◙ يعانى العديد من المشاكل والمعوقات وعدم التنسيق بين مراكز ومعاهد البحوث فى الوزارات ◙ د. ياسر الحديدى:غياب دور القطاع الخاص فى التمويل ..والأبحاث لا تساهم فى تطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية ◙ د. زين عبد الهادى:الرسائل العلمية تكتب وتوثق وتحكم لتطبيقها ..وفريضة العلم غائبة للقضاء على العقل الظلامى ◙ د. هانى سويلم: ضعف العلاقة بين الصناعة والمجتمع ..وتزاوج البحث العلمى والصناعة كلمة السر ◙ د. ماهر أبو خوات:يعيش حالة من التخبط وغياب التخطيط وضآلة الإمكانيات والافتقار لرؤية واضحة
الواقع أن البحث العلمى يخيم عليه الضباب، وتعترضه العراقيل، وتكتنفه الصعاب، والمجهودات التى تبذل فيه متناثرة وفردية لا ترقى إلى دولة مؤسسية مثل مصر. وإذا كان هناك من إنجاز، فهو مجهود عمل فردى، والدليل تضارب الأبحاث التى تنتجها المراكز المختلفة، وربما داخل المركز الواحد، بما يعنى أنه لا توجد استراتيجية موحدة واضحة للبحث العلمى، فهناك العديد من الأبحاث، ولكنها حبيسة الأدراج، مكدسة على الأرفف، برغم أنها تتطرق لمشاكل تخص بيئتنا وحدنا. فى البداية، يؤكد الدكتور ياسر الحديدى، أستاذ الهندسة الزراعية، عميد كلية الزراعة بجامعة المنصورة، أن البحث العلمى يسهم فى تحديد وتحليل مشكلات المجتمع، وتلبية احتياجاته، كما أن تقدم الدول ومستواها الثقافى يقاسان بمدى تقدم مستوى البحث العلمى بها، والذى ينعكس بدوره على درجة رفاهية هذه الدول، نظراً للعلاقة الوطيدة بين البحث العلمى والتنمية الاقتصادية، مما يستلزم ضرورة الاتجاه نحو زيادة الأبحاث العلمية، خاصة التطبيقية منها، والتى تؤدى بدورها إلى زيادة العائد الاقتصادى. ويلفت إلى إنه يمكن القول إنه فى الوقت الحالى وصل البحث العلمى إلى مرحلة تمثل أزمة حقيقية متعددة الجوانب، نتيجة تعرضه للعديد من المعوقات، ومنها عدم التنسيق بين مراكز ومعاهد البحوث فى الوزارات المختلفة، وما ينتج عنه من عدم الربط بين سياسة البحوث العلمية والتكنولوجية، وبرامج التنمية الشاملة، وانخفاض المخصصات المالية الموجهة له، مقارنة بالدول الأخرى، وغياب دور مؤسسات القطاع الخاص عن القيام بدورها فى تمويل البحث العلمى، إضافة إلى غياب دور الأبحاث العلمية فى تطوير وتحسين القطاعات الإنتاجية والخدمية. ويرى أن النهوض به يتطلب العمل على إزالة تلك المعوقات، والاهتمام بأدوات البحث العلمى، والبنية التحتية للبحث العلمى، المتمثلة فى توفير الإمكانات اللازمة للمؤسسات البحثية من معامل، وأجهزة، وأدوات، وكوادر بشرية، وتوفير حياة كريمة للباحثين، من خلال زيادة رواتبهم، إضافة إلى ضرورة العمل على وجود استراتيجية شاملة للبحث العلمى تعمل على ربط الأبحاث العلمية بمشاكل المجتمع، وقطاعاته المختلفة، وإقامة شبكة معلومات للربط بين الجامعات، ومعاهد البحوث، وبعض المؤسسات المعنية، وتوعية القطاع الخاص بأهميته ودوره فى رفع كفاءته الإنتاجية. ويؤكد الدكتور زين عبد الهادى، أستاذ علم المعلومات، رئيس قسم المكتبات بجامعة حلوان، الرئيس الأسبق للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، أن الأطروحات والرسائل العلمية لا تكتب ولا توثق، ولا تحكم وتناقش إلا بهدف تطبيقها، لكن فريضة العلم غائبة فى المجتمعات العربية بلا استثناء، الأمر الذى يُمهد الأرض لأن تخترق العقل العربى قوى الظلام والتبعية واللامبالاة، ولذلك علينا أن نرى كيف يتعامل الغرب فى هذه اللحظة مع ملايين الأطروحات والأبحاث العلمية؛ إنهم يرسمون الآن خرائط فى المكتبات الجامعية والوطنية لتاريخ العقل العلمى، وأهم النتائج التى توصل إليها، حتى لا تُكرر الأبحاث، وحتى يتم تطبيق نتائجها، وهذا ما نحتاج إليه من خلال فرق عمل من أساتذة الجامعات، وإخصائى المكتبات، ومن ثم يمكن بث ونشر أهم نتائج هذه الأبحاث بشكل مبسط للقارئ غير المتخصص، وإتاحة ذلك عبر الإنترنت، والدعوة لعشرات المؤتمرات التى يمكنها أن تتبنى خلاصات هذه الرسائل، ومن ثم يبدأ التطوير الجامعى. ويرى أن أحد أهم أدوار الجامعات أن تعمل فى مجال خدمة المجتمع، وهو دور ليس معنياً بتعليم المجتمع فقط، بل بإصدار الكتب والمطبوعات التى يمكن أن تقوم بدورها فى المجتمع من تثقيف وتنوير. ويضرب مثلا بمطبعة جامعة هارفارد أو ستانفورد ليلقى الضوء على هذا البعد الغائب فى الجامعات العربية من ناحية احترام عقل المواطن، وتوفير مواد ومصادر معلومات بشكل بسيط ومنهجى، يقوم بتعريف الناس بأدوارهم وبحقوقهم وواجباتهم، وكيفية مكافحة الأمراض، وزيادة الدخل، وفهم العالم بشكل أفضل، فضلا عن أدوارها الإعلامية، وقيامها بتنظيم مؤتمرات تصب فى مصلحة المجتمع، وتغيير مفاهيمه وعاداته وتقاليده، وكذلك كيفية بناء المستقبل، وكيفية رؤية الماضى بشكل صحيح، وتقديم أبحاث علمية واجتماعية تساعد على التخلص من آفات المجتمع، وتقضى على العقل الظلامى الذى هو بطبيعته ضد مسألة التنوير والحداثة. ويلفت الدكتور هانى سويلم، أستاذ التنمية المستدامة وإدارة المياه، المدير الأكاديمى لقسم هندسة المياه، مدير وحدة اليونسكو بجامعة أخن بألمانيا، إلى أن هناك نقصا واضحا فى جهود تطوير البحث العلمى فى مصر، ألا وهو ضرورة أن تكون العلاقة قوية بين الصناعة والمجتمع، مضيفا أنه لكى يصبح أى باحث أستاذا (بروفيسور)، لا بد أن يقضى وقتا فى الصناعة، بعد الانتهاء من بحث الدكتوراه، ثم يعود للجامعة ليتولى منصب أستاذ، بالطبع فى حال وجود منصب شاغر. من جانبه، يقول الدكتور ماهر أبو خوات، أستاذ القانون الدولى العام، وكيل كلية الحقوق بجامعة أسوان، إن الاهتمام بالبحث العلمى فى مصر، بالرغم من بعض المحاولات، لا يزال يعيش حالة من التخبط، وغياب التخطيط، وضآلة الإمكانيات والموارد، والافتقار لرؤية واضحة المعالم والأهداف تسهم بالارتقاء به كمًا ونوعًا لمصاف الدول المتقدمة، أو حتى بعض الدول النامية التى تبنت سياسة الاستثمار فى مجالات البحث العلمى والتطوير كإحدى أولوياتها الاستراتيجية فى الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة. ويضيف: لهذا لم يكن غريباً أن نجد جامعاتنا تبتعد عن التصنيف العالمى لأفضل الجامعات فى العالم، بحسب التصنيفات الصادرة من المؤسسات العالمية وعلى رأسها تصنيف (جامعة جايو تونج شنغهاى Shanghai Jiao Tong University) لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم، والذى يعتمد على معايير، منها حصول أعضاء هيئة التدريس، وخريجى الجامعة على جوائز عالمية، مثل جائزة نوبل، وجوائز فيلد للرياضيات، والأبحاث المنشورة فى أفضل المجلات العالمية للتخصصات المختلفة، وكثرة الاستشهاد بأبحاثهم، وجودة التعليم فى الجامعة وحجمها من حيث أعداد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتميزهم وطريقة اختيارهم، وتطور الموقع الإلكترونى للجامعة، وما يوجد عليه من أبحاث ومعلومات، وسهولة الوصول إليه عبر محركات البحث. ويشير إلى أننا لو نظرنا إلى الجامعات المصرية، فسنجد أن معظمها يفتقر هذه المعايير، وبالتالى لم نجد أى جامعة مصرية تدخل فى تصنيف أفضل 500 جامعة فى العالم سوى جامعة القاهرة ، التى احتلت عدة مرات مراكز متأخرة فى هذا التصنيف، رغم أن بعض الجامعات فى دول محيطة بنا قد سبقتنا فى الترتيب. ويؤكد أن الاهتمام بالبحث أصبح ضرورة ملحة لتحقيق التنمية المستدامة فى أى مجتمع، وهو ليس من قبيل الترف الحضارى. فالسعى وراء فهم الظواهر المحيطة، وإيجاد الحلول للقضايا والتحديات المتزايدة التى تمس مختلف المجالات لن يتأتى من دون تسخير الجهود والموارد الكافية للنهوض بمستوى البحث العلمى.. هذا الدرس الذى وعته أمم من قبلنا، والتى رفعت شعار (نفضل الموت جوعًا على الموت جهلاً)، فهل يعيه المجتمع المصرى قبل فوات الأوان؟.