مقتل مطلوبين اثنين من حملة الفكر التكفيري في عملية أمنية بالأردن    اللجنة العامة للدائرة الثالثة بالغربية تعلن الحصر العددي لأصوات الناخبين    مهرجان شرم الشيخ يعلن اختيار رومانيا ضيف شرف دورته القادمة    بعد نشر صواريخ يابانية، الصين تتوعد بسحق أي تدخل أجنبي في تايوان    31 دولارا للأوقية.. ارتفاع أسعار الذهب في البورصة العالمية    ننشر المؤشرات الأولية لفرز لجان السويس في انتخابات مجلس النواب    بعد نجاح "دولة التلاوة".. دعوة لإطلاق جمهورية المؤذنين    في ذكرى ميلاده.. محطات في حياة طلعت حرب: رجل صنع استقلال مصر الاقتصادي ونهضتها الثقافية    مرتضى منصور قبل الأخير، ننشر الحصر العددي لأصوات الناخبين بميت غمر في الدقهلية    سيارة كيا EV5.. إضافة متميزة لعالم السيارات الكهربائية    بلاغ يكشف تلاعبًا في التسجيلات بقضية «سيدز الدولية»    الطب الشرعي في تركيا يكشف مفاجأة عن "الوفاة الغامضة" لسياح إسطنبول    مصطفى عبده يكتب: إرادة تختصر الزمن    مدحت عبدالدايم يكتب: عبدالمنعم إبراهيم كوميديان جاد.. تثيره مخالفة قواعد المرور    النائب العام يبحث التعاون مع الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي    دار الإفتاء تؤكد حرمة ضرب الزوجة وتحث على الرحمة والمودة    مادورو: سندافع عن فنزويلا ضد أي تهديد والنصر سيكون حليفنا    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    ستارمر: زيلينسكى قَبِل أغلب بنود الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا    محمود فتح الله: تصريحات حسام حسن الأخيرة تعتبر الأسوأ في تاريخ مدربي منتخب مصر    الفيوم تحتضن مهرجان البيئة وجامعة الفيوم تشارك بفاعلية في الحدث    وعكة صحية تُدخل والدة رضا البحراوى المستشفى    عودة "Stray Kids" إلى البرازيل كأول فرقة كيبوب في مهرجان روك إن ريو 2026    ريهام عبد الحكيم تتألق في «صدى الأهرامات» بأغنية «بتسأل يا حبيبي» لعمار الشريعي    مؤشرات أولية.. الإعادة بين 4 مرشحين بدائرة شبين الكوم في المنوفية    تقدم مرشح حزب النور ومستقبل وطن.. المؤشرات الأولية للدائرة الأولى بكفر الشيخ    ننشر المؤشرات الأولية لفرز لجان السويس في انتخابات مجلس النواب    ثقف نفسك | الأرض تغضب وتثور.. ما هو البركان وكيف يحدث ؟    قانون العمل الجديد | زيادة سنوية بنسبة 3%.. تعرف على ضوابطها    عاجل.. قائمة الأهلي لمواجهة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    خمسة لطفلك | كيف تكتشفين العدوى الفيروسية مبكرًا؟    محمد صبحي يكشف تفاصيل إصابته ب«الوسواس القهري»    دراسة تكشف عن 3 مخاطر من إيقاف أدوية إنقاص الوزن قبل الحمل    بروسيا دورتمنود يمطر شباك فياريال برباعية نظيفة    بيان رسمي.. الاتحاد السكندري: لم ننسحب من نهائي مرتبط السلة    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بحدائق أكتوبر    ب8 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مصنع تدوير القطن والأقمشة بالقليوبية| صور    القبض على 3 متهمين بسرقة مصوغات ذهبية من شقة في الطالبية    ترتيب دوري أبطال أوروبا.. تشيلسي يقترب من المربع الذهبي وبرشلونة ال15    بعد تصنيف بعض فروع الإخوان كمنظمات إرهابية.. الفقي: ترامب يبعث برسالة غير مباشرة لحماس    بمشاركة مرموش.. السيتي يخسر على ملعبه أمام ليفركوزن في دوري الأبطال    لجنة السيدة زينب تعلن محاضر فرز اللجان الفرعية للمرشحين بانتخابات النواب    محمد صبحي عن مرضه: التشخيص كشف عن وجود فيروس في المخ    كريم الدبيس: أي حد أفضل من كولر بالنسبالى.. وجالى عرضين رسميين للاحتراف    بالأرقام.. مؤشرات اللجنة الفرعية رقم 44 بدائرة المطرية محافظة القاهرة    مصرع طفل 15 سنة في تصادم دراجة وسيارة نقل خلال حفل زفاف غرب الأقصر    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الخميس والسبت فى دور ال32 بكأس مصر    الفقي: نجاح البرلمان لن يتحقق إلا بوجود معارضة قوية ورجل الأعمال لا يصلح للسياسة    جامعة المنيا: اعتماد استراتيجية الابتكار والأمن السيبراني    رئيس البرازيل السابق جايير بولسونارو يبدأ تنفيذ حكم بالسجن 27 عاما بتهمة التخطيط لانقلاب    إطلاق مشروع الطريق الأخضر لعالم أكثر أمانًا بقنا بتعاون بين الإنجيلية والبيئة و"GIZ"    الصحة: ضعف المناعة أمام الفيروسات الموسمية وراء زيادة حدة الأعراض    تطوير 5 عيادات صحية ومركز كُلى وتفعيل نظام "النداء الآلي" بعيادة الهرم في الجيزة    مدبولي يلتقي نائب رئيس "المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني".. صور    رئيس الوزراء والوزير الأول للجزائر يترأسان غدا اجتماع اللجنة العليا المشتركة    مواجهة نارية في دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وتشيلسي لايف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا فشل العالم فى مواجهة الإرهاب؟!
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 07 - 2016

حين انطلقت حشود الإرهاب واجتاحت أكثر من مكان وأكثر من دولة لم يكن احد يتصور ان المعركة سوف تطول بهذه الصورة الدامية وان دولا كثيرة تصورت انها بعيدة عن مرمى النيران وفجأة وجدت نفسها في قلب مستنقع من الدم اجتاح العالم كله ولم يعد هناك احد في مأمن من الإرهاب.. في يوم من الأيام تصور العالم المتقدم ان الإرهاب مرض يخص الشعوب الفقيرة أمام ظروفها الصعبة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وان مجتمعات الاستبداد هى التى أفرزت هذا السلوك المتوحش سواء تستر بالدين أو تخفى وراء مظالم سياسية.
تصورالعالم ان «القاعدة» هذا التنظيم المتطرف الذى نشأ من خلال مشروع امريكى لمحاربة الاتحاد السوفيتى في أفغانستان تحت راية الاسلام في مواجهة الإلحاد الشيوعى لم يتصور احد يومها ان هذا الإرهاب سوف يجتاح اعرق المدن الأمريكية ويطيح بأكبر منشآتها المعمارية في أحداث سبتمبر 2001.. ولم يكن احد يعلم ان حشود الإرهاب قد اجتاحت أوطانا وعقائد أخرى في البوسنة والهرسك والشيشان وان دولا وجيوشا تورطت في هذه المآسى الإنسانية .. وكما سقط ملايين الضحايا في أفغانستان سقط اكثر منهم في البوسنة والشيشان ولم يستيقظ الضمير البشرى النائم .. كانت هذه البدايات كفيلة بأن تلفت الأنظار إلى ان الدمار الذى لحق بأوطان كثيرة سوف تخرج منه حشود غاضبة امام مؤامرات دولية كبرى .
استيقظت أمريكا والغرب يوما على أحداث 11 سبتمبر وهى حتى الآن مجهولة النسب والأسباب ولم تتضح أمام العالم حقائق ما جرى في هذا اليوم المشئوم ألا ان الشىء المؤكد انها فتحت جراحا جديدة وفتحت أمام العالم صورة المستقبل الكئيب الذى انتظر العالم سنوات طويلة.
حين اقتحمت الطائرات الأمريكية والانجليزية والاسترالية سماء بغداد لم يكن احد يتصور ان هذه الحرب سوف تدفع بأجيال جديدة كاملة للتحول إلى حشود إرهاب جديدة .. كان احتلال العراق قد تجاوز من حيث الأثر والنتائج والكوارث كل ما جرى في مناطق أخرى من كوارث الإرهاب.
ومهما قيل عن صدام حسين فقد كان هناك وطن متماسك وجيش قوى ودولة تحكمها علاقات دولية وتشريعات وعقائد واديان وانساب كان هناك وطن يسمى العراق .. قام احتلال العراق, على أكذوبة ان لدى العراق أسلحة دمار شامل ..وكانت الأكذوبة أول دروس المقاومة التى واجهت الجيوش الغازية فى العراق, كانت مؤامرة التقسيم الكبرى بين السنة والشيعة وكان هناك دمار سنوات الحرب بين ايران والعراق والتى سقط فيها ملايين القتلى واستنزفت دخل دول الخليج ثمانى سنوات كاملة بلغت تكاليفها الأولية 400 مليار دولار دخلت حسابات شركات السلاح التى كانت تورد القتل لإيران والعراق فى وقت واحد.
لم يكتف الغرب بما جرى للشعب العراقى ومؤسسات الدولة العراقية ولكن سطت شركات البترول على كل ما فى الأرض العراقية من الخيرات .. هذه الصورة الكئيبة كانت ارضا صالحة لإخراج حشود الإرهاب الذين حملوا السلاح وبدأت المواجهة بين جيوش غازية وفصائل لها عشرات الإنتماءات وسقطت اسلحة الجيش العراقى فى يد هذه الفصائل .. لم تعبأ امريكا والغرب بخسائرهم البشرية فى احتلال العراق امام مغانم البترول والغاز والآثار ونهب ثروات واحدة من اغنى الدول العربية .. على جانب آخر اندفعت الجيوش الغازية تحتل افغانستان .. وبحكم التجربة السابقة والتاريخ القديم تحولت الأرض الأفغانية الى مصدر من اهم مصادر الحشود الإرهابية ليتحول تنظيم القاعدة الى مؤسسة ضخمة تتبعها عشرات التنظيمات الإرهابية وهنا تغيرت الحسابات أمام الجميع ولم تجد القوات الغازية غير ان تشعل نيران الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد كما حدث في العراق بين السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد وكانت هذه جريمة أخرى تضاف إلى مستنقع الدم الذى شهده العراق وقد ترتب على ذلك كله خروج أجيال جديدة من الإرهابيين الساخطين الكارهين لكل شىء في هذا العالم.
يخطئ من يتصور ان ثورات الربيع العربى هى التى اخرجت حشود الإرهاب خاصة ان الأحداث قد اخرجت حشودا من إرهاب الدول وليس الجماعات الخارجة على القانون .. كان موقف إسرائيل من الشعب الفلسطينى ومطاردته فى كل مكان ارهابا دوليا تقوم به دولة اغتصبت وطنا وشردت شعبا, وكان سكوت الغرب على ما حدث فى البوسنة من مظاهر الإبادة إرهابا دوليا, وكان إرهاب الشعب الشيشانى اعترافا دوليا بصورة من صور الإرهاب وكان احتلال العراق وأفغانستان واحدة من اكبر جرائم الإرهاب فى العالم فى العصر الحديث .. حين نراجع الأحداث والصور وما وصلت إليه حشود الإرهاب الآن لابد ان نستعيد الماضى ونقف على الأخطاء فيه لأن الحشود التى خرجت من أطلال الاحتلال ودمار الأوطان لم تعد تملك شيئا غير ان تقاوم بالموت وهو أسوأ انواع المقاومة عبر تاريخ البشرية.
هل يمكن الآن ان نفصل بين ما جرى على يد الاحتلال الامريكى في العراق وافغانستان وما عانته هذه الدول وما يجرى في الغرب الآن .. في عام واحد شهدت امريكا وأوروبا احداثا ارهابية متعددة في باريس وبروكسل وامريكا في وقت تصورت فيه هذه الدول انها بعيدة عن الإرهاب, وعلى الدول المتخلفة التى انتجت هذا الفكر المتطرف ان تعيش تجارب الموت والإرهاب وحدها.
كيف تناست هذه الدول ما حدث في سوريا من دمار امام القصف الهمجى الذى دمر وطنا بالكامل شاركت فيه اكبر القوى العسكرية في العالم شرقا وغربا ومن كل لون وماذا يفعل ملايين المهاجرين الذين تركوا اوطانهم .. هل كانت المخابرات الأمريكية عاجزة عن التخلص من حكام تريد خلعهم اذا فكرت في ذلك.. فلماذا كل هذا الدمار لخلع رئيس أو عزل آخر خاصة انهم كانوا يوما من رجالها..
كيف لنا ان نتصور احوال 12 إلى 15 مليون مهاجر انتشروا في كل دول العالم بأحزانهم ومعاناتهم وحساباتهم مع الزمن والتاريخ.
هل فكر احد بعد هزيمة داعش وتفكيك تجمعاتها وخلاياها ورؤسائها واسلحتها اين سيعيش هؤلاء وما هى الارض التى ستحتويهم بكل ما فى عقولهم من عقد وخرائب ورغبة فى الإنتقام..
لماذا لم تجلس دول العالم حتى الآن تناقش قضية الإرهاب هل لأن هناك أسرارا سوف تكشف حقيقة الأدوار من المشاركين والمتواطئين والإرهابيين فى السر..
لماذا لم يحقق العالم كل العالم حتى الأن انتصاراً على داعش فى اى مكان سواء العراق او سوريا او ليبيا او اليمن, ان جيوش جميع الدول العظمى بقيادة أمريكا رغم كل ما بينها من خلافات وصراعات تستخدم كل ما وصلت إليه ترسانات العالم من الأسلحة المتقدمة والجميع يضرب فى كل الأماكن فهل يعقل ان جيوش العالم لم تستطع حسم المعارك حتى الآن أمام فلول داعش فى الصحراء حيث تواجه قوات امريكا وروسيا وانجلترا وفرنسا وايطاليا والدماء تتدفق والسلاح فى الأسواق والموت على كل الأبواب..
لماذا لم يعقد حتى الآن اجتماع دولى واحد تحت اى راية لكى يناقش قضية الإرهاب, لقد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى اكثر من مرة لإجتماع دولى من اجل موقف موحد ضد الإرهاب هل بعد كل ما جرى من الأحداث الدامية لا تستحق قضية الإرهاب التى تهدد العالم كله الآن ان تكون موضوعا لمؤتمر دولى كبير ..
لماذا يتهرب الجميع من الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة, كيف يتجاهل الباحثون هذه الأسباب وما جرى فى عدد كبير من الدول من مظاهر الاستبداد والطغيان وحماية الغرب لنظم سياسية فاسدة تركت لشعوبها الفقر والجهل والبطالة ..
لماذا يتهرب الغرب من مسئولياته فى بيع السلاح لشعوب لا تجد الطعام وكيف حصلت شركات السلاح على موارد البترول العربى فى حروب أهلية وكوارث دمرت الشعوب.
لماذا لا تكون لدى الغرب الشجاعة لكى يعترف بأنه أول من أسس الجماعات الإرهابية فى العالم ابتداء بالكيان الصهيونى وهو من أقدم الجماعات وانتهاء بالتنظيمات الإرهابية التى تخفت فى الدين ومنها القاعدة وعلاقاته المشبوهة فى إنشاء داعش وتقسيم العالم الإسلامى وفتح أبواب الصراعات المذهبية والأقليات وتشجيع الفكر المتطرف تحت دعاوى الحريات..
مازال الغرب يتجاهل الظروف السيئة للشعوب التى تخلفت عن ركب الحضارة فى الصحة والتعليم والفكر والثقافة هل يعقل ألا يعقد مؤتمر ثقافى دولى واحد لكى يناقش أسباب الإرهاب والأرض التى نشأ فيها وان تدرك دول العالم مسئوليتها فى صنع هذه الكارثة .. لقد نهب الغرب ثروات الشعوب المغلوبة على أمرها وحين أفاقت لم يقدم لها الفكر والوعى والثقافة ولكنه قدم السلاح لكى يشعل الحروب الأهلية كما حدث فى سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان واليمن, وفى نهاية المطاف تصور ان الإرهاب سيكون منها وإليها وخاب ظنه واندفعت حشود الإرهاب تقتحم الجسور والسدود وتمارس نشاطها فى دول الحضارة التى تصورت يوما انها بعيدة عن الطوفان..
وما هى الخلاصة .. ان الخلاصة ان يدرك العالم الذى يعايرنا ويتباهى علينا بالتقدم والحضارة ان الإرهاب صناعة غربية وان شعوب العالم العربى كانت تعيش فى أمن وسكينة قبل وجود الكيان الصهيونى وإقامة إسرائيل .. وان الحريات حق للجميع وليس لأجناس معينة وان الفقر والتخلف والجهل هى الأرض المناسبة لصناعة الإرهاب, وان ما تصوره الغرب ان الإرهاب مأساة عربية إسلامية تحول الى مأساة كونية تهدد العالم كله ولا شىء بعيد عن يد الإرهاب .

..ويبقى الشعر
‎الليلةَ َأجلسُ يا قلبِي خلفَ الأبوابْ
‎أتأمَّلُ وجهِي كالأغرابْ
‎يتلوَّن وَجهي ِلا أدْري
‎هلْ ألمحُ وجْهي أم هذَا.. وجهٌ كذابْ؟
‎مِدفأتِي تنكرُ ماضينَا
‎والدفُّء سرابْ
‎تيار النورِ يحاوِرُني
‎يهرب منْ عيني أحيانًا
‎ويعودُ يدَغدغُ أعصَابي
‎والخوفُ عذابْ
‎أشعُرُ ببرودةِ أيَّامي
‎مِرآتِي تعكِس ألوانًا
‎لونٌ يتَعثرُ في ألوانْ
‎والليلُ طويلٌ والأحزانْ
‎وقفتْ تتثاءَبُ فِي مَللٍ
‎وتدُورُ وتضْحكُ فِي وجْهِي
‎وتُقهقهُ تعلُو ضحْكاتُها بينَ الجُدرانْ
* * *
‎الصَّمتُ العَاصِفُ يحمِلُني خلفَ الأبوابْ
‎فأرَى الأيامَ بلا مَعنَى
‎وأرَى الأشْياءَ.. بلاَ أسْبابْ
‎خوفٌ وضياعٌ فِي الطُّرقاتْ
‎مَا أسْوأَ أنْ تبقَى حيًا..
‎والأرضُ بقايا أمواتْ
‎الليلُ يحاصِرُ أيامِي..
‎ويدُورُ.. ويعبثُ فِي الحُجُراتْ
‎فالليلةَ ما زلتُ وحِيدًا
‎أتَسكَّع فِي صَمتِي حينًا
‎تَحملُنِي الذكرَى للنسيَانْ
‎أنتَشِلُ الحَاضِرَ فِي مللٍ
‎أتذكرُ وجْهَ الأرضِ.. ولونَ النَّاسِ
‎همومَ الوحدةِ.. والسَّجَّانْ
* * *
‎سأمُوتُ وحِيدًا
‎قَالتْ عرَّافةُ قريتنَا: ستُموتُ وحِيدًا
‎قد أُشعلُ يومًا مِدْفأتي
‎فتثورُ النارُ.. وتحرِقنِي
‎قد أفتحُ شبَّاكِي خوفًا
‎فيجيءُ ظلامٌ يُغْرقنِي
‎قد أفتحُ بَابِي مهمُومًا
‎كيْ يدخل لصُّ يخنْقنِي
‎أو يدْخل حارسُ قريتِنا
‎يحمِلُ أحكَامًا وقضَايا
‎يُخطئ في فهم الأحكامْ
‎يُطلِقُ فِي صَدْرِي النيرانْ
‎ويعُودُ يلملمُ أشلاَئى,
‎ويَظلُّ يَصيحُ على قبرِي:
‎أخطَأتُ وربَّي فِي الُعنوانْ
* * *
‎الليلةَ أجلسُ يا قلبْي.. والضَّوء شَحيحْ
‎وسَتائُر بيتِي أوراقٌ مزَّقها الرَّيحْ
‎الشاشةُ ضوءُ وظِلالٌ
‎و الوجهُ قبيحْ
‎الخوفُ يكبلُ أجْفانِي فيضيعُ النومْ
‎والبردُ يزلزلُ أعماقِي مثلَ البُركانْ
‎أفتحُ شُباكي فِي صمتٍ
‎يتَسللُ خوْفِي يُغلِقُه
‎فأرَى الأشباحَ بكلَّ مكَانْ
‎أتناثرُ وَحْدِي في الأركانْ
* * *
‎الليلةَ عدْنَا أغرابًا والعُمْر شتاءْ
‎فالشَّمسُ توارتْ في سأمٍ ٍ
‎والبدرُ يجيءُ بغيرِ ضِياءْ..
‎أعرفُ عينيك ِوإنْ صرْنا بعضَ الأشلاءْ
‎طالتْ أيامِي أم قَصرتْ فالأمرُ سواءْ
‎قدْ جئتُ وحيدًا للدُّنيا
‎وسأرحَلُ مثلَ الغُرباءْ
‎قدْ أخْطئُ فهمَ الأشْياءْ
‎لكني أعرفُ عينيكِ
‎في الحُزن سأعرفُ عينيكِ
‎في الخَوفِ سأعرفُ عينيكِ
‎في الموتِ سأعرفُ عينيكِ
‎عيناكِ تدورُ فأرصدُها بينَ الأطيافْ
‎أحملُ أيامَكِ في صَدْرِي
‎بين الأنقاضِ.. وحينَ أخافْ
‎أنثرُها سطراً.. فسُطورًا
‎أرسُمُها زمنًا.. أزمانًا
‎قدْ يقسُو الموجُ فيُلقينِي فوقَ المجدَافْ
‎قد يغدُو العُمرُ بلا ضوءٍ
‎ ويصيرُ البحرُ بلا أصدافْ
‎لكني أحملُ عينيكِ
‎قالتْ عرافةُ قريتنَا
‎أبحرْ ما شئتَ بعينَيها لَا تخشَ الموتْ
‎تعويذة ُعمْرِي عَينَاكِ
* * *
‎يتسللُ عطرُك خَلفَ البابْ
‎أشعرُ بيديكِ على صدْري
‎ألمحٌ عينيكِ على وجْهِي
‎أنفاسُك تحضنُ أنفاسِي والليل ظلامْ
‎الدفء يُحَاصِرُ مدفأتي وتدُورُ النارْ
‎أغلِقُ شبَّاكي في صمتٍ.. وأعود أنامْ

قصيدة من «ليالى الغربة» سنة 1986
[email protected]
لمزيد من مقالات فاروق جويدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.