منذ حوالي 105 أعوام وبالتحديد عام 1912 م قام عدد من أصحاب الصحف في مصر بتأسيس أول نقابة للصحفيين في مصر وانتخب مسيو «كانيفيه» صاحب جريدة «لافورم» نقيبا لها بينما كان أحمد لطفي السيد وفارس نمر وكيلين ، لكن يا فرحة ما تمت فقد حملت الرياح العالمية شرارات الحرب العالمية الأولى حينها وتاجلت الفكرة الى أن تجددت مرة أخرى بمجموعة من آباء المهنة «داود بركات ،إسكندر سلامة ، محمد حافظ عوض ،جورج طنوس» في صورة رابطة تضم كل العاملين بهذه المهنة الكريمة مهنة الدفاع والتحقيق وتقصي الحقائق وكشف المستور ...مهنة الحق والحريات . وقد عافر أصحاب المهنة مرارا لإقامة مشروع نقابتهم التى رفضها البرلمان عام 1924 م الى أن أقرها البرلمان بعدما تقدم بالمشروع رئيس الوزراء الأسبق على ماهر وتأسست في 31 مارس 1941 م . ومنذ ذلك الحين ولعبت هذه النقابة دورا فعالا في الدفاع عن الحريات حتى أصبح سلمها موازيا لل «هايد بارك» في لندن ، وهو ما يمنحها وقعا مختلفا عن أية نقابة مهنية أخرى فهى تمثل حارسا للبوابة . ولن نخوض طويلا في صفحات التاريخ والبحث في الأطلال التى حفرت في نفوسنا الفخر والحب لهذه المهنة منذ نعومة أظافرنا . وحين قبع على مقاعد هذه النقابة العريقة بعض المبتسرين وطنيا وفكريا تحولت الى مغارة لبعض المنتفعين وانقسمت الجماعة الصحفية على نفسها بين اليمين والشمال وفي أقوال أخرى اليسار ! مخطيء من يقول لا توجد ثمة علاقة شرعية بين النقابة والسياسة وقد ترتفع بعض الحناجر الملتهبة أنه لابد إختزال دورها الحقيقي في الاهتمام بالمهنة وأحوالها بعيدا عن السياسة !! وفي حقيقة الأمر السياسة لم تعد منحى أو توجه بل ملحا في طعام الشعب المصري بلا اختيار فلو تحدثنا عن ارتفاع الإسعار أو الزحام أو تعويم المرحوم الجنيه أو حتى الدولار فكلها بولوتيكا ومقالب أنتيكا . ولكن هذا لا يحتم أن تتناسي النقابة والقائمون عليها الدور الهام في دراسة مشاكل المهنة والمهنيين ومحاولة إيجاد حلول واقعية لها ، وهذا عكس ما يحدث الآن بعد أن تحولت النقابة الى دائرة انتخابية يسعى كل من لديه النية للترشح بها أن يكسب عددا من الأصوات من خلال إدخال وتمرير أعضاء جدد حتى إنضم الى النقابة أعضاء يعملون في مهن أخرى أو صحفيين من منازلهم كل ما يربطهم بها هو الحصول على ما يسمى ب «بدل التكنولوجيا» كل شهر ، والجدير بالذكر أن الكثير من السادة المنتخبين أو المترشحين يستخدمون هذا المفتاح السري في برامجهم الإنتخابية لتجدهم جميعا يخطون في أول السطر « زيادة بدل التكنولوجيا لتحقيق حياة كريمة للصحفيين وأسرهم « والغريب إن الحكومة هي مصدر هذا البدل وليست النقابة انما من خلالها ! فإذا كانت الحكومة نفسها مأزومة ماديا ومتعثرة ماليا فكيف لها أن تشترك في هذا المزاد الإنتخابي للسادة المرشحين ؟ ولا أدري كيف لنا أن نلوم على الثقافة الشعبية التى حولت النائب البرلماني في دائرته الإنتخابية الى مخلصاتي أو مشهلاتي أو شخص خدوم ويتناسى المواطن البسيط أن دور النائب في الأساس هو الرقابة على الأداء الحكومي والتشريع وليس تقديم كل ما تيسر من الخدمات !!! لتجد بعض أصحاب مهنة القلم هم أيضا ينظرون الى مقعد النقيب أو أعضاء النقابة على أنهم مجرد شخوص يقومون على تقديم الخدمات الشخصية للأفراد لا لمصلحة النقابة العامة ! نحن لا نريد خدمات شخصية ولا نريد أحزابا سياسية ، نحن نبحث عن هيبة نقابة عريقة أهدرت على أيدي حفنة من الأقزام ، نحن نبحث عن نقابة متوازنة سياسيا ومهنيا ... نقابة تجمع شتى الصنوف الحزبية بلا عنصرية .. نقابة تحقق لنا السلامة المهنية والأمن النفسي الذي يمنحنا القوة ونحن نكتب كلمة الحق ...نقابة ترفع سقف الحريات الى العلا ولكن على قواعد متينة وليست حنجورية بلهاء ولا سفوسطائية عقيمة . ولعل الله يحدث بعد كل ذاك العبث أمرا كان مفعولا ، ولكن لا مكان للتغيير في عقول متحجرة فعلينا بتغيير أنفسنا أولا وكفى سعيا زائفا خلف الأهواء والمصالح الشخصية ولتصحبنا السلامة يا معشر الصحافة . [email protected]