انهارت خطوط الهدنة في سوريا فجأة، لتشتعل الجبهات في دمشق وحماة وحلب، وتتهيأ جبهات أخري لجولات أشد ضراوة في الرقة ودير الزور شرق سوريا، في الوقت الذي جرت عمليات إنزال غير مسبوقة لقوات برية أمريكية وروسية، وتتلهف القوات التركية للقفز في أتون المعارك، بينما تتحفز إسرائيل وإيران لمعركة قد تفرضها التداعيات السريعة للمعارك إما طوعا أو كرها. البداية كانت هادئة ولا تنذر بكل هذا الدوي، فقد قاطعت الجماعات المسلحة التابعة لتركيا مؤتمر آستانة، كرد فعل غاضب من الرئيس التركي أردوعان علي قطع الجيش السوري لممر تحركه إلي شمال شرق سوريا، بينما كان الرئيس الروسي بوتين يكظم غيظه من تجاوزات أردوغان لتعهداته، وما إن أسدل المؤتمر ستاره، حتي فوجئ الجيش السوري بأن الجماعات المتصارعة في إدلب وشرق دمشق قد توحدت فجأة، لتشن هجمات متزامنة علي العاصمة السورية وريف حماة الشمالي وغرب حلب، مطلقة عاصفة من القذائف علي الأحياء السكنية، محطمة حواجز الهدنة التي كان أردوغان قد تعهد بضمان سريانها. الرد الروسي جاء مزدوجا وعنيفا، وتجاوز توقعات أردوغان، فإلي جانب قصف طائرات السوخوي المكثف للجماعات المسلحة في شرق دمشق وشمال حماة وغرب حلب، فقد جرت عملية إنزال قوات برية روسية لأول مرة في المنطقة الكردية الغربية ومركزها مدينة عفرين، وهو ما يعني فرض حصار شامل حول الجماعات المسلحة المعززة بقوات تركية، والتي تحمل إسم «درع الفرات»، وبلغ غضب أردوغان حد إطلاق المدفعية التركية النار حول مناطق وجود القوات الروسية. كانت الطارات الإسرائيلية قد زادت المشهد تعقيدا بغاراتها علي مواقع للجيش السوري قرب تدمر، شرق سوريا، وازداد التوتر بإطلاق سوريا صواريخ إس 200 المضادة للطائرات، والتي تعقبت الطائرات الإسرائيلية حتي غور الأردن، لتنطلق صفارات الإنذار، وتثير رعب سكان إسرائيل، ومعها تنطلق صواريخ حيتس الإسرائيلية المضادة للصواريخ، وسط إارتباك قادة إسرائيل من الرد السوري السريع. وجاء الرئيس الأمريكي ترامب ليضيف الكثير من الصخب، والذي بدأ بعملية إنزال لقوات من المارينز لوقف زحف الجيش السوري إلي مدينة الرقة عاصمة داعش، والتي يريد أن يضع يده عليها باستخدام قفازات من أكراد سوريا، تحمل اسم «قوات سوريا الديمقراطية»، وضاعفت أمريكا أعداد وعتاد قواتها البرية في المناطق الكردية الواقعة شمال شرق سوريا، لكن الطموح الأمريكي يتجاوز ذلك، ويأمل في السيطرة علي الشرق السوري بكامله، ليمنع التقاء الجيشين السوري والعراقي، ويقطع الطريق الذي يصل كلا من روسياوإيرانوالعراقبسوريا ولبنان، وهو ما قد يؤدي إلي صدام عنيف، ويدفع إيرانوروسياوالعراق إلي التدخل لمنع أمريكا من قطع التواصل بين هذه الدول المتحالفة، وهذا يعني أن علي الولاياتالمتحدة مضاعفة قواتها إذا أردات تحقيق هذا الهدف، ويعني أيضا أن معركة الكبار باتت علي الأبواب، ولم تعد مجرد تخمينات وهواجس، زاد من خطورتها تصريحات ترامب بأن قرار أمريكا الإنسحاب من العراق لم يكن صائبا، وكان عليها أن تضع أيديها علي النفط العراقي، وتزامنت هذه التصريحات من إعلان وزير الدفاع الأمريكي بأن قواته ستبقي في العراق، ولن تخرج بعد القضاء علي داعش، لتثير هذه التصريحات موجة غضب عراقية. سخونة الساحتين السورية والعراقية سببه الرئيسي هو هزائم داعش، وتسابق مختلف الأطراف علي حيازة الأراضي التي ينسحب منها داعش في سورياوالعراق، فكل من تركياوأمريكا تعتبر أن السيطرة علي أراضي داعش ليس احتلالا وإنما تحرير، فهي لم تأخذها من العراق أو سوريا وإنما من داعش، ما يرتب لها حقوق حيازة ومشاركة في إعادة ترتيب توزيع السلطة والثروة داخل البلدين، وفرض الشروط وأخذ الضمانات والتنازلات، وإذا أمكن الاحتفاظ بالحيازة فهذا أفضل، وقد استعدت الولاياتالمتحدة لهذا الاحتمال بتشكيل قوات مشتركة من الأكراد وبعض العشائر لتكون غطاءها في حيازة ما أمكنها من الأراضي، وكذلك فعلت تركيا بقوات من النازحين السوريين وجماعات مسلحة إخوانية وسلفية. لم يتبق من الوقت بضعة أسابيع فقط ويكون فيها الجيش العراقي قد حرر الموصل، ليبدأ تحركه نحو الحدود مع سوريا، ولن يتوقف زحف الجيش السوري شرقا نحو الحدود العراقية، رغم عملية الإنزال الأمريكية والغارة الإسرائيلية والهجمات المتزامنة للجماعات المسلحة علي دمشق وحماة وحلب، فالوقت لا يسمح بالتقاط الأنفاس، ومن لديه العزيمة والقدرة سوف يحقق أهدافه، غير أن التدافع الشديد للقوات الكثيرة المتصارعة يحمل مخاطر حدوث ارتطامات برية أو جوية، خاصة أن قوات قوي كبري قد حطت علي الأرض، فالمارينز يتزايد عددهم، والروس نزلوا أيضا إلي أرض مدينة عفرين الكردية، وإيران لن تكتفي بالمستشارين بعد تزايد المارينز في سوريا، والقوات التركية المحاصرة من ثلاث جهات ستبحث عن مخرج قبل أن ينفجر أردوغان من الغيظ، ونيتانياهو لا يكف عن التهديد وعدم السكوت علي الخطر القادم من سوريا، فهل اقتربت ساعة الارتطام الكبير؟ لمزيد من مقالات مصطفى السعيد;