«عضم ولادنا نلمه نلمه.. ونعمل منه مدافع وندافع» .. بهذه الكلمات واجه شاعر المقاومة الكابتن غزالي نكسة 1967، وحّول آلة السمسمية إلي بندقية سريعة الطلقات تنطلق من السويس لكل ربوع مصر تمحو آثار الهزيمة ، وتعيد الروح المعنوية العالية لكل المصريين. ولد الكابتن غزالي الذي رحل عنا أمس الأول بعد أيام من رحيل زوجته بقرية «أبنود» بمحافظة قنا في نوفمبر 1928، لكنه عاش في مدينة السويس التي درس بها وأكمل حياته فيها، بعدما تخرج فى معهد «ليوناردو دافنشي» بالقاهرة، ويوثق كتاب سنوات الحب والحرب، عن حياة الكابتن غزالي وتجربة أولاد الأرض، للكاتب حسين العشي، ارتباط الكابتن غزالي بمدينة السويس، ورفضه الانتقال للقاهرة منذ أربعينيات القرن الماضي، ويقول عن تجربة حرب 67: عشنا وقتنا كله دفاعا عن حقنا في الحياة، دخلنا الحرب وليس في بال أحد أننا سننهزم، كان المواطنون يزينون الدبابات بأوراق الشجر، يحملون علي أكتافهم المعدات عبر القناة إلي سيناء، كان الرهان أن عبد الناصر سيلقي خطبة في تل أبيب ليلاً. وفجأة في الخامسة والنصف من هذا اليوم، علمنا بالهزيمة، ووجدنا إسرائيل علي الضفة الثانية، كان القاهريون يصفون السويسبالمدينة المتخلفة، لأن الستات كانوا متحفظين ويخرجون بالملاية، لكن ذلك لم يمنع السيدات من النزول إلي الشوارع لاستقبال الجنود المصريين العائدين من سيناء. ورفض الكابتن غزالي التهجير مع مجموعة من الشباب الصغير السن، كانوا جميعا من البمبوطية وأصحاب ورش إصلاح السيارات، ممن انخرطوا في المقاومة الشعبية، واستمروا داخل المدينة طوال حرب الاستنزاف، وبدأ الكابتن غزالي في تشكيل فرقة «أولاد الأرض» وانطلق صوت الكابتن غزالي وأفراد الفرقة يغنون للجنود المصريين «الفاتحة للعسكري.. سبع السباع الفللي»، و«غني يا سمسمية.. لرصاص البندقية.. ولكل إيد قوية.. شايله زنودها مدافع .. غني لكل مهاجر.. في الريف أو في البنادر.. في معسكر أو في شادر.. وقولي له علي عنيه.. غني ودق الجلاجل.. مطرح ضرب القنابل.. راح تضرب السنابل.. ويصبح خيرها ليا»، ولم تكن تجربة أولاد الأرض في السويس فقط، كانت في المنصورة والإسكندرية والقاهرة، ولعبت زيارات الفرقة دورا مهما في ربط أبناء السويس المهجرين بمدينتهم. وخروجا علي المألوف عند تأسيس الفرق الموسيقية الغنائية اختار الكابتن غزالي أعضاء فرقته من رجال المقاومة في تلك الفترة، امثال مصطفي احمد غزالي وضيف محمود خليل ومصطفي محمود حنفي وحافظ احمد غزالي وعز الدين منسي ورمزي عثمان وشحتة أبو الجدايل وذكي عبد العظيم، وغريب عبد اللطيف وعلي صبرة (جلويس ) وعبده عبد الرازق وفتحي السيد طه، وفرج سيد احمد وعبد الله حسن خليل، وبعد أربعة أشهر من انطلاق الفرقة تحديدا في شهر سبتمبر 1967 انضم إلي عضويه الفرقة عدد من شباب السويس وعمال الشركات، كان أشهرهم صلاح عبد الحميد آدم وغريب محمد سالم ومحمد محمد عويضه وابراهيم حسن بدران ومحمد حسن حسين وعبد الله صقر ومنصور نصاري ومحمد سعد وأبو السعود احمد وسعيد الفلسطيني . كما تغني من كلماته كبار المطربين المصريين والعرب، منهم سمير الإسكندراني ومحمد حمام وفايدة كامل، وانبهر الكثير من المثقفين المصريين والعرب، بتجربة «ولاد الأرض»، فكانوا يقومون بزيارات للسويس ويجلسون مع الكابتن غزالي في دكانه البسيط، الذي يكتظ بمئات الكتب المتاحة لكل عشاق القراءة استقبل غزالي في دكانه رموز الفكر والثقافة، منهم صلاح جاهين، أمل دنقل، عبدالرحمن الأبنودي، وشاعر المقاومة محمود درويش، الذي عبر عن اعجابه الشديد بأولاد الأرض، حين قال: عندما سمعت هذه الكلمات شعرت بأنني أتحول الي تلميذ مبتدئ في مدرسة شعر المقاومة. وتعددت تجارب المقاومة التي أسسها غزالي، ويحكي بنفسه عن «سينما الخندق»، يقول: اصطحبنا جهاز سينما 16 مللي من السفارة الصينية عن حرب الأنفاق، كنا نعرض من خلاله أفلاما في الخنادق كي يستمر الناس في صمودهم. إن أبلغ وصف للكابتن غزالي هو ما نعاه به صديقه أحمد ناجي، مدرب حراس مرمي منتخب مصر عبر صفحته الشخصية علي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: رمز المقاومة الشعبية في السويس انتقل إلي رحمة ربه، عزائي لأهل السويس والكابتن حافظ غزالي، صديقي العزيز الكابتن غزالي كتب كل الأغاني فى أثناء المقاومة الشعبية، وعضم ولادنا نلمه نلمه ونعمل منه مدافع وندافع.. رحمة الله عليك يا كابتن غزالي، كان فعلًا راجل وطني دون رياء وكل كتاباته عن مصر والمقاومة صادقة ونابعة من قلبه. وتابع ناجي: عرف عن كابتن غزالي حبه للبساطة.. كان شعبيا يفضل الجلوس مع الفقراء والبسطاء حتي أشعاره كان يخاطب بها تلك الفئة من الشعب. منذ عامين قام المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية بتوثيق الروايات الشفاهية للفنانين الشعبيين، وقد بدأ بالفعل الشروع في توثيق حياة الكابتن غزالي المناضل وفدائي البندقية والسمسمية، ورائد شعر وأدب المقاومة الشعبية شاعر المقاومة الشعبية بالسويس، وجبرتي الفداوية، وشاعر الثورة والوطن، ونتمني أن تستمر عملية التوثيق هذه. قدم الكابتن غزالي واحدة من خلجاته الشعرية في كتاب باسم «في عز الحرب» وقد صار هذا الكتاب مرجعا تاريخيا في شعر المقاومة في مصر ومن بين أجمل قصائده : والله ......والله ....... والله ..... والله هترجع تأني لبيتك ولغيطك يا خال وها تلقي الرملة خضرة علي طول القنال والله .... والله ..... والله ..... والله هترجع تأني لبيتك وبنصرك تتخايل كلمات: إن الثورة ليست بندقية ثائر فحسب، بل هي معول فلاح ومشرط طبيب وقلم كاتب وريشة شاعر ياسر عرفات لمزيد من مقالات فتحى محمود;