نحن أمام لحظة تاريخية قد تكون هى الأنسب لجميع الأطراف لبدء علاقة سوية متوازنة بين مصر وأمريكا .. كل الفرص التاريخية التى اتيحت من قبل ضاعت امام حسابات خاطئة ومغامرات سياسية او عسكرية افسدت كل شىء وقبل هذا فإن هذه العلاقات افتقدت روح الندية وحلقت فى إطار واحد اقل ما توصف به انها كانت التبعية .. من هنا كانت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لواشنطن زيارة لها خصوصية وكان اللقاء مع الرئيس ترامب له حسابات خاصة وتأتى هذه الأهمية من عدة اعتبارات : أولا : نحن امام رئيسين جديدين فى السلطة كل واحد منهما يبحث عن تاريخ ورصيد ونجاحات وكلاهما ايضا يحمل على عاتقه رصيدا كبيرا من الأزمات والإخفاقات والخسائر وان اختلف حجم الأعباء امام ضخامة المسئوليات.. ان وراء الرئيس ترامب سنوات من الإرتجال والإندفاع وعشوائية القرار فى حروب خاضتها امريكا خارج حدودها وخسرت فيها اكثر من 6 ترليونات دولار كما اكد الرئيس ترامب فى العراق وافغانستان وسوريا وليبيا ومغامرات كثيرة وراء مغامرات حلف الأطلنطى واتفاقيات مشوهة مع إيران وقبل هذا كله قطيعة مع العالم العربى بكل الثروات فيه ومعها رصيد طويل من العلاقات التاريخية بين امريكا والعرب .. فى لحظة تراجع كل هذا الرصيد حين غامر بوش فى العراق وحين سقط اوباما فى شرك الإخوان المسلمين ووجدت امريكا نفسها خارج المنطقة بالكامل وكأنها قررت الإنسحاب طوعا . يقف الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الجانب المقابل وهو يخوض ثلاث معارك دامية الأولى ضد الإرهاب المسلح بكل ما فرضه على الجيش المصرى من اعباء وعلى الاقتصاد المصرى من التزامات وعلى حياة المصريين من عنف الإخوان وفشلهم فى إدارة شئون مصر .. هذا بجانب ميراث آخر من نظم سبقت قسمت الشعب الى اثرياء وفقراء وحرمت المواطن المصرى من ابسط حقوقه فى الحياة الكريمة .. نحن امام رئيسان كل منهما يسعى لإنقاذ وطن كل على طريقته وكل واحد منهما يدرك اعباء الآخر وحجم مسئولياته .. من هنا كان اللقاء بينهما يتسم بالحميمية والإصرار على العبور من هذه الأزمات الطاحنة وان اختلفت درجة حدتها من رئيس لآخر . قد يكون الرئيس عبد الفتاح السيسى افضل حالا من الرئيس ترامب لأنه بالفعل عبر محطات صعبة ابتداء برفض دولى غريب لما حدث فى مصر امام محاولات مسعورة من الإخوان لتشويه كل ما جرى فى مصر وانتهاء بأعباء وقرارات اقتصادية غاية فى الصعوبة والقسوة امام شعبه ورغم هذا نجح فى تجاوزها وبجانب هذا فإن الرئيس السيسى جاء الى السلطة من خلال عاصفة مدوية خرج فيها المصريون بحماية جيشهم واسقطوا اخطر تنظيم فكرى فرض وصايته عشرات السنين على العقل المصرى. ثانيا : ان هناك معركة مشتركة تخوضها مصر ضد الإرهاب وربما اكتشفت الإدارة الأمريكية بكل مؤسساتها ان القضية اكبر بكثير مما دار فى فكر الأجهزة الأمنية فى العالم, وأن ظهور تنظيم داعش بهذه القوة وهذه الوحشية كان سببا فى اهتزاز ثوابت كثيرة فى نظم الحكم فى العالم .. كان الخوف من القاعدة او التنظيمات الإرهابية الأخرى فصلا صغيرا فى منظومة اكبر وصلت الى إعلان قيام دولة وجيش وارض وإعلان الحرب على العالم كله .. ان داعش التى تهدد العالم الغربى كله تمتد جذورها فى الارض العربية خاصة ان العرب فى السنوات الأخيرة فقدوا كل شىء .. وسقطت الجيوش الكبرى فى المنطقة وفتحت الحروب الأهلية نيرانها على كل الجبهات وبقى الجيش المصرى هو الوحيد القادر على مواجهة مخاطر الإرهاب واهدافه . ثالثا : ان امريكا تشعر الأن بأنها فرطت فى مواقع كثيرة فى العالم العربى بل انها كانت السبب الرئيسى فى اختلال موازين القوى فى المنطقة حين دمرت الجيش العراقى لحساب ايران ودمرت الجيش السورى لحساب الروس ودمرت ليبيا لحساب الإرهاب بل انها باعت مصر لحساب الإخوان تحت شعار الفوضى الخلاقة وربما افاقت إدارة الرئيس ترامب على حقيقة ان التمدد الروسى انتفض مرة اخرى وان المارد القديم تحرك وبدأ يكسب ارضا جديدة واصبحت له قواعد عسكرية فى سوريا وعلاقات استراتيجية مع ايران وكل هذا يهدد الحليف الأول وهو إسرائيل .. افاقت الإدارة الأمريكية فى عهد ترامب على واقع جديد خلفته خطايا بوش فى العراق وكوارث اوباما فى صفقات مع الإخوان وحسابات خاطئة فى المعركة ضد الإرهاب وقبل هذا فقد فرطت امريكا فى علاقات تاريخية امتدت جذورها لسنوات مع دول عربية مهمة مثل مصر ودول الخليج وعلى رأسها السعودية رابعا : رغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تعيشها مصر إلا انها مازالت الدولة الأقوى فى المنطقة عسكريا والأكبر سكانيا والأهم جغرافيا والأكثر استقرارا أمنيا وبجانب هذا فإن مصر فى الفكر الغربى والأمريكى هى الحضارة وهى النموذج للتعددية الدينية بأرقى صورها, وهى بحكم الموقع فى قلب العالم وقناة السويس وهى باب افريقيا وظهير اوروبا, وهى التى تجمع القارات الثلاث من خلال شواطئ تمتد آلاف الأميال على البحر المتوسط والبحر الأحمر, وعلى ضفافها حضارة آلاف السنين بنيلها الخالد ومن هذه الخلفيات هى المؤهلة لأن تكون صاحبة دور ورسالة ليس فى العالم العربى فقط ولكن على مستوى العالم .. وفى عالم الانهيارات الكبرى الذى لحق بكل شئ تبقى مصر رغم ظروفها واحة يمكن ان يلتف العالم حولها كنموذج لتجربة حضارية وإنسانية رفيعة . خامسا : مع كل ما لحق بالعالم العربى من الأخطار والهزائم فى السنوات الأخيرة كان البترول من أخطر الأسباب التى جعلت دولا كثيرة تعيد حساباتها بعد ان تراجعت اسعار البترول بصورة مخيفة ومع تراجع الأسعار كان تراجع الأرصدة وتراجع المكاسب والأرباح ولم يعد البترول هو السلاح الذى يسلطه العرب على رقاب الغرب خاصة امام توازنات وقوى اقتصادية غيرت كل الحسابات وفى مقدمتها الصين ودول شرق آسيا واليابان ودول اخرى مثل ايران وتركيا مع عودة غير متوقعة للدب الروسى فى اكثر من مكان .. فى المقابل كانت حالة الإرتباك التى اصابت الإتحاد الأوروبى امام اخفاقات كثيرة فى اليونان وايطاليا واسبانيا ثم كان الخروج الأكبر بانسحاب انجلترا من الاتحاد بكل ما ترتب على ذلك من نتائج .. ان العالم العربى لم يعد صاحب السلطة والقرار بلغة البترول خاصة ان الإنهيارات التى اصابت هذا الكيان الضخم ادت الى تصدع اركان كثيرة فيه . سادسا: علينا الأن ان نسأل انفسنا ونحن نبنى جسورا جديدة مع الدولة الأكبر فى العالم ماذا نريد من امريكا الآن .. ان الشىء المؤكد ان امريكا تقف الأن امام مصر على نفس الدرجة وان لغة الماضى المؤسف والمخجل لا مكان لها الآن .. ان لدى مصر مصادر كبيرة للقوة امامها تجربة ناجحة فى مقاومة الإرهاب مرض العصر.. ولها جيش قوى قادر على حماية اراضيها .. وفيها شعب بحكم العدد والقدرات يمكن ان يكون شيئا آخر وفيه 60 مليون شاب . كانت تجاربنا السابقة مع أمريكا بعيدة تماما عن منطق المصالح المتبادلة بين شعبين, والدليل على ذلك ان نتائج التنمية الاقتصادية فى مصر بكل مجالاتها كانت تتجه لحساب جماعات من رجال الأعمال او اعمال التجارة والسمسرة والسلع الإستهلاكية ولم تصل يوما الى عمق المجتمع المصرى بفئاته الفقيرة وطبقاته المهمشة .. لم يسفر التعاون الإقتصادى بين مصر وامريكا عن انتاج صناعى او زراعى متقدم وبقيت الصناعة المصرية تدور فى فلك المعدات الروسية القديمة فى مصانع الحديد والصلب والسيارات والأسمنت وغيرها والمطلوب الآن ان تغير الإدارة الأمريكية من اساليبها القديمة مع الشعب المصرى كانت هناك وعود بين الرئيس السادات والأمريكان على إنشاء مشروع مارشال لإعادة بناء الاقتصاد المصرى بعد كامب ديفيد بدعم امريكى اوروبى ولم ينفذ منه شىء وكانت هناك وعود فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى لدعم الاقتصاد المصرى لم يتحقق منه شىء حتى سيناء بقيت ثلاثين عاما بلا تنمية .. هل يمكن ان نضع العلاقات الاقتصادية مع امريكا فى مسار صحيح يقوم على التنمية الحقيقية فى كل المجالات, ان سياسة القروض لم تحقق اهداف التنمية, والمعونات لا تكفى احتياجات وطن يعيد بناء قدراته والحل فى شراكة حقيقية تقوم على التعاون والإنتاج والبناء . لقد نجحت امريكا فى سنوات الشراكة معها ان تقيم طبقة جديدة من اثرياء مصر حتى وان بقى الشعب كل الشعب فقيرا وكان هذا هو الخطأ الفادح لأن الأوطان لا تقوم على جماعات مصالح وعدد من الأشخاص ولا تبنى على انقاض فئات مطحونة, ومع هذا كله فإن على الإدارة الأمريكية ان تصدق القول حول ما لديها من الأموال المنهوبة والتى تعرف كل شىء عنها لأن هذا حق لن يسقط بالتقادم إن امام مصر فرصة ذهبية الأن لكى تستفيد من عودة العلاقات مع امريكا فى ظل زيارة ناجحة للرئيس السيسى ولقاء مع الرئيس ترامب, كل المؤشرات تؤكد انه اتسم بالحميمية ولكن كل ذلك لابد وان يمشى فى مسار جديد يضع اسس علاقات متوازنة تقوم على الندية والرغبة فى التعاون والشراكة بين الشعبين . ..ويبقى الشعر وَحْدِى أنتظرُكِ خلفَ البابِ يُعانقُنى شوقٌ .. وحَنينْ. والنَّاسُ أمامِى أسرَابٌ ألوَانٌ ترْحلُ فى عَيْنى وَوُجُوهٌ تخْبُو .. ثُم تَبينْ والحُلمُ الصّامتُ فى قلبى يبْدو مَهْمُومًا كالأيام يُطاردهُ يَأسٌ .. وأنينْ حُلمِى يترنَّحُ فِى الأعْماق بلا هَدفٍ .. واللحنُ حزينْ أقدامُ النَّاس علىَ رأسِى فوقَ الطرقاتِ .. على وجْهى والضَّوءُ ضَنينْ. تبدُو عَيناكِ على الجُدران شُعاعًا يَهَربُ من عَينى ويعُودُ ويسْكنُ فى قلبى مثْلَ السِّكِّينْ أنتظرُ مَجيئكِ.. لا تأتِينْ. عَيْنى تتأرْجحُ خَلْف البَابِ فلمَ تسمَعْ ما كنْتُ أقولْ. أصْواتُ الناس على رأسِى أقدامُ خيُولْ. ورَنينُ الضَّحَكات السَّكرى أصْداءُ طبولْ. وسَوادُ الليل على وجْهى صَمتٌ وذهولْ. وأقولُ لنفسِى لوْ جاءتْ!. فيُطلُّ اليأسُ ويصْفعُنى تنزفُ منْ قلبى أِشياءٌ دمْعٌ .. ودماءٌ .. وحنينٌ وبقايَا حلم .. مقتولْ مَا كنتُ أظنُّ بأنّ العهْدَ سرابٌ يضْحكُ فى قلبينْ مَا كنتُ أظنُّ بأنَّ الفرحة كالأيام إذا خانتْ. يَنطفىءُ الضَّوءُ على العَيْنينْ. أنتظرُ مجيئكِ يشطرُنى قلبى نِصفينْ. نصْفُ ينتظرُك خلفَ البابِ وآخرُ يدْمَى فى الجفنينْ. حاولتُ كثيرًا أنْ أجْرى. أن أهَربَ منكِ .. فألقانى قلبًا يتشظَّى فى جَسَدينْ. الصَّمْتُ يُحَدّق فِى وَجْهى لا شَىْءَ أمَامِى. غَابَ النَّاسُ .. ومَاتَ الضَّوءُ. وفِى قلبِى جَرْحٌ .. ونزيفْ وأعُودُ ألملِمُ أشْلائِى فوْقَ الطرقاتِ وأحْملُهَا .. أطلال خريفْ والضَّوءُ كسِيٌر فى العَيْنين خُيولُ الغُربةِ تسْحقُنِى. والصَّمتُ مُخيفْ. هدأتْ فِى الأفق بقايَا الضَّوءِ وَقدْ سَكنَتْ أقْدامُ النَّاسْ وأنَا فِى حُزنى خلفَ البابِ يُحاصُرنِى خوفٌ .. ونُعَاسْ مِن أيْنَ أنَامُ؟ وصَوْتُ الحُزن على رأسى أجراسٌ تسحْقُ فى أجراسْ وأنا والغُربة والأحزَانُ وعيناكِ وبقايا الكَاسْ. واللَّيلُ وأوْراقى الحَيْرَى. والصَّمْتُ العَاصِفُ.. والحُرَّاسْ وأقولُ لنفْسِى.. لوْ جَاءتْ. يَرتَعِش الضَّوءُ. وفِى صَمْتٍ.. تخْبُو الأنْفاسْ. مَازلتُ أحدّقُ فِى وَجهى والقلبُ حزينْ. أجمَعُ أشلائِى خَلْفَ البابِ يُبعثُرها جُرحٌ.. وحَنينْ والحُلمُ الصَّامتُ فِى قلبِى يَبْكى أحيانًا كالأطْفال. ويسْألُ عَنكِ.. متَى تأتينْ. مَتَى .. تَأتِينْ. .
قصيدة ِِ«متى .. تأتين» سنة 1994» [email protected] لمزيد من مقالات يكتبها: فاروق جويدة