التشريح المعملى الشامل لعقل وسلوك جماعة الإخوان الإرهابية ينبئك بأنك أمام حالة مرضية مستعصية ترفض باستعلاء شديد ترك مسلك الخداع والمراوغة، وتتوهم أنها اذكى من الجميع ويمكنها في كل وقت وحين سحر أعين الناظرين بأساليب حواة الشوارع وألاعيب النصب والاحتيال، وأنها ستبقى ثابتة كالوتد لا تهزها ريح عاصفة، بينما سيزول وسيطويه النسيان مَن وقف في وجهها وسعى لهدمها وجعلها اثرًا بعد عين، فهى عابرة للأنظمة والحكام، منذ نشأتها في 1928 حتى الآن. لعبتهم أو قل خدعتهم الجديدة، هي الايهام بإجراء مراجعات تحت عنوان «تقييمات ما قبل الرؤية .. إطلالة على الماضى» بواسطة جبهة محمد كمال القيادى الإخوانى، الذى قتل في اشتباك مع الشرطة العام الماضى، وهو العقل المدبر لهجمات اللجان النوعية الإرهابية خلال العامين الماضيين، ومما يبعث على الحزن والامتعاض أن بعضا من كتابنا انطلت عليهم الخدعة وأخذوا يتحدثون بحماس وتفاؤل عن التحولات المنتظر أن تطرأ على توجهات وتصرفات الجماعة في مقبل الأيام، وارتفع سقف التوقعات والأمانى أن ذلك مقدمة لتوبة الإخوان توبة نصوحا وتصالحهم مع المجتمع المصرى واندماجهم فيه مرة أخرى وعفا الله عما سلف. الذين تحمسوا وهللوا وساروا مع الزفة غاب عنهم النظر بإمعان في حزمة من الجوانب والزوايا الكفيلة ببيان ما إذا كنا إزاء محاولة جادة صادقة لمكاشفة النفس السوية باخطائها وتصحيحها والاعتذار عنها، ام مناورة غرضها تجميل صورة الإخوان الشاعرين بالخطر المحدق بهم داخل مصر وخارجها بعد أن سقطت عنهم اقنعة البراءة والمظلومية. الجانب الأول: مَن يمثل بالضبط التيار الذى أعلن المراجعات، وهل يعبر عن أقلية أم أغلبية بالجماعة، حتى نعرف يقينا مدى وقوة تأثيره وفى اى اتجاه سوف تسير الأحداث؟ أصحاب المراجعات المزعومة يُقال انهم منشقون عن فصيل محمود عزت رجل التنظيم الخاص القوى، وهؤلاء من اتباع محمد كمال الذى أسس اللجان النوعية التي فجرت أبراج الضغط العالى، واغتالت ضباط شرطة، وحاولت قتل بعض القضاة والمشايخ المنتقدين للإخوان. هذا التيار وزع على أنصاره في يناير 2017 بيانا ذكر فيه نصا أنه لا يؤمن ولا يقر بالسلمية التي اعتبر أنها ليست من ثوابت الجماعة ولا الدين، فالعنف ركن اصيل في الفكر والعمل، ولن يحيد عنه تحت اى ظرف من الظروف. هنا تأتى عملية توزيع الأدوار إذ سيبدو للراصد للتطورات أن هناك معركة حامية الوطيس تدور رحاها بين فريقين، احدهما مناصر للسلمية والآخر للعنف وحمل السلاح في مواجهة الدولة، وأن المؤمنين بالسلم هم الأكثرية الكاسحة، وأن الآخرين فئة مارقة غير معبرة عنهم، ولتتأكد من صحة ذلك ارجع إلى البيان الصادر عن جبهة محمود عزت الذى نفى فيه اصدار الجماعة أي أوراق في شأن المراجعات أو تقييم الأحداث، مؤكدا عدم صلتها بما صدر عن البعض «المراجعات». الجانب الثانى: هل المراجعات موجهة لأبناء جلدتهم من المصريين أم للخارج؟ تقييمى أنها موجهة للخارج أكثر منها للداخل، فالإخوان يشعرون بأن الدوائر تضيق من حولهم في البلدان الأوروبية التي احتضنتهم ومارسوا عبر أراضيها أنشطتهم وتوسعاتهم التجارية والاقتصادية، بسبب تنامى الإرهاب الداعشى المستقى أفكاره وقناعاته من أدبيات الإخوان وقياداتهم، وأولهم سيد قطب، ومن قراءتهم للمشهد الحالي في أوروبا المتوجسة خيفة من الذئاب المنفردة سيتوصلون إلى أن حكوماتها ستلجأ لإعادة النظر في مواقفها المتعاطفة مع الإخوان وقد يضيفون الجماعة لقائمة الإرهاب، الإخوان من ناحيتهم يودون أن يبقوا في عيون الغرب والولايات المتحدة كخيار معتدل جاهز للاعتماد عليه، وأن التعاون معهم سيجعلهم يكبحون جماح التنظيمات الإرهابية وإزالة خطرها من الديار الأوروبية، ويظنون أن تواتر الأحاديث عن المراجعات سيعزز صورتهم الوسطية وسيحفظ مكانتهم بالغرب. الجانب الثالث: أن مراجعات التيار الكمالى تحاشت التطرق للقضايا الكلية الأساسية والمحورية، فهى لم تقترب مثلا من تعاليم وتوجيهات حسن البنا مؤسس الجماعة، التي يتربى عليها الإخوان منذ نعومة أظافرهم، بل انها أشادت بها ومجدتها ووصفتها بالثورية ثورية من أى منظور؟ لا ندرى ووجهوا انتقاداتهم لخلفاء البنا وخصوصا القطبيين، وكأن البنا لا صلة له بانحرافات الجماعة الفكرية والعقدية، وأنه كان المنبع الذى يتغذى منه الإخوان حتى اليوم. ولو كانوا جادين حقا لحدثونا عن العنف والديمقراطية، والجنسية وحدود الوطنية، والخلافة والشورى والانتخابات والاعتراف بالدولة الوطنية، وأن ما جرى في 30 يونيو كان ثورة شعبية حقيقية وليس انقلابا كما يرددون زورا وبهتانا، وبدلا من ذلك انغمسوا في سفسطة عبثية عن أربعة محاور هي غياب ترتيب الأولويات في العمل العام واثره على الثورة، والعلاقة مع الثورة، والعلاقة مع الدولة التي لا يعترفون بها وبحدودها، والممارسة الحزبية للجماعة بعد ثورة 25 يناير، وكل ما اندرج من عناوين أسفل كل محور من المحاور الأربعة لا تخرج منه سوى بنتيجة واحدة، هي أن الإخوان هم من فجروا ثورة 25 يناير، وأنهم تسرعوا في اعتلاء السلطة، وأظهروا ما بداخلهم من سواد وكراهية لقواتنا المسلحة التي حمت البلاد من عبثهم وتطرفهم، وتجنبوا تماما اى كلام عن تحملهم مسئولية إراقة دماء أبرياء من المدنيين ومن جنود وضباط الجيش والشرطة المدنية. الجانب الرابع والأخير أن المراجعات المزعومة لم تفصح عن رؤيتها المستقبلية بعد الانتهاء منها، وهل ستكون لديها الشجاعة للإشارة إلى المسئولين عن الزج بالبلد نحو حرب أهلية خلال عام حكمهم غير السعيد، واستباحة دور العبادة الإسلامية والمسيحية، وإجازة القتل ورفع السلاح في وجه الدولة، وأن تعلن عزمها توقيع وثيقة استسلام للشعب المصرى تعترف فيها الجماعة بذنبها وتطلب الصفح والغفران منه، وتقرر حلها وتفكيك أجنحتها العسكرية؟ [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;