تعليم العربية كلغة ثانية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ظاهرة طارئة على برامج التعليم في مؤسساتها التربوية. وهذه الظاهرة ينبغي أن تكون مدعاة للمعاينة والمشاركة من قبل الأخصائيين العرب في التربية والتعليم، خاصة أن من سيقوم بإنجاز مهمة تعليمها كلغة ثانية هو الولاياتالمتحدة، وما يستتبع ذلك من أحكام تبنى على النية السياسية، ومنها إقامة سلطة لغوية خارج العالم العربي، خصوصا أن المجاميع والمراجع اللغوية معطلة، في ظل غياب ثقافي وسياسي للدول العربية وملحقاتها الثقافية بسبب الأوضاع الراهنة، آخذين بعين الاعتبار الجوانب الإيجابية، أكاديميا، التي يمكن تحقيقها من تجربة تعليمها كلغة ثانية في الولاياتالمتحدة، بسبب توفر الإمكانات المؤهله للوصول إلى أفضل السبل والطرق المؤدية لتدريسها، كما يحصل للغات أخرى كالإسبانية والألمانية والصينية. والملاحظ هنا أن البعثات الثقافية (باستثناء البعثات العربية)الملحقة بالسفارات الأجنبية لمعظم اللغات المدّرسة كلغة ثانية تواكب عملية التعليم ومراحله وتشجعه بكافة السبل. واقع تعليم اللغة العربية كلغة ثانية بين الإيجابيات والسلبيات والأهداف المرجوة ففي مقالة للكاتب اللبناني "عون جابر" تناول فيها واقع تعليم العربية كلغة ثانية في المستوى الجامعي، والتعريف بالظروف المحيطة بها والآيلة نحو مصائر إيجابية أو سلبية، تبعا للأهداف المتوخاة من تدريسها أو لأجندات المراقبين والمتتبعين لمساراتها. تدريس اللغة العربية قبل أحداث سبتمبر عام 2001، يختلف عما بعده، سالفا كان محصورا في بعض المعاهد والجامعات، التي اهتمت بها، بعدما تبين أثر المقاطعة النفطية للسوق الأمريكية عام 73. يومها تعرف الشعب الأمريكي وبحكم الضرورة، على العرب شعبا وثقافة، إضافة لمتطلبات العولمة والتسويق وبزوغ أهمية العالم العربي الجيوسياسية، وإدراج لغته كواحدة من اللغات المعتمدة في أروقة الأممالمتحدة. رغم أهمية الأسباب السالفة، تبقى أحداث الحادي عشر من سبتمبر السبب الرئيسي لإدراجها في مناهج العديد من المعاهد والجامعات الأمريكية، الدافع لأن يشهد هذا الحقل اتساعا يفوق التوقعات ويفاجئ القلة العاملة فيه، إذ كشفت الضرورات الأمنية قصورالثقافة الأمريكية عن معرفة كنه لغات وثقافات شعوب العالم بشكل عام .هذا السبب الأمني الملح كان الدافع الذي جعل العديد ممن يتكلم العربية مترجمين أو أدلاء ثقافيين في ساحات الحرب أو في القواعد الخلفية ومراكز الاعتقال والمراقبة، أو موظفين في المؤسسات الأمنية وخبراء في حلقات نقاش تتناول خصائص التاريخ الحضاري العربي والإسلامي. هذا الاهتمام المتعدد الجوانب والدوافع والأهداف أدى لرصد الاعتمادات المالية من قبل الحكومة الفيدرالية والولايات وضخها في الجامعات وغيرها من المؤسسات التربوية، لتسريع تعلم اللغات العربية والفارسية والأوردو والسواحلية وغيرها…. بالإضافة إلى تسهيلات ومنح وحسومات تجذب الطلبة وتشجعهم للانخراط لإجادة إحداها كاختصاص ثان، أو لأهميتها في حقول الأمن والعلوم السياسية والدولية. الاستفادة من النظريات والتطبيقات الحديثة في تعليم اللغات اللاتينية كلغة ثانية للطلاب في العالم الغربي أفادت بشكل جزئي حقل تعليم العربية ورغم مرور أكثر من نصف قرن على تعليمها كلغة ثانية في بعض المعاهد والجامعات، فمازال تعليمها يعتبر حقلا جديدا في الولاياتالمتحدة وحتى في العالم العربي، إذ ان الدراسات التي تناولته نادرة ومقصرة في صياغة أنجح الطرق التعليمية المرتكزة على النظريات التربوية والتجارب الميدانية المحققة أكاديميا. الاستفادة من النظريات والتطبيقات الحديثة في تعليم اللغات اللاتينية كلغة ثانية للطلاب في العالم الغربي أفادت وبشكل محدود وجزئي حقل تعليم العربية، كلغة ثانية بسبب الفروق الجوهرية بينهما. وندرة الدراسات حول تعليم العربية لغير الناطقين بها يكشف أيضا التقصير الرسمي للحكومات العربية وجامعاتها والسلطات اللغوية فيها المتمثلة بالمجامع اللغوية والعاملين في حقل التربية والتعليم والإعلام. وتاريخيا يبدو أن بدء تعليمها الأكاديمي ترافق مع صدور قرار أو مرسوم «الدفاع والتربية» الصادر عام 1958 في واشنطن، الذي تبنى أهمية اعتماد تعليم اللغات المعاصرة ضمن الدراسات الدولية، ولكن تفعيله لم يبدأ إلا عام 1968، عندما تقدم بيترعبود مع فريق تربوي وألسني بعرض أول منهاج مفصل للتعليم (الابتدائي في تعليم العربية المعاصرة)، ثم تلاه المتوسط. وهذه الإصدارات كانت خلاصة أربع ورشات عمل امتدت من سنة 1965 وحتى 1967، تم عقدها في جامعات آن آربر- ميشيغان وكولومبيا بإشراف وإدارة الخبير باللغة والثقافة العربية، تشارل فورغيسون. وهكذا أصبح منهاج تدريس العربية المعاصرة الصادرعن هذا الجهد بمثابة البرنامج المعتمد في المعاهد والجامعات المنوطة بذلك. ولكن لم يطل عمر هذا المنهاج بعد صدور تقرير «لجنة كارتر» للدراسات الدولية واللغات الأجنبية، الذي توصل إلى ما يشبه «الفضيحة نتيجة التقصير في تحقيق الأهداف المتوخاة مقارنة بالجهود المبذولة» في حقل تعليم اللغات، ومن ضمنها العربية، أي بمعنى آخر انصّب التركيز على تعليم الفصحى وكتابتها. وهذا يتنافى مع ما رأته مجموعة جديدة من اللغويين عرفت «بحركة الإجادة اللغوية» بمشاركة فعالة من اللغوي روجر آلن من جامعة بنسلفانيا، التي ركزت على المهارات الأربع (قراءة، محادثة، سماع، كتابة). وفي عام 2006 رسم «المشروع اللغوي – التربوي على الصعيد الوطني» المسار المنشود لبرامج تعليم اللغة العربية، وهو عبارةعن توجيه الاهتمام للحقول الخمسة التالية: التواصل، الثقافة، المحادثة، المقارنة وجمهورالأحياء. طبعا هذا المبتغى يبقى رهن التجربة في ظل غياب طرق التعليم والمنهاج، إضافة لعدم توافر المادة وتطبيقاتها، ولكن يبقى السؤال الأهم هو ماذا ندرس: الفصحى المعاصرة أو العامية؟ يعتبر المرء أميا في حال عدم إجادتة للفصحى الفصحى المعاصرة هي ما يجمع العالم العربي حاليا، من خلال وسائل الإعلام المفهوم بدون لبس أو غموض، من المحيط إلى الخليج، إضافة لكونها لغة القرآن وخزان الثقافة والشعر والأدب وكل مُشَكلات الهوية القومية والتراثية والحضارية. بموازاة الفصحى تنتصب العامية كمرافقة للفصحى منذ البدء لتخلق حالة نادرة من ازدواجية في اللغة، فلغة البيت تختلف عن لغة المدرسة، إذ يعتبر المرء أميا في حال عدم إجادتة للفصحى. هذا ما لم يلحظه توجه المشروع وهو رهن التجارب وما يتفرع منه، من مصالح تطال شركات الترجمة ومؤلفي الكتب ودور النشر، ومدى استجابتها للهاجس الأمني، إضافة لأجندة المشرفين والمدرسين وكل العاملين في هذا الحقل. قبل الحادي عشر من سبتمبر لم يكن هذا السؤال مطروحا بإلحاح، فالهدف من تعليمها سابقا كان بدافع أكاديمي، ولكن بعدما تقدم الدافع الأمني إلى مقدمة المسوغات لتعليم العربية على غيره، حدثت الانعطافة التي تركت أثرها على كل ما يختص بتعليم العربية كلغة ثانية، وبذلك تنحى البعد الأكاديمي والثقافي والحضاري لدراسة العربية الفصحى، الذي يهدف للاطلاع على كنه الغنى الحضاري للثقافة العربية والإسلامية، وحل خيار تعليم أي من العاميات إلى جانبها. بناءً على ما سبق يتضح بأن للهاجس الأمني حضورا قويا، مهما بدت مشروعية الأسباب الأخرى، وهذا ما دفع إلى اعتماد سياسة تعليم العامية في جامعتي كامبريدج (اللهجة الفلسطينية) وكورنيل (اللهجة الشامية)، إلى جانب الفصحى المعاصرة. تعليم العامية باللهجتين المصرية والشامية، إضافة للفصحى المعاصرة لا يفضي إلا للإرباك والتشوش المناهضون لتعليم العامية إلى جانب الفصحى يردون الصعوبة في ذلك لأسباب متعلقة باللغة قبل كل شيء، وأهمها تعدد العاميات وتعدد اللهجات في كل واحدة منها. فالكتاب في تعلم اللغة العربية الجزء الأول – الطبعة الثالثة فشل في الحلول محل الجزء الثاني في معظم الجامعات. لأن تعليم العامية باللهجتين المصرية والشامية، إضافة للفصحى المعاصرة على الصفحة نفسها لا يفضي إلا للإرباك والتشوش، وإن كان بألوان مختلفة. ولذلك عادت معظم الجامعات لاعتماد الجزء الثاني الذي يركز على تعليم العربية المعاصرة التي تتطلب إجادتها بحسب معظم الدراسات إلى تفرغ لا يقل عن الأربع سنوات (ويلمسن 2006). مناصرو تعليم العامية إلى جانب الفصحى يعتقدون بأن حيوية العامية وتعبيرها عن نبض المجتمع وروحه كافيان لأن تكون من ضمن المنهاج، إذ اثبتت الدراسات بأن إتقانها يساعد على التسريع في إجادة الفصحى والعكس صحيح. وهذا يفترض الإقامة في بلد عربي في السنة الخامسة. وآخر ما يسوقه مؤيدو الفصحى المعاصرة هو النجاحات التي يسجلها الإعلام بانتشار الفضائيات وشيوع العربية المعاصرة كلغة مشتركة. وبذلك برهنت العربية المعاصرة على أنها عابرة لكافة اللهجات والعاميات، وهذا ما يساعد الفريق الداعي لتعلمها وتعزيزها، حتى ان مدارس ميدلبري اللغوية لا تخصص أكثر من خمس الوقت لتدريس العامية. الوضع الخاص الذي تتميز به منطقة ديترويت ميشيغان لابد في النهاية من الإشارة إلى الوضع الخاص الذي تتميز به منطقة ديترويت ميشيغان لسببين: الأول هو إعداد الطلاب المسجلين لتعلم العربية في المرحلة الجامعية يتجاوز الألفين سنويا بأقل تقدير، وهذا العدد مرشح للتزايد بسبب انتشار المدارس الأهلية (يطلق عليها في أحياء الجالية، المدارس العربية) التي تدرس العربية ضمن منهاجها. السبب الثاني، كون معظم الطلبة من العرب الأمريكيين، يعني أنهم باتوا على تماس ودراية باللغة العامية وبمخارج الحروف وبالثقافة الإثنية بشكل عام. هذان السببان قد يشكلان نعمة أو نقمة، بحسب المدرس وخبرته، لعملية التعلم. خصوصا بالنسبة للأقلية من الطلبة التي لا تعرف شيئا عن العرب لغةًوثقافة. طبعا طريقة تعليم هذه الفئه يشكل تحديا في ظل غياب المواد والتمارين الموجهه نحوهم، أما السائد حاليا فلا يتجاوز تعليم العربية المعاصرة باعتماد الكتاب في تعلم العربية. المحاولة الجدية الوحيدة لاستهداف هذه الفئة كانت في لبنان عام 1962 عندما أصدرت إحدى الكليات الأمريكية كتاب «الممهد في تعليم العربية». خصوصية هذا الوضع هو تحد إضافي للأقسام الجامعية المشرفة على التعليم وللمدرسين وورش العمل التي تقيمها بعض روابط تعليم اللغة العربية أحيانا. الرابطة القلمية في نيويورك تضع بصمتها في بناء الحداثة اللغوية والأدبية والثقافية في بداية القرن الماضي نشأت الرابطة القلمية في نيويورك، ورغم البعد الجغرافي عن الوطن العربي فإن بصمتها في بناء الحداثة اللغوية والأدبية والثقافية مازال ماثلا، إذ ساهمت بفعالية في ولادة العربية المعاصرة، وبذلك فرضت نفسها كسلطة لغوية قائمة بذاتها، رغم الاغتراب المجتمعي والجغرافي، فهل يكون لتعليم العربية رغم الهاجس الأمني في الولاياتالمتحدةالأمريكية يد طولى في تطوير وتحوير مآلات تعليمها واستخدامها؟ ناهيك عن خلق سلطة لغوية عربية ولكن هذه المرة بدون عرب.