الإعلان عن المرشحين من جامعة عين شمس لمنح المبادرة المصرية اليابانية للتعليم    تراجع أسعار صرف الدولار أمام الجنيه وارتفاع «اليورو» و«الإسترليني»    40%.. بشرى سارة من الحكومة بشأن الأسعار    عيد تحرير سيناء.. تعرف على جهود تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    رئيس قناة السويس يبحث التعاون مع ترسانة هيونداي لبناء السفن والوحدات البحرية    أوكرانيا: طائرات مسيرة ضربت مستودعي نفط مملوكين لشركة روسية    قصة حب انتهت بالزواج ثم القتل لسبب صادم.. جريمة تهز المحلة    مصر تفوز بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتزم نشر قوات جديدة في غزة    نائب وزير الإسكان يفتتح معرض إدارة الأصول في نسخته الخامسة    الأرصاد تنصح المواطنين بشرب السوائل وارتداء غطاء للرأس    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    رئيس "سلامة الغذاء" يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى 42 لعيد تحرير سيناء    مروان عطية يصدم الأهلي قبل مواجهة مازيمبي الكونغولي    بعد عودة الشناوي.. تعرف على الحارس الأقرب لعرين الأهلي الفترة المقبلة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24-4-2024 والقنوات الناقلة    "لا يرتقي للحدث".. أحمد حسام ميدو ينتقد حكام نهائي دوري أبطال آسيا    محفظة أقساط شركات التأمين تسجل 8.38 مليار جنيه خلال يناير 2024    ريانة برناوي أول رائدة فضاء سعودية ضيفة «يحدث في مصر» الليلة    وكيل تعليم بورسعيد: الامتحانات مهمة وطنية يحب أداؤها على أكمل وجه    الكونجرس الأمريكي يقر قانون حظر تيك توك    تفاصيل الحالة المرورية بالمحاور والميادين صباح الأربعاء 24 أبريل    اليوم.. استكمال محاكمة المتهمين باستدراج طبيب وقتله بالتجمع الخامس    مصرع مُسنة دهسا بالقطار في سوهاج    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    طرح فيلم ANYONE BUT YOU على منصة نتفليكس    نجوم الغد .. أحمد ميدان: هذه نصيحة السقا وكريم لى    بسبب الحرب على غزة.. كل ما تحتاج معرفته عن احتجاجات الجامعات الأمريكية    دعاء الحر الشديد.. 5 كلمات تعتقك من نار جهنم وتدخلك الجنة    تكذيبا للشائعات.. إمام عاشور يغازل الأهلي قبل لقاء مازيمبي بدوري الأبطال| شاهد    تقديم خدمات طبية لأكثر من 600 مواطن بمختلف التخصصات خلال قافلتين بالبحيرة    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    تجديد منظومة التأمين الصحي الشامل للعاملين بقطاعي التعليم والمستشفيات الجامعية بسوهاج    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    تاريخ مميز 24-4-2024.. تعرف على حظك اليوم والأبراج الأكثر ربحًا للمال    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    اليوم.. «خطة النواب» تناقش موازنة مصلحة الجمارك المصرية للعام المالي 2024/ 2025    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    الصين تعارض إدراج تايوان في مشروع قانون مساعدات أقره الكونجرس الأمريكي    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن ظاهرة أنصاف المتعلمين
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 03 - 2017

لدى الكثير من الدلائل على أن انتشار الأمية قد يكون أقل خطرا من انتشار انصاف المتعلمين.
قارن بين حالة المناخ الثقافى فى مصر (بل وفى العالم العربى كله) فى النصف الأول من القرن العشرين، وبينه الآن. نجد أن الأعمال الثقافية كانت أكثر رقيا منذ مائة عام، وكذلك مستهلكو الثقافة، من قرار الكتب والصحف والمجلات، إلى مرتادى المسرح. كانت الأمية حينئذ أكثر انتشارا بكثير منها الآن، ولكن أنصاف المتعلمين كانوا أقل وأضعف أثرا.
خلال المائة عام الماضية شهدت مصر والبلاد العربية تطورات سياسية واقتصادية كبيرة، من بينها ثورات ونظم جديدة للحكم ترفع شعارات التوسع فى التعليم والقضاء على الأمية. كان المطلب نبيلا بلا شك، ولكنه انتهى للأسف بارتفاع كبير فى نسبة أنصاف المتعلمين.
كانت السرعة فى نشر التعليم أحد الأسباب، إذ لم يكن من الممكن ان نحصل على العدد الكافى من المدرسين القادرين على القيام بالمهمة بالكفاءة اللازمة. ولكن الحراك الاجتماعى السريع، الذى جلبته هذه الثورات والانقلابات، أدى إلى تولية كثيرين من أنصاف المتعلمين مناصب مهمة لم يكن يحتلون مثلها من قبل. فإذا بهؤلاء يمنحون فرصة للتحكم فى المتعلمين والأميين، وأنصاف المتعلمين على السواء، فانتشر نفوذهم وزاد خطرهم.
نحن مازلنا نشكو من أن الأمية مازالت موجودة، إذ لم ننجح فى محو أمية نحو ربع السكان، ولكننا نادرا ما نلتفت إلى أن حولنا كثيرين من الأميين إلى أنصاف متعلمين ليسوا أقل خطرا.
من أين بالضبط يأتى خطر أنصاف المتعلمين؟ إنه يأتى أولا من جهل أنصاف المتعلمين بحقيقة ما حصلوه من تعليم وما لم يحصلوه، ومن ثم فهم أقل تواضعا من الأميين الذين يعرفون قدر أنفسهم وحقيقة موقعهم فى المجتمع بل إن أنصاف المتعلمين كثيرا ما يكون لديهم من الغرور والتعالى ما يزيد عما لدى الأميين أو المتعلمين على السواء، إذ يحاولون اقناع الناس (وإقناع انفسهم أيضا) بما لا يتوافر لهم فى الحقيقة، أو اثبات جدارتهم بمناصب ليسوا جديرين بها، أو الحصول على ثروة لا يستحقونها.
آثار التعليم الناقص كثيرة، من بينها ما لاحظته من كثرة استخدام وصف كاتب بأنه كاتب كبير، أو حتى بأنه مفكر كبير، مع أنه قد يكون فقط كثير الكتابة. وهى ظاهرة نادرا ما توجد فى البلاد الأكثر منا حظا فى التعليم والديمقراطية.
فتكرار ظهور أسماء بعض الأشخاص، فى الصحف وسائر وسائل الاعلام، قد يخدع كثيرين فى مجتمع ينتشر فيه أنصاف المتعلمين، فيظنون أن هذا الظهور المستمر دليل على اتساع الثقافة أو قدرة نادرة على التحليل، مع أنه قد يكون دليلا فقط على التمتع بالنشاط الجسمانى وحب الشهرة.
لاحظت أيضا أن بعض هؤلاء الكتّاب المشهورين يعرفون بالضبط مدى تواضع قدراتهم ودرجة الخداع التى تنطوى عليها هذه الشهرة، إذ سرعان ما يظهرون التواضع فى بعض المجالس التى لا تحمل لهم كل هذا التقدير، فيقللون من غلوائهم ريثما تنفرج الضائقة ويعودون إلى التعامل مع «انصاف المتعلمين» ممن وقعوا ضحية لهذا الخداع.
الأخطر من هذا ما تسمح به هذه الظاهرة من نجاح للحكام المستبدين فى عالمنا قليل الحظ من الديمقراطية، فالشعارات السياسية المزيفة، وما يقدم من وعود لا ينوى تنفيذها، أكثر فعالية فى العادة فى مجتمع يكثر فيه أنصاف المتعلمين. ولكن دعنا لا نبالغ فى هذا الأمر. فالحقيقة أنه حتى فى الدول قليلة الحظ من التعليم كثيرا ما يكون إدراك الناس لما فى حياتهم السياسية من تزييف، وفهمهم لمقاصد حكامهم، أقرب إلى الحقيقة مما نتصور، ولكن أنصاف المتعلمين كثيرا ما يؤدون لهؤلاء الحكام وظيفة لا يستطيع تأديتها لا المتعلمون ولا الأميون. فأنصاف المتعلمين عادة أكثر ميلا للتزلف، وأكثر تسرعا فى محاولة الصعود على السلم الاجتماعي، ربما لقلة ثقتهم باستحقاقهم لهذا الصعود (بالمقارنة بالأميين).
هكذا تزيد فرص أنصاف المتعلمين فى الصعود والترقى فى بلاد العالم الثالث المليئة بالحكام المستبدين.
من بين الآثار المؤسفة أيضا لانتشار أنصاف المتعلمين، أثرها على اللغة القومية، لقد ظلت اللغة العربية الفصحى مثلا قرونا كثيرة تتمتع بحصانة وحماية طالما استمر المجتمع منقسما إلى شريحة ضئيلة للغاية من المتعلمين تعليما راقيا، وبحر واسع من الأميين. نعم، كان المنتمون إلى هذا البحر الواسع بعيدين عن استخدام لغة قريبة من الفصحي، ولكنهم أيضا لم يكونوا يهددون هذه اللغة الفصحى مثلما اصبح يهددها أنصاف المتعلمين الذين يدأبون على استخدام كلمات غريبة (وكثيرا ما تكون قبيحة)، ويتجرأون أكثر فأكثر (بحكم ما يتولونه من مهام ومناصب فى وسائل الاعلام) على إقحام هذه الكلمات على اللغة المستخدمة فى الاعلام بل وحتى فى المقررات الدراسية.
هكذا أدى التقدم الاقتصادي، أو ارتفاع مستوى المعيشة لشرائح واسعة من المجتمع، إلى الاضرار باللغة القومية، كلما كان هذا التقدم بعيدا عن ميدانى الثقافة والتعليم. فقد أدى هذا التقدم الاقتصادي، للأسف، إلى ارتفاع نسبة أنصاف المتعلمين، فراحوا يعيثون فسادا، ولو بغير قصد، فى استخدامهم للغة القومية، وكأن النهضة الاقتصادية لابد أن تتعارض مع النهضة الثقافية، أو كان هذان النوعان من النهضة ينتميان إلى عالمين منفصلين، لا يمكن الجمع بينهما، ولكن هذه هى للأسف طبيعة العالم الذى نعيش فيه: عالم متعجل قليل الصبر، وهو فضلا عن ذلك يعلى أكثر من اللازم من شأن الأهداف الاقتصادية، ولو على حساب كل شىء آخر.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.