لم تخجل وسائل الإعلام الغربية من ممارسة التحريض العلنى على إلغاء زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لمصر الشهر الماضي. ولم تخجل أيضا من تغطيتها الباهتة لهذه الزيارة أثناء حدوثها، ولا من تقديم تفسيرات “ملونة” لتداعيات هذه الزيارة ونتائجها، مع التركيز فى هذا على الترويج بشكل عام لفكرة أن مصر «غير آمنة»، وأن المسيحيين فى مصر «أقلية مضطهدة»، وأن قانون الطواريء المطبق حاليا لا جدوى منه. قبل زيارة البابا، حرصت وسائل الإعلام الغربية على تكثيف نشر التقارير التى تتحدث عن “اضطهاد” الأقباط فى مصر، وتعرضهم للقتل والحرق، وفشل الدولة المصرية فى حمايتهم، على الرغم من حقيقة أن مرتكبى هذه الجرائم هم أنفسهم الذين يحظون بالرعاية والدعم والتشجيع والحماية من جانب حكومات وإعلام الدول الغربية نفسها! ومن بين الأمثلة على ذلك، ما بثته وكالة “رويترز” بتاريخ 13 أبريل، أى قبل الزيارة مباشرة، حول ما صرح به مسئول كنسى من أن “الطواريء لا تكفى لحماية الأقباط”، وأنه يتعين على الحكومة بذل مزيد من الجهود لحماية المسيحيين فى مصر مما سمته ب”موجة الاضطهاد”، التى يتعرضون لها، مع إخفاء حقيقة أن العمليات الإرهابية التى تعرض لها الأقباط، مست جميع المصريين من مسلمين ومسيحيين، بدليل العشرات من شهداء الجيش والشرطة الذين لقوا حتفهم فى الحرب ضد الإرهابيين، الذين ما زالت “رويترز” تصفهم حتى يومنا هذا ب”المتمردين” أو “المتشددين”. وحتى عندما صدم البابا فرانسيس هذا الإعلام المتخاذل، وأعلن عن إصراره على القيام بزيارته لمصر، خرجت علينا رويترز بتقرير بتاريخ 10 أبريل بتصريحات مجهولة منسوبة إلى دبلوماسيين ومصادر فى الفاتيكان حذرت فيها من أن الزيارة قد تتعرض للخطر وقد يتم تغيير أجزاء منها فى حالة تدهور الوضع الأمني، وكأن الوكالة تتحدث عن دولة بلا حكومة أو سلطات تشهد حربا أهلية. وعلى الطريق نفسه، سارت وكالة “أسوشييتدبرس” للأنباء، وكأن هذه المؤسسات الإعلامية تتكلم بلسان واحد، حيث ذكرت فى تقرير بثته يوم 11 أبريل الماضى أن هجومى كنيستى طنطا والإسكندرية تركا الرئيس عبد الفتاح السيسى يصارع سؤالا هو : “كيفية هزيمة التمرد الذى يقوم به تنظيم داعش، والذى فشلت الحرب على مدى ثلاث سنوات فى سحقه”، وهى جملة تحمل “أطنانا” من المغالطات، إذ كيف يمكن لوسيلة إعلامية محترمة أن تطلق على جماعات إرهابية مصطلح “التمرد”، ولماذا لم تذكر الوكالة ما أعلنته السلطات الأمنية فى مصر عن تورط عناصر جماعة الإخوان والتنظيمات الموالية لها فى هذه العمليات، وكيف يمكن القول هكذا بكل سهولة إن مصر فشلت فى الحرب ضد الإرهاب، وهى التى حققت فى هذا الصدد نجاحات لا تنشر فى وسائل الإعلام الغربية إلا عندما تصفها بأنها عمليات قمع لمدنيين أبرياء ومعارضين سلميين؟! ولماذا الإصرار على استخدام مصطلح “داعش” فى كل كارثة تحدث على أرض مصر، رغم عدم وجود عمل حقيقى على الأرض من تنظيم داعش نفسه، بقدر ما هى تنظيمات إرهابية محلية بحتة تتلقى الدعم والتمويل من الخارج، وتستخدم كلمة داعش فقط لإثارة الفزع من الإسم ولترويج لهذه الأسطورة التى صنعها الغرب نفسه. وحتى أثناء زيارة البابا فرانسيس، كانت كلمات الرجل واضحة، بإدانة الإرهاب، وتشجيع التسامح والحوار، مع إبداء تعاطفه مع مصر ككل، ولكن وسائل الإعلام الغربية وحدها كانت مصرة بشكل غريب على أن البابا جاء لتقديم الدعم للأقباط فى مواجهة ما يتعرضون له، وهو أمر ليس صحيحا، خاصة بعد أن كانت زيارته حدثا احتفاليا مبهجا لمسلمى مصر ومسيحييها معا. وفى هذا الصدد أيضا، استضافت هيئة الإذاعة البريطانية «بى.بى.سى» صحفيا للحديث عن معاناة الأقباط من اٌرهاب، متضمنا انتقادات غير مبررة للسياسات الأمنية المتبعة، زاعما بأن القيادة المصرية لا تقبل سوى السمع والطاعة، وهو أمر ليس بصحيح، وقد أثبتت عدم صحته أحداث كثيرة شهدتها مصر، وآخرها مؤتمر الشباب فى الإسماعيلية الذى شهد حوارا راقيا بين الرئيس وأصوات كثيرة معارضة، ولكنه لم يحظ بأى اهتمام فى الإعلام الغربى بطبيعة الحال! كما استضافت البى بى سى نفسها صحفيا يدعى سيباستيان أوشير الذى وصفته بأنه متخصص فى الشئون العربية، وزعم بأن ثقة المجتمع فى قدرة الدولة المصرية واستعدادها لحماية الأقباط باتت الآن أقل بكثير من ذى قبل بعد وقوع تلك الهجمات، وهو ما يثبت أن السيد أوشير هذا يعيش فى كوكب آخر، ولا يعرف حقيقة الأوضاع فى مصر. واتضحت هذه الغيبوبة المعلوماتية أيضا من خلال إصرار وكالة أسوشييتدبرس للأنباء على تضخيم هجوم سانت كاترين، وتصويره على أنه هجوم على دير سانت كاترين، رغم أن هذا الحادث لو وقع فى أى بلد آخر، وبنفس هذه النتائج، لكان العنوان الوحيد له هو “إحباط محاولة لمهاجمة دير سانت كاترين”، بدليل سقوط قتلى وجرحى من الشرطة والإرهابيين، وذلك بدلا من تصويره على أنه هجوم على الأقباط، لإفساد زيارة البابا، وهو ما لم يحدث، بل إن كل هذه الوسائل الإعلامية، لم تنطق بكلمة عن نجاح زيارة البابا بعد انتهائها، علما بأن الاهتمام بهذه الزيارة بالذات كان أقل بنسبة تزيد على 70% من اهتمام الإعلام العالمى بأى زيارة لبابا الفاتيكان لأى دولة!