منذ سنوات بعيدة وهناك سؤال يؤرق المصريين على كل المستويات لأنه يطرح قضية في غاية الأهمية كانت عبئا على الماضى ومازالت عبئا على الحاضر وللأسف ان ما نراه في المستقبل قد لا يحمل لنا الجديد .. ان السؤال أين الصناعة في مصر ولماذا غابت كل هذه السنوات عن سلطة القرار وأين انتاجنا من الصناعات المختلفة التى يمكن ان نصدرها وتوفر لنا مصادر دخل وفرص عمالة وانتاج للإستهلاك المحلى، من يصدق ان مصر حتى الآن لم تدخل فى قائمة الدول الصناعية المعترف بها دوليا وليست لها صناعات اشتهرت بها عن كل دول العالم. على خارطة الأنشطة الاقتصادية في مصر لا يوجد المكان المناسب للإنتاج الصناعى والسبب في ذلك ان الدولة لم تؤمن يوما بهذا التحول في اساليب الإنتاج مازال المصريون غارقين في الأسمنت والحديد والمقاولات ولهذا نشطت صناعة الحديد ومصانع الأسمنت والسيراميك والبلاط وسماسرة المقاولات .. لا توجد في مصر الآن صناعة يمكن ان يقال انها اصبحت سلعة عالمية حتى تلك الصناعات القديمة كالغزل والنسيج والملابس تراجعت من حيث الإنتاج والجودة ومكانتها في الأسواق العالمية .. كانت تجارة الأراضى وانشطة المقاولات هى السلعة الرائجة في مصر طوال السنوات الماضية وعلى امتداد ثلاثين عاما واكثر جارت تجارة الأراضى على كل الأنشطة في الدولة المصرية ولم تكن هذه الحالة نشاطا فرديا ولكنه تحول الى سياسة دولة حين اصبحت مؤسساتها تتاجر في الأراضى والشقق وتضارب في اسعارها وحولها مجموعة من المغامرين اختارتهم مؤسسات الدولة وجعلتهم حراسا على خزائنها. كانت تجارة الأراضى من اهم واخطر وسائل الثراء السريع في مصر ما بين المنتجعات وتحويل الأراضى الزراعية الى مبان يضاف اليها المدن الجديدة والشواطئ والمناطق السياحية وهذه الأنشطة صنعت طبقة جديدة من التجار والسماسرة الذين اقتصرت انشطتهم على هذا النوع من الإستثمار .. كانت الدولة وراء المشروعات العقارية التى شهدت مضاربات سريعة في اسعار الشقق ودخل علينا نظام التمليك وقد بدأ بتجارة الشقق وانتهى بتجارة المنتجعات وقامت الدولة بتوزيع مساحات شاسعة من الأراضى التى جعلت النشاط العقارى في مصر هو مصدر الدخل الأول والأخير حتى ان المستثمرين العرب اتجهوا الى هذه الساحة لأنها الأكثر رواجا واكثر امنا واكثر ارباحا .. يتعجب الإنسان كيف كانت هناك علاقات طويلة من حيث الزمن بين مصر وامريكا واوروبا ولم تشهد مصر انتاجا صناعيا متقدما كل هذا الوقت كنا مستوردين لكل شئ ابتداء بالتليفون المحمول وانتهاء بمئات السلع الاستهلاكية .. كان الإنسان يتعجب ويتساءل اين الصناعة الأمريكية والأوروبية والصينية في مصر.. كل السلع مستوردة ولا يوجد انتاج مصرى .. احيانا أتساءل ان في مصر عشرات الملايين من اجهزة الموبايل وكلها مستوردة فنحن ندفع 30 مليار جنيه مكالمات ومثلها واكثر في استيراد اجهزة الموبايل .. ونحن نستورد فوانيس رمضان وجلاليب الصلاة والسبح والسجاجيد من الصين وفى العالم 1500 مليون مسلم لو ان كل فرد اشترى سجادتين وخمس سبح واربعة فوانيس رمضان وخمسة جلاليب او قمصان لنا ان نتصور حجم الدخل من هذه السلع البسيطة الرخيصة الموجودة في جميع الأسواق وكل الأماكن ولنا ان نتصور كم يحتاج المسلمون في مواسم الحج والعمرة من هذه السلع الرخيصة التى يمكن ان توفر سلعا وفرص عمل ودخلا من العملات الصعبة .. اننا الآن نبكى على السياحة والسياح والفنادق والمنتجعات المغلقة لو كانت لدينا صناعات صغيرة ما كانت كل هذه الأزمات ان الصين تبيع الآن الثوم والبصل والأجهزة الكهربائية الرخيصة جدا حتى وان كان عمرها قصيرا هناك سلع مقلدة تحمل اسماء ماركات عالمية تملأ الأسواق ابتداء بالساعات وانتهاء بأجهزة المحمول. ان الأزمة الحقيقية اننا مازلنا نعتمد في كل الأنشطة الإقتصادية على تجارة الأراضى والمقاولات حتى الحكومة تتنافس حول مدخرات المصريين وهل تجمعها من بيع الأراضى ام العقارات ام شهادات البنوك وتسأل ماذا تقدم البنوك للصناعة واين هذه الصناعة ولماذا بخلت علينا الدول المتقدمة بخبراتها الصناعية حتى نظل نمد ايدينا ديونا او استيرادا او تبعية .. انها خطط مبرمجة الا يقوم الاقتصاد المصرى على الإنتاج والصناعة والتكنولوجيا. في مصر الآن عشرات بل مئات السلع الصناعية المستوردة من دول الخليج وتحمل اسماء ماركات عالمية لماذا لم يحدث ذلك معنا بل اكثر من ذلك لماذا يقتصر الإستثمار العربى في مصر على العقارات وتجارة الأراضى واين الصناعات المنتشرة في السعودية والإمارات والقادمة من دول شرق اسيا .. أتعجب كثيرا ان معظم الإستثمارات في مصر في السنوات الماضية كانت بيع الأراضى وإقامة المنتجعات اكثر من هذا اننى لم اشاهد إعلانا واحدا في شهر رمضان عن مشروع صناعى مصرى كبير بإستثناء الحديد وهو من توابع عالم المقاولات .. كل الإعلانات التى استفزت المصريين طوال الشهر المبارك كانت عن المنتجعات الجديدة وهذه المنافسة الضارية بين شركات العقارات على جيوب المصريين .. ان الصناعة يمكن ان تحل لنا ازمات كثيرة انها تحمل حلولا لأزمة الدولار وارتفاع سعره ومضارباته حين ترتفع صادراتنا من العملات الصعبة مثل كل الدول اننا في انتظار السياح وقد طال انتظارنا لو ان هناك صادرات صناعية الآن لتوافرت لدينا مصادر دخل كبيرة .. ان الصناعة تحل ازمة البطالة وإذا كان هناك اربعة ملايين يعملون في السياحة فلماذا لا يكون لدينا مثلهم بل اكثر يعملون في الصناعة .. ان الصناعة تحل الكثير من ازمة الأسعار حين يتوافر الإنتاج المحلى من السلع حين يجد المواطن سلعة مصرية تغطى احتياجاته بالسعر المناسب لماذا لا توجد حتى الآن في مصر شركة لإنتاج التليفون المحمول المصرى الصنع كم يوفر ذلك وكم يحقق من الدخل بالعملات الصعبة .. وقبل هذا كله فإن الصناعة سوف توفر الملايين التى تتحملها ميزانية الدولة في استيراد السلع من الخارج سواء كانت سلعا استهلاكية او غذائية .. نحن نستورد مئات السلع الغذائية ابتداء بلبن الأطفال وانتهاء بالأدوية بل اننا الآن نستورد كميات كبيرة من الأدوية المصنعة في السعودية ودول الخليج وتنتجها هناك شركات عالمية. كانت في مصر يوما بشائر نهضة صناعية لم تكتمل ولم تحقق نتائجها وللأسف ان معظم مؤسساتها بيعت في مزادات الخصخصة وبيع القطاع العام في عملية خسيسة ضيعت على مصر فرصا كبيرة للتقدم والإنتاج . انا هنا لا اقلل من اهمية وضرورة النشاط والإستثمار العقارى ولكنه لا يصلح وحده لبناء اقتصاد دولة خاصة إذا كانت الدولة قد تحولت الى سمسار اراض وتحول القطاع الخاص الى تجار شقق ومنتجعات والكل يراهن على المواطن المصرى الغلبان انها دائرة مغلقة مثل الحجرة التى يتكدس فيها المئات من الأشخاص وهى بلا نوافذ حتى اختنقوا جميعا وهذا ما حدث للاقتصاد المصرى طوال السنوات العجاف ومازال حتى الآن هو الطريق الوحيد امامنا . ان الحل الوحيد للمجتمع المصرى ان يتحول الى بلد منتج على كل المستويات اما تدوير اصول الدولة ما بين الأراضى والعقارات ومدخرات المواطنين في البنوك والمنشآت الأسمنتية فهذه وسائل انتهى زمانها ان الدول الصغيرة الأن تنتج صادرات بآلاف الملايين من الدولارات وعلينا ان نسلك نفس الطريق .. ولنا ان نتصور ان العلاقات بين مصر والخارج لم تكن يوما عونا لمصر لتتحول الى دولة صناعية منتجة انهم يركزون كل انشطتهم لتصدير منتجاتهم الينا او تقديم القروض لنا او استنزاف مواردنا اما ان يقدموا لنا صناعات متقدمة فهذا غير وارد على الإطلاق. إذا كان الغرب قد بخل علينا في ذلك وهو عادة يفعلها معنا فقد قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارات للصين وروسيا واليابان وكوريا واندونيسيا وعلينا ان نتجه الى هذه الدول لكى نستفيد من خبراتها وتجاربها وبدلا من ان نستورد من الصين البصل والثوم والموبايلات المضروبة نطلب منها ان تقيم مصانع من الصناعات المتقدمة في بلادنا .. ان هذا هو المشروع الطموح في قناة السويس وشرق التفريعة وهو ايضا ما ينبغى ان يحدث في سيناء وبدلا من ان نبيع المواد الخام والرمال البيضاء والرخام في مناجم ومحاجر سيناء والصحراء الغربية لماذا لا تتحول الى سلع صناعية تباع في اسواق العالم. هناك عشرات المشروعات الصناعية التى تم الإتفاق عليها فى زيارات الرئيس السيسى وفى مؤتمر شرم الشيخ ومع عشرات الوفود فى القاهرة والخارج فهل تنفذ هذه المشروعات وهل تتابعها الوزارات المختلفة ام انها ستلحق بمشروعات بقيت على الورق ولم تنفذ طوال ثلاثين عاما يجب ان نتعلم من دروس الماضى ونسأل انفسنا كيف لم تصبح مصر بلدا صناعيا حتى الآن. في جانب آخر لا ادرى ما هى حدود العلاقة بين البنوك المصرية بما فيها من بلايين الجنيهات والقطاع الخاص الصناعى من المستثمرين المصريين هناك مشروعات كثيرة توقف انتاجها بعد ثورة يناير وكان ينبغى ان تساعدها البنوك لكى تعود لنشاطها مرة اخرى .. وهناك مشروعات تعثرت في سداد ديونها وكان ينبغى على البنوك ان تقف معها ان معظم القروض التى تقدمها البنوك للقطاع الخاص المصرى تتركز على الأراضى والعقارات وصناعة البراميل والمسامير وهذه الإعلانات الساذجة التى نشاهدها على شاشات التليفزيون وتدفع فيها البنوك الملايين من مدخرات المصريين .. ان الصناعة هى المنقذ الوحيد للإقتصاد المصرى وهى تبدأ بالمشروعات الصغيرة في البيوت كما فعلت الصين لأن انتاج الجلاليب والسبح والسجاجيد وفوانيس رمضان التى نستوردها بملايين الدولارات يمكن ان تقام في مساحات صغيرة وتكون مشروعا لأبناء الأسرة الواحدة بقرض صغير وخبرات محدودة .. ان الصناعة هى الإختبار الحقيقى للعلاقات بين الدول والشعوب وقد بخل الغرب علينا سنوات طويلة بما لديه من وسائل التقدم وعلينا ان نبحث عن علاقات نجد لديها العون والنوايا الطيبة ..ويبقى الشعر وَحْدِى أنتظرُكِ خلفَ البابِ يُعانقُنى شوقٌ .. وحَنينْ. والنَّاسُ أمامِى أسرَابٌ ألوَانٌ ترْحلُ فى عَيْنى وَوُجُوهٌ تخْبُو .. ثُم تَبينْ والحُلمُ الصّامتُ فى قلبى يبْدو مَهْمُومًا كالأيام يُطاردهُ يَأسٌ .. وأنينْ حُلمِى يترنَّحُ فِى الأعْماق بلا هَدفٍ .. واللحنُ حزينْ أقدامُ النَّاس علىَ رأسِى فوقَ الطرقاتِ .. على وجْهى والضَّوءُ ضَنينْ. تبدُو عَيناكِ على الجُدران شُعاعًا يَهَربُ من عَينى ويعُودُ ويسْكنُ فى قلبى مثْلَ السِّكِّينْ أنتظرُ مَجيئكِ.. لا تأتِينْ. عَيْنى تتأرْجحُ خَلْف البَابِ فلمَ تسمَعْ ما كنْتُ أقولْ. أصْواتُ الناس على رأسِى أقدامُ خيُولْ. ورَنينُ الضَّحَكات السَّكرى أصْداءُ طبولْ. وسَوادُ الليل على وجْهى صَمتٌ وذهولْ. وأقولُ لنفسِى لوْ جاءتْ!. فيُطلُّ اليأسُ ويصْفعُنى تنزفُ منْ قلبى أِشياءٌ دمْعٌ .. ودماءٌ .. وحنينٌ وبقايَا حلم .. مقتولْ مَا كنتُ أظنُّ بأنّ العهْدَ سرابٌ يضْحكُ فى قلبينْ مَا كنتُ أظنُّ بأنَّ الفرحة كالأيام إذا خانتْ. يَنطفىءُ الضَّوءُ على العَيْنينْ. أنتظرُ مجيئكِ يشطرُنى قلبى نِصفينْ. نصْفُ ينتظرُك خلفَ البابِ وآخرُ يدْمَى فى الجفنينْ. حاولتُ كثيرًا أنْ أجْرى. أن أهَربَ منكِ .. فألقانى قلبًا يتشظَّى فى جَسَدينْ. الصَّمْتُ يُحَدّق فِى وَجْهى لا شَىْءَ أمَامِى. غَابَ النَّاسُ .. ومَاتَ الضَّوءُ. وفِى قلبِى جَرْحٌ .. ونزيفْ وأعُودُ ألملِمُ أشْلائِى فوْقَ الطرقاتِ وأحْملُهَا .. أطلال خريفْ والضَّوءُ كسِيٌر فى العَيْنين خُيولُ الغُربةِ تسْحقُنِى. والصَّمتُ مُخيفْ. هدأتْ فِى الأفق بقايَا الضَّوءِ وَقدْ سَكنَتْ أقْدامُ النَّاسْ وأنَا فِى حُزنى خلفَ البابِ يُحاصُرنِى خوفٌ .. ونُعَاسْ مِن أيْنَ أنَامُ؟ وصَوْتُ الحُزن على رأسى أجراسٌ تسحْقُ فى أجراسْ وأنا والغُربة والأحزَانُ وعيناكِ وبقايا الكَاسْ. واللَّيلُ وأوْراقى الحَيْرَى. والصَّمْتُ العَاصِفُ.. والحُرَّاسْ وأقولُ لنفْسِى.. لوْ جَاءتْ. يَرتَعِش الضَّوءُ. وفِى صَمْتٍ.. تخْبُو الأنْفاسْ. مَازلتُ أحدّقُ فِى وَجهى والقلبُ حزينْ. أجمَعُ أشلائِى خَلْفَ البابِ يُبعثُرها جُرحٌ.. وحَنينْ والحُلمُ الصَّامتُ فِى قلبِى يَبْكى أحيانًا كالأطْفال. ويسْألُ عَنكِ.. متَى تأتينْ. مَتَى .. تَأتِينْ. .
قصيدة «متى .. تأتين ؟» سنة 1996» [email protected] لمزيد من مقالات فاروق جويدة