منذ اللحظة الأولى لانطلاق الصواريخ الأمريكية تجاه الأراضي السورية في قاعدة الشعيرات، انتظر الجميع رد الفعل الروسي على العدوان الأمريكي، الذي يمس سيادة سوريا وأراضيها، ويجهض أي تعاون مفترض بين واشنطنوموسكو، ويشعل أول مواجهة روسية أمريكية في عهد ترامب. تصريحات لاذعة عقب الهجوم الأمريكي مباشرة، خرج أول رد فعل روسي ليوجه رسائل لاذعة لأمريكا وإدارة الرئيس الجديد، فلم تتردد موسكو في وصف الضربة الأمريكية ب"العدوان"، كما أكدت أن فرص التعاون الروسي الأمريكي في الشأن السوري عادت إلى نقطة الصفر، حيث تصاعدت المؤشرات خلال الأشهر الأخيرة وبالتحديد بعد تنصيب الرئيس ترامب في يناير الماضي، التي تدل على وجود تقارب في وجهات النظر الروسية والأمريكية في الشأن السوري، بل وصل الأمر إلى الحديث عن اتفاقات بين الطرفين في الغرف المغلقة وزيارات مرتقبة واتصالات هاتفية وتنسيق غير مسبوق، بعدما أظهر ترامب موقفًا لينًا تجاه مصير الرئيس السوري، بشار الأسد. كل هذه التكهنات انهارت مع انطلاق صواريخ "توماهوك" وإصابتها أول أهدافها في قاعدة الشعيرات بمحافظة حمص، وهو ما أكدته رئيسة مجلس الاتحاد الروسية، فالينتينا ماتفيينكو، التي وصفت الضربة الأمريكية بأنها ضربة للعلاقات الروسية الأمريكية، قائلة: الضربة الصاروخية خطوة تضع عقبات جديدة على طريق تعزيز السلام والتعاون. ووصف مجلس الأمن القومي الروسي، الضربات الأمريكية بالعمل العدواني الذي يخالف القانون الدولي، وأوضح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن الرئيس بوتين يعتبر الضربات الأمريكية عدوانًا ضد دولة ذات سيادة وانتهاكًا للأعراف الدولية تحت حجج واهية، وتابع: بوتين يرى خطوة واشنطن هذه تسببت بضرر كبير للعلاقات الروسية-الأمريكية، التي من دون ذلك تعيش وضعًا سيئًا، فيما أعرب مجلس الأمن الروسي عن الأسف بشأن الأضرار التي ألحقتها ضربات الولاياتالمتحدة بالعلاقات الثنائية الروسية الأمريكية. كما وصف رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، رفض واشنطن عرض الأدلة التي ادعت أنها تثبت وقوف دمشق وراء الهجوم الكيميائي في خان شيخون، ب"الوقح"، واعتبر أن الرفض الأمريكي يمثل نموذج الانعدام التام للعلاقة السببية بطريقة أمريكية أو بعبارة أخرى، الوقاحة الأمريكية المبنية على التلاعب بالحقائق والكذب. تعزيز التقارب الروسي الإيراني الموقف الروسي اتفق تمامًا مع نظيره الإيراني، وهو ما أظهرته غرفة العمليات المشتركة بين روسياوإيرانوسوريا، حيث أعرب الطرفان في بيان مشترك شديد اللهجة، عن استعدادهما للرد بقوة على أي عدوان وأي تجاوز للخطوط الحمراء، مؤكدين أن الولاياتالمتحدة تعلم القدرات على الرد جيدًا، وقالت الغرفة "بعض الدول والمنظمات أخذت خان شيخون ذريعة لمهاجمة سوريا"، وأضافت أن "فعل أمريكا هذا لن يثنينا عن محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وسنتابع قتالنا إلى جانب الجيش العربي السوري والقوات المسلحة السورية والصديقة، وسنعمل معها لتحرير كل الأراضي السورية من رجس الاحتلال أيًا كان.. وروسياوإيران لن تسمحا لأمريكا أن تهيمن على العالم وتفرض نظام القطب الواحد، وستقفان في وجه أمريكا بكل قوة ولو بلغ ما بلغ". وأشار البيان إلى أن "من يدعم الجماعات الإرهابية المسلحة ويدرّبها ويمولها كداعش والنصرة وملحقاتهما من التكفيريين، ويدعم المعتدي على الحقوق المشروعة لشعوب المنطقة، واستخدم عشرات المرات الفيتو ضد حقوق الشعب الفلسطيني، لا يحق له أن يقدم نفسه مدافعًا عن حقوق الإنسان، ويدعي الغيرة على كرامة شعوب المنطقة خاصة في سوريا والعراق وفلسطين"، في إشارة واضحة إلى أمريكا وإسرائيل، وأضاف أن أمريكا المتغطرسة لم تنتظر إذنًا من أحد ولم تحترم الدول المنضوية تحت قبة الأممالمتحدة، وقبل أن تصدر نتائج التحقيق في قضية خان شيخون هاجمت سوريا وأعلنت بكل وقاحة عن ذلك الهجوم. اتساق المواقف الروسية والإيرانية إلى حد الخروج ببيان موحد يدين الضربات الأمريكية ويهدد بالرد عليها، يعني أن إدارة ترامب خسرت سياسيًا الكثير من أوراق ضغطها؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن تضييق الخناق على إيران وعزلها دوليًا، جاءت الضربة الأمريكية لتعزز التنسيق والتبادل والتقارب الإيراني الروسي. خطوات تصعيدية بعيدًا عن التصريحات الروسية اللاذعة التي وجهتها إلى واشنطن، جاءت الخطوات الروسية أيضًا سريعة لترد على الهجوم الأمريكي، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، أن روسيا قررت وقف العمل بمذكرة التفاهم مع الولاياتالمتحدة بشأن سلامة الطيران فوق سوريا، وأضاف أن وزارة الدفاع الروسية قدمت مذكرة بهذا الخصوص للملحق العسكري الأمريكي بالسفارة الأمريكية لدى روسيا، كما قررت وزارة الدفاع الروسية، تعليق كل الاتصالات مع الجيش الأمريكي. وذكرت وزارة الدفاع الروسية، أن موسكو ستعزز نظام الدفاع الجوي السوري عقب الهجمات الصاروخية الأمريكية، وقال المتحدث باسم الوزارة، الميجور جنرال ايغور كوناشينكوف، إن روسيا ستساعد القوات المسلحة السورية على تعزيز وتحسين فعالية نظامها للدفاع الجوي. اعتبر مراقبون أن تعليق العمل باتفاقية سلامة الطيران فوق سوريا، التي تم توقيعها بين الطرفين في أكتوبر عام 2015، من شأنه أن يعطي لموسكو الضوء الأخضر للرد على مختلف الهجمات الأمريكية المماثلة لهجوم الشعيرات، وهي الاتفاقية التي عرقلت انطلاق الصواريخ الدفاعية الروسية والسورية للدفاع عن الأراضي السورية ضد الضربات الأمريكية الأخيرة. في المقابل، ردت أمريكا على الخطوات الروسية، وتخندق الأخيرة مع إيران- العدوة اللدودة لواشنطن- في مهاجمة الإدارة الأمريكية، بالتلويح بإمكانية تشديد العقوبات على موسكو، حيث قالت مندوبة واشنطن لدى الأممالمتحدة، نيكي هايلي، إن "الرئيس الأمريكي يدرس إمكانية فرض عقوبات جديدة على روسياوإيران بسبب سوريا". هل تتطور إلى مواجهات عسكرية؟ الخطوات التصعيدية الأخيرة دفعت العديد من المحللين إلى القول بأن القرار الأمريكي المتهور الذي أدى إلى ضرب قاعدة الشعيرات السورية، لن يمر دون رد من روسيا، لكن في الوقت نفسه استبعد الكثير من السياسيين والخبراء العسكريين أن تتطور المواجهات السياسية بين روسياوأمريكا إلى عسكرية، إلا في حال تكرار الضربة الأمريكية وتوجيهها إلى العسكريين الروس أو المقاتلات الروسية التي تساند الجيش السوري هناك. يوجد سبب رئيسي يعزز الفرضية الأولى التي تشير إلى رد روسي محتمل على أمريكا، يكمن في تحرك الفرقاطة التي تحمل اسم "الأميرال جريجوروفيتش" من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، متوجهة إلى سواحل سوريا عقب الهجوم الأمريكي مباشرة، والتي تُعرف بحملها لصواريخ "كاليبر" التي سبق إطلاقها في نوفمبر عام 2016 على مواقع تنظيم داعش الإرهابي، وتستطيع ضرب الهدف الأرضي الذي يبعد 300 كيلومتر عن موقع إطلاقه. وفي المقابل، استبعد رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، أن تنجر روسيا إلى عمليات عسكرية ضد الولاياتالمتحدة في سوريا، إذا لم يكن هناك خطر مباشر على العسكريين الروس، وأضاف أن تعليق العمل بالمذكرة الروسية – الأمريكية لمنع وقوع حوادث وأمن التحليقات في سوريا، كان خطوة طبيعية من موسكو، وأمريكا من خلال ضرباتها الأخيرة وضعت نفسها خارج الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب. رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فيكتور أوزيروف، اتفق مع كوساتشوف، حيث أكد أن روسيا لا تعتزم خوض أعمال قتالية ضد القوات الأمريكية في سوريا، وأضاف "مهمتنا هناك هي دعم القوات المسلحة في محاربة الإرهابيين، ولدينا تفويض للقيام بهذه المهمة بالذات"، كما لفت إلى أن عودة فرقاطة "الأميرال غريغوروفيتش" له علاقة ليس فقط بالدعم المعنوي للقوات المسلحة السورية في مجال مكافحة الإرهاب، بل بالدعم الناري أيضًا.