الموروث الشعبى كان وما زال أحد أهم العناصر التى تحافظ على الهوية الوطنية المغاربية، بدليل أن دول المغرب العربى عانت الاستعمار لمدة طويلة لكنها استطاعت الحفاظ على هويتها الإسلامية العربية الأمازيغية، بفضل الكتاتيب والزوايا، والتمسك بالتراث والتقاليد، فكان للزوايا فى الجزائر دور كبير فى الصمود أمام كل محاولات الاستعمار لطمس الهوية، من بينها الزاوية القاديرية والعثمانية والتيجانية، وكان دورها كبيرا فى حفظ الدين واللغة، وتشكيل وعى الأفراد، ومقومات الشخصية الوطنية، والتكوين الروحي، وكونت فرسان القلم والسيف مثل الأمير عبد القادر الجزائري، وعبد الكريم الخطابى فى المغرب، وغيرهم. والعلاقة بين التراث الثقافى والموروث الشعبى انصهارية، لارتباطهما بذاكرة الأمة وهويتها ؛ فالموروث الشعبى جزْءٌ مهمٌّ من التراث الثقافي، عبْر أنماطه المتنوّعة مكانيا، والتى تنتظم فى مجالات عدّة من فنون الثقافة الشعبية لا سيّما فنون الأدب الشعبى من أشعار، وحكايات خرافية، وقصص شعبية وملاحم، وأمثال، وألغاز، وعادات، وتقاليد، وممارسات شعبية لا تزال مؤثرة فى حياة المجتمع، وسلوكياته الفردية والجماعية، وحراكه الثقافى والاجتماعي، بل وحتى الاقتصادى فى العديد من مناحى الحياة بالرغم من العصرنة. والتراث الثقافى الشعبى غير المادى يصرّ بشكل كبير على الجانب المعيشى والتعبيرات الثقافية للمجموعات والأفراد الذين يقومون بهذه التقاليد. ويشمل أيضا العمليات الإبداعية والمعرفة والقيم التى تمكّن من إنتاج هذه التعبيرات الثقافية، وطبيعة العلاقة بين منتج ومتلقى هذه التعبيرات. والموروث الشعبى غير المادى أحد أنواع المقاومة والتأريخ والدفاع عن الهوية الوطنية بكلمات شعرية شعبية تدخل الوجدان، ومن الشعراء الذين أرخوا لحقبة من تاريخ الجزائر الشاعر «سيدى لخضر بن خلوف» وكان شاعرا ومحاربا، ونظم العديد من القصائد التى أرخت للمعارك التى خاضتها المقاومة ضد الغزو الإسبانى فى الغرب الجزائرى بمنطقة مزغران بمدينة مستغانم، وأشهرها قصيدة مزغران التى وصفت المعركة بدقة وذكر أسماء قادة الحملة على الجزائر، ويقول فى مطلعها : يا فارس من ثم جيت اليوم.. غزوة مزغران معلومة يا عجلان ريّضْ الملجوم ريت جناب الشلو موشومة يا سايلنى عن طراد اليوم قصة مزغران معلومة يا سايلنى كيف ذا القصة بين النصرانى و خير الدين اجتمعوا فى برهم لقصى بجيش قوى جاوا متهدين ترى سفون الروم محترسة صبحوا فى المنا عداء الدين. وأهمية التراث غير المادى ترجع أيضا لارتباطه بالاحتياجات اليومية المعيشة، غير أنه لم يحظ باهتمام الأكاديميين مقارنة بسياقات التراث الشعبى الأخرى كالأدب والعادات والتقاليد. والموروث الشعبى المادى عنصر مهم جدا فى تأصيل وتثبيت وحماية الموروث الشعبى المغاربى بالأشكال المعمارية الخاصة بمنطقة المغرب الكبير التى تتشارك وتتشابه فى فن العمارة والقصور الصحراوية والطابع الأندلسى والأمازيغي، فقصور الصحراء فى كل أنحاء المغرب العربى وتتمتع بتصميم واحد باختلافات طفيفة، فى مواد البناء الخاصة بكل منطقة، مثل القصبة فى الجزائر العاصمة، أو القصبة بتونس، أو قصبة بولعوان بالمملكة المغربية، وهناك أمثلة كثيرة تؤكد أن دول المغرب واحدة، واستطاعت حفظ تراثها وهويتها رغم محاولات الاستعمار طمسها. والمغرب العربى الكبير، يعنى «عبد الرحمان المجذوب» الذى عاش فى القرن السادس عشر ومازالت الأجيال تتداول رباعياته إلى اليوم، وهو ولد فى المملكة المغربية وعاش بين الجزائروتونس، وكذلك «الشيخ محند» الذى اغتال الاستعمار الفرنسى كافة أفراد عائلته أمام عينيه بالقبائل الكبرى بالجزائر، وذهب إلى تونس وأقام بها . وأذكر أيضا الولى الصالح الغوث «سيدى شعيب بومدين» الذى ولد بإشبيليا وهاجر إلى فاس ثم إلى بجاية وطاب له المقام ومات ودفن فى تلمسانبالجزائر، وهذا يبين الترابط التاريخى بين بلدان المغرب العربى فى كافة الميادين. ويمكننا القول إنّ أهمية التراث الشعبى المادى وغير المادى تكمن فى تمييزه الهوية الثقافية لأى شعب عن غيره، فما هى إلا تراكمات تفاعل الإنسان مع المتغيرات البيئية الاجتماعية والثقافية التى تشكل لنا بالتراث. ويعد التراث الشعبى مصدراً مهماً للعصور السابقة ودليلا حيويا على تطورها، ويوضح تركيب الأمة الاجتماعى والاقتصادي، ومؤشرا لتقدمها الحضاري، والصلة بين ماضيها وحاضرها، ما يؤكد أن فهم التاريخ وأحداثه لن يكتمل من دون دراسة التراث والتاريخ، فإذا كان التاريخ ذاكرة الامة، فالتراث روحها، فإذا فقد شعب شيئاً من تاريخه المكتوب، يتم الاعتماد على التراث السائد لديه لمعرفة التاريخ الاجتماعى والاقتصادى والفكرى والسياسي. كما أن للتراث أهمية أخري، حيث تظهر أهميته فى الأزمات التى تمر بها الدول، مثل خطر خارجى يهدد كيان الأمة، ففى هذه الحالة يمتلك التراث الشعبى قدرات تمكنه من استنفار وحشد طاقات الشعب، فالمجتمع شأن الكائن الحى يتأثر وينتفض لدخول أى جسم غريب عليه، ويسعى لحماية نفسه بالانكماش إلى داخله، وحشد قواه استعدادا للدفاع. ........................................... الجزائر