كتبت : رشا عبدالوهاب: تمبوكتو جوهرة الصحراء و مدينة الأولياء ال333 في مالي, والمدرجة علي لائحة اليونسكو ضمن التراث العالمي منذ عام1988, وقعت فريسة للتطرف ينهش في تاريخها ويهدم تراثها باسم الدين. وبعد ثلاثة أشهر من إعلان جماعة أنصار الدين السلفية التابعة لتنظيم القاعدة دولة إسلامية مستقلة في مالي مركزها تمبوكتو المدينة التاريخية التي أسسها الطوارق في القرن الثاني عشر تطبيق الشريعة علي طريقتهم الخاصة وبقوانينهم المتشددة, ولم تكن أول قراراتهم محاربة الفقر أو الفساد أو المرض بل هدم الأضرحة. تقييد الحريات وفرض الحجاب والجلد ونشر الإرهاب والترهيب بين السكان الفقراء, وأخيرا وليس أخرا هدم الأضرحة الصوفية التاريخية التي بنيت منذ أكثر من600 عام واشتهرت بها المدينة وكانت مزارا سياحيا وتراثا ثقافيا وحضاريا.الإسلاميون الذين يسيطرون علي المدينة تركوا حالة الانفلات الأمني والسرقة والترويع والقتل اليومي والجوع الذي تعيشه تمبوكتو منذ مارس الماضي, وتفرغوا لهدم ما وصفوه ب البدع, وما يعتبره العالم بأسره إبداعا حضاريا وجماليا. وبعد أيام قلائل من قرار اليونسكو إدراج تمبوكتو علي لائحة التراث العالمي المعرض للخطر, هددت أنصار الدين بتحطيم مساجد المدينة بأضرحتها, والسؤال بكل بساطة: لماذا؟وبدون الإجابة عن السؤال, نفذت الجماعة تهديدها في هدم المساجد والأضرحة المبنية من طين صمد في وجه الزمن وكان شاهدا علي تاريخ المدينة لكنه انهار مع أول ضربة للمعاول. وفتحوا باب القيامة في باحة مسجد سيدي يحيي, الذي لم يفتح منذ نحو600 عام أمام حشد من الناس. وبعد هدم المساجد والأضرحة بدأ أنصار الدين تفنيد الأسباب ومنها أن هذه الأماكن تعد انتهاكا لأحكام الإسلام, وأكد أبوتراب أحد المتحدثين باسم الحركة أن ما جري هو نوع من مظاهر القضاء علي الخرافة والبدعة والذريعة التي قد توصل إلي الشرك, قائلا لقد تنامي إلي أسماعنا أنه يوجد باب في باحة مسجد سيدي يحيي العتيق إذا فتح تقوم القيامة, ولما تحققنا من الأمر علمنا أنه باب ملغي في باحة المسجد القديم فتراكم التراب عليه فتم سده.عديمو الخيال دائما ما يدمرون الأسطورة, سكان للمدينة طوال تسعة قرون اعتبروا فتح باب يحيي أو باب القيامة نهاية العالم لكنها كانت نهاية للتحضر مقابل التخلف والرجعية. إنه النهج نفسه والطريقة ذاتها التي استخدمتها حركة طالبان في أفغانستان منذ أكثر من12 عاما بعد فتوي من الملا عمر بهدم جميع الثماتيل بحجة مخالفتها أحكام الشريعة وكانت النتيجة هدم تمالثي بوذا في مدينة باميان واللذين يعود تاريخهما إلي أكثر من1500 عام.شهود العيان الذين رأوا هذه المذبحة لتاريخ مدينتهم قالوا إن المسلحين سلبوا منا في البداية حرياتنا, والآن يريدون تدمير تاريخنا الهجمات فصل من فصول الفوضي التي تحياها مالي ضمن مأساة حقيقية بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته في مارس الماضي والإطاحة بالرئيس أمادو توماني توري الذي مازال يعترف به العالم رئيسا شرعيا للبلاد وينفي شرعية زعيم الانقلابيين.واستغل الانفصاليون الطوارق في أزواد هذه الحالة من الفوضي وأعلنوا دولتهم في الشمال. وبالرغم من التحالف بين حركة تحالف أزواد العلمانية وجماعة أنصار الدين الإسلامية, إلا أن الأخيرة انقلبت علي الحركة وأمرتها بإخلاء تمبوكتو, لتتناسي هذه الصراعات واحتياجات سكان المدينة إلي الأمن, وتهتم بما اعتبرته هدما للأوثان. ووسط صراعات داخلية عنيفة وتهديدات إقليمية بالتدخل العسكري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس وتهديدات دولية بفرض عقوبات, إلا أن حكومة مالي أدانت هجمات أنصار الدين علي الأضرحة الصوفية واعتبرتها جرائم حرب. فاطمة ديالو, وزيرة الفنون والسياحة والثقافة, دعت الأممالمتحدة علي اتخاذ تدابير ملموسة لوضع حد لهذه الجرائم بحق التراث الثقافي للشعب.ومثلما حدث عندما دمرت طالبان تمثالي بوذا العملاقين بالديناميت, تواصلت الإدانات الدولية, ووصفت الهجمات ب البربرية وغير المقبولة. لكن الإدانة الأهم صدرت عن فاتو بنسودا مدعية المحكمة الجنائية الدولية التي اعتبرت الهجمات جرائم حرب, وتعهدت بملاحقة المتورطين.