فى عام 1989، أطلق المفكر السياسي فرانسيس فوكوياما بالونة الاختبار الشهيرة "نهاية التاريخ؟"، فى دورية ناشونال أنترست. وبعد ثلاث سنوات، جعلها فى عام 1992 موضوع كتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، الذى حذف من عنوانه علامة الاستفهام، وأضاف عبارة نيتشه الشهيرة عن «الإنسان الأخير»، الذى يسعى إلى الراحة والأمن. إن مقولة فوكوياما عن نهاية التاريخ، وبعض المقولات الشهيرة الأخرى، مثل "صراع الحضارات" لهنتنجتون، وإلى حد ما كتاب توماس فريد مان" عربة الليكسس وشجرة الزيتون"، وهو المعنى بمنطقتنا بشكل خاص، تعد بالونات اختبار إستراتيجية، تستهدف توجيه بوصلة الأحداث والانشغال المبالغ بمدلولاتها، بصرف النظر عن مدى موضوعيتها أو صحتها. ويلاحظ ظهور بعض " بالونات الاختبار السياسية"، التى تتوافق معها وتحقق الهدف منها بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل النظام العالمى الجديد والشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقة وحق التدخل. نعود إلى "نهاية التاريخ"، التى تعرضت لاختبار الزمن والنقد الموضوعى من الكثيرين، وللدفاع المراوغ والمراجعة النسبية من قبل فوكاياما، مما أعاد علامة الاستفهام إلى موضعها المنطقى، وجعل المقولة موضع تساؤل دون إقرار بصحتها.فبعد مرور ربع قرن على الكتاب الذى ينظر لها، جرى ما جرى من أحداث، مثل انطلاقة التنين الصينى وعودة الروح إلى الدب الروسى، وكذلك أحداث 9/11 وحرب العراق وخروج أيديولوجيا الإرهاب من قمقم التاريخ وانتشارها الخطير، الذى يسأل عنه الغرب مثلما يسأل عن الكوارث التى أعقبت ما سماه الربيع العربى، دون أن نعفى أنفسنا من المسئولية ولا شك أن التعامل غير الحكيم مع الإرهاب والتطرف اليمينى مثلا قد لا يؤدى إلى نهاية التاريخ، ولكن إلى بداية تاريخ غير مرغوب للبشرية كلها. إن دفاع فوكوياما عن مقولته، ودفاع من يرون بين طياتها تفسير بعض الأحداث مثل بول ساجار (2017)، يتركز على أنه يتحدث عن التاريخ الكبير istory (H)، الذى لا يعنى عدم استمرار الكثير من أحداث التاريخ الصغيرistory (h). إنه يرى انتهاء هذا التاريخ الكبير التوصل إلى الليبرالية الديمقراطية الرأسمالية، بعد فشل فكرة النهاية في ميتا فيزيقية هيجل الأخلاقية ومادية ماركس الشيوعية. وهناك من يعتقد أن القراءة الواعية له تؤكد إدراكه لإمكان تأخير رؤيته بسبب بعض الأحداث المعاكسة.، مثل وصول ترامب إلى البيت الأبيض. لكن الخلاصة البسيطة، التى يمكن أن نقدرها بعد ربع قرن من أطروحته أن هذه البالونة الإستراتيجية لم تنجح فى اختبار الزمن، وعليه أن يعترف بنهاية «نهاية التاريخ»، الذى لا تنهيه أو توقف مسيرته بالونة ممتلئة «بهوى» الغرب أو الشرق. لمزيد من مقالات د. أحمد شوقى