«وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق الى أورشليم» (الإنجيل بحسب لوقا 51:9) أورشليم الهدف يخبرنا البشير لوقا، كغيره من البشيرين، عن مركزية ذهاب السيد المسيح الى أورشليم فى خدمته، لذا يرد مرارا وتكرارا أن المسيح كان ليس فقط مستعدا، بل كان مصرا على الذهاب لأورشليم، رغم أن ذهابه لأورشليم يعنى حتما أنه سيلاقى العذاب والموت، إلا أن السيد المسيح كان واضعا نصب عينيه هدفا ولم يجعل هتافات المحبين أو لعنات الكارهين أن تثنيه عن تثبيت عينيه نحو أورشليم، نحو الصليب الذى كان هدفا وغاية تكللان خدمة السيد على أرضنا. وهذا ما يضع أمامنا تحديا، هل عيوننا مثبتة نحو الأهداف، أم أهدافنا تسوقها رغبات من حولنا، فتدفعنا الهتافات نحو أهداف لم تكن فى حساباتنا، أو أهداف نضطر لها لنرضى من حولنا أو من يتبعوننا. وهل يثنينا المنتقدون والأعداء عن أهداف محورية خططنا لها كثيرا، إلا أننا تركناها فقط لنسكت الانتقادات أو لنرضى البعض. إن أردنا تحقيق إنجازات عظيمة يجب أن نثبت وجوهنا وأعيننا نحو أورشليم. تكلفة الأهداف يجب أن نتذكر جيدا أن تصميم السيد المسيح على الذهاب لأورشليم لم يكن أمرا سهلا، فلم تكن رحلته لأورشليم تسلية، فهو يعلم كل العلم أن فى أورشليم كل من يكرهونه، من رؤساء اليهود الذين يريدون قتله، بل ويدبرون له. كان السيد المسيح يعلم أن تحقيق هدفه بالذهاب للصليب يحتم عليه أن يدفع تكلفة باهظة، إذ يخبرنا البشير لوقا 31:18 33: «وأخذ الاثنى عشر وقال لهم: «ها نحن صاعدون الى أورشليم، وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان، أنه يسلم الى الأمم، ويستهزأ به، ويشتم ويتفل عليه، ويجلدونه، ويقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم». والسؤال الذى يطرحه الصليب على جميعنا: هل نعرف جيدا ونحن نسير نحو أهدافنا أن هناك تكلفة يجب أن تدفع؟ أحيانا كثيرة نحلم بأهداف عظيمة، ونخطط لها، لكن إن لم نعرف مسبقا أن هناك تضحيات يجب أن تبذل، وتكلفة يجب أن تدفع لتحقيق الغاية، حينها سنتراجع أو سننكسر حين نواجه الصعوبات. كل هدف كبير يجب أن يكون لها فى المقابل ثمن كبير، ويخبرنا التاريخ كيف أن كل من غيروا التاريخ، وصاغوا حضارات الشعوب، لاقوا اضطهادات، وصلت أن كثيرين منهم ماتوا فى سبيل تحقيق أهدافهم، ولذا علينا اليوم ، ونحن نتأمل فى الصليب أن نصيغ أهدافنا، وأن نحسب تكلفتها، وأن نقرر أننا سنسير الطريق حتى نهايته، رغم كل صعاب وعقبات. الصليب إخلاء للذات ما جعل السيد المسيح يسير طريق الصعاب بخطى ثابتة وواثقة، لا تتراجع ولا تهاب الموت، أن جعل وجهه نحو أورشليم، وأخلى نفسه.. فيخبرنا الرسول بولس عن السيد المسيح: «لكنه أخلى نفسه، أخذا صورة عبد، صائرا فى شبه الناس، وإذ وجد فى الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب». (رسالة بولس الرسول الى أهل فيلبى 7:2، 8) لم يضع السيد المسيح ذاته أمام عينيه، ولم يضع مصالحه، أو راحته فى المرتبة الأولي، بل بالعكس تماما، كان السيد المسيح قد اتخذ القرار بالذهاب لأورشليم ليلاقى المحاكمة والموت، فى سبيل أن يحقق هدفا أعظم وأكبر، خرج السيد من دائرة راحته، فأخلى نفسه، ليموت طواعية لأجل أحبائه. القيامة... النصرة لم يكن موت الصليب نهاية المسير، بل كان الطريق. فرغم رعب مشهد الصليب الذى خيم بحزنه على كل الذين عاينوه، كانت هناك قيامة، ففى مشهد الصلب أظلمت الأرض، وأظلمت الحياة فى عيون كل اتباع السيد المسيح الذين اعتبروا أن الصليب هو النهاية المأساوية لخدمة السيد، لكن ففى فجر اليوم الثالث، قام السيد من الموت، فاتحا باب الرجاء لما فقدوا الرجاء، وصنع أملا لما ضاع الأمل. وهنا علينا توخى الحذر ونحن نخطط لأهدافنا، إن لم نر شمس الانتصارات وراء غيوم الآلام فى طريق أهدافنا حتما سنتراجع، وهكذا ونحن نحتفل بذكرى القيامة، يجب أن ندرك أننا إن خشينا علو تكلفة اهدافنا، وإن لم نضع نصب أعيننا فرحة انتصار القيامة، لن نكمل طريق الآلام. وفى أجواء أفراح القيامة، نصلى لبلادنا، وشعبنا وقادتنا، أن يعم فرح انتصار القيامة قلوبنا، ويضع نصب أعيننا أملا أن الغد أجمل وأكثر بهاء وإشراقا. فالذى نعانيه اليوم ليس إلا طريقا للانتصار. نصلى أن يشرق غدا علينا فينسينا آلام اليوم. رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر لمزيد من مقالات د.القس أندريه زكى