراضيه، وجد ضالته في الضربات الأمريكية التي نفذها صديقة الوفي "دونالد ترامب"، حيث أشادت إسرائيل بالغارات فيما أكد الجيش الإسرائيلي إنه تم إعلامه مسبقًا بقرار الغارات، وأبدى دعمه لقرار شنها. من جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: بالأقوال وبالأفعال بعث الرئيس ترامب رسالة قوية وواضحة مفادها أن استخدام الأسلحة الكيميائية وترويجها لا يحتملان، وأضاف أن إسرائيل تدعم قرار الرئيس ترامب دعمًا كاملًا، وتأمل أن هذه الرسالة الحازمة حيال الممارسات الفظيعة التي قام بها نظام الأسد، ستدوي ليس فقط في دمشق بل في طهران وبيونغيانغ وفي أماكن أخرى أيضًا، فيما قال الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين ريفلين، إنه في مواجهة الاستخدام الرهيب للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الأبرياء، فإن الخطوات العسكرية الواضحة والحازمة للإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب تشكل استجابة ملائمة لهذه الوحشية التي لا يمكن تصورها. على غرار الترحيب والإشادة الصهيونية، جاء التأييد السعودي ليكون الأول عربيًا الداعم للغزو الأمريكيةلسوريا، حيث ووصف مسؤولًا في وزارة الخارجية السعودية، قرار ترامب بال"شجاع"، موضحًا أن القصف جاء ردًا على جرائم هذا النظام تجاه شعبه في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن إيقافه عند حده. لم يختلف الموقف التركي كثيرًا عن حلفاءه من الصهاينة وأل سعود، حيث خرج الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي سبق أن حث نظيره الأمريكي على التحرك ضد سوريا، قبل ساعات من انطلاق المقاتلات الأمريكية قائلًا: "لقد قال ترامب إنه من المستحيل غض النظر عن الأفعال المقيتة لنظام الأسد، أشكرك، لكن لا تكتفي بالأقوال لا بد من أفعال"، ليرحب بالضربات الأمريكية، حيث قال نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، إن بلاده تنظر بإيجابية للضربات الصاروخية الأمريكية، وإن المجتمع الدولي يجب أن يبقى على موقفه ضد وحشية الحكومة السورية. في الوقت الذي جاهرت فيه السعودية وتركيا بالدعم والترحيب للضربات الأمريكية على سوريا، فضلت العديد من الدول العربية والإسلامية الصمت المطبق، ربما في انتظار الخروج بنتائج هذه الضربات لتعلن عن ترحيبها أو إدانتها كلًا حسب مصالحة السياسية، وربما لأنها أضعف من أنها تتخذ موقف قد يتضارب مع مصالحها، لكن المؤكد والواضح أن الدول العربية والإسلامية باتت عاجزة عن التوحد حول موقف أو رد فعل تخرج به للدولة المُعتديه، بل وصل عجزها إلى عدم القدرة على الخروج بإدانة ولو لفظيه خوفًا من سخط الحليفة الأمريكية.