ينظر إلى التعليم الفنى، بأنواعه المختلفة، (زراعى، صناعى، تجارى، وغيره) نظرة ازدراء واحتقار، كيف لا، ولم يستطع صاحبه الحصول على مجموع عالٍ فى الشهادة الإعدادية ليدخل معترك الثانوية العامة، مع أن التعليم الفنى، خاصة الصناعى، هو قاطرة التنمية، وأساس التقدم، وكثير من الأمم المتقدمة اعتمدت فى نهضتها ورقيها على ذلك النوع من التعليم. أما هنا فى مصر، فلعلنا نتذكر جميعا عبارة «روح يا صايع ادخل صنايع» التى أطلقها الكثيرون بسبب السمعة السيئة للتعليم الصناعى، الذى يعدّ الآن ضرورة اجتماعية تُمليها متطلبات العصر الحديث، فهو المجال الحيوى الواسع الذى يجب التركيز على تطويره وتحديثه. فى البداية، يقول الدكتور على سيد عبدالجليل، أستاذ المناهج وطرق تدريس التعليم الصناعى، رئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة أسيوط، إن التعليم الصناعى يعدّ أحد الأعمدة الرئيسية التى تقوم عليها الصناعة، التى تعدّ بدورها من أهم مقومات الاقتصاد الدولى، ولا يمكن لأى دولة أن تكون فى مقدمة قاطرة الحضارة دون أن يكون لديها تعليم صناعى متطور. ويضيف أنه على الرغم من وجود هذا التعليم بمصر قبل كثير من الدول التى سبقتنا صناعيا، فإن هناك العديد من المشكلات المرتبطة بهذا النوع من التعليم، منها ما هو مرتبط بنوعية الطلاب، وعملية اختيارهم وفق المجموع المتدنى، ونظرة الطلاب للتعليم الصناعى، وكذلك نظرة المجتمع وأولياء الأمور له بأنه دون التعليم الثانوى العام، ومنها ما هو مرتبط بالمناهج غير الواقعية وغير المتكاملة فيما بينها، ولا تتماشى مع التقدم الحادث فى التخصص ذاته، ومنها ما هو مرتبط بالمعلم، حيث تتعدد المصادر التى يتخرج فيها المعلم، فمنهم خريجو كليات الهندسة والتربية، والمعاهد الصناعية، والدبلومات الفنية، ومنها ما هو مرتبط بالإمكانيات، والأجهزة، والمعدات القديمة التى لا تستخدم الآن. ويقترح الدكتور عبدالجليل لتطوير التعليم الصناعى إعادة النظر فى عملية القبول، وتوعية المجتمع بأهمية هذا النوع من التعليم، وتطوير المناهج بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل، وتحديث الأجهزة والمعدات التى يتدرب عليها أو يستخدمها الطالب، والتى لا تختلف عما هو موجود بالشركات، أو الورش، أو المؤسسات الإنتاجية، وإعادة النظر فى إعداد المعلمين، وتوحيد مصدر التخرج، والتدريب المستمر لهم على كل ما هو جديد فى تخصصاتهم، ويؤكد أن كل ذلك لا يمكن حدوثه إلا إذا تم إنشاء هيئة قومية للتعليم الفنى، تضم الخبراء من الجانبين الأكاديمى والتربوى، وتكون لها صلاحيات التغيير الأكاديمى. ويتفق مع الرأى السابق الدكتور طلعت محمود شافعى، أستاذ ورئيس قسم التعليم الفنى والصناعى بكلية التربية بجامعة حلوان، مضيفا أن الإهمال المستمر للتعليم الصناعى عبر السنين يتمثل فى عدم وجود خطط استراتيجية واضحة، طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى لتطوير هذا النوع من التعليم قابلة للتنفيذ، وعدم وجود ربط بين مراكز التدريب الموجودة فى الوزارات، والتعليم الصناعى بالتربية والتعليم، ونظرة المجتمع المتدنية لخريج هذا النوع من التعليم، وعدم مشاركة رجال الأعمال فى توفير فرص العمل والتدريب اللازم للطلاب . ويشير إلى أن قسم التعليم الصناعى والفنى بكلية التربية جامعة حلوان، يحتوى على سبعة تخصصات مختلفة، هى (النسيج- طباعة وصباغة المنسوجات- الملابس الجاهزة – الصناعات الخشبية- الصناعات المعدنية – التصميم والزخرفة والإعلان- الصناعات المعمارية )، ويضم أساتذة متخصصين فى هذه المجالات لا تتم الاستعانة بأى منهم عند تأليف أو مراجعة أو تطوير المناهج الخاصة بهذه المجالات، مما ينتج عنه مناهج ضعيفة لا تتناسب مع التطورات الصناعية والتكنولوجية الحديثة فى هذه المجالات. ويشدد الدكتور شافعى على ضرورة وجود خطط استراتيجية واضحة طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى لتطوير هذا النوع من التعليم قابلة للتنفيذ، وتطوير المناهج الدراسية وربطها بسوق العمل، وإشراك أساتذة الجامعات المتخصصين والمعلمين فى عملية تطوير المناهج، والتوجه لنظام التعليم المزدوج الذى يقضى فيه الطلاب جزءا من اليوم الدراسى فى المدرسة، ويستكملون باقى اليوم فى المصنع، وإيفاد الطلاب المتميزين بمدارس التعليم الصناعى إلى الدول الصناعية الكبرى للاستفادة من خبرات تلك الدول، والتدريب المستمر للمعلمين. ويرى الدكتور إبراهيم حنفى محمد، أستاذ تكنولوجيا الغزل والنسيج المتفرغ، رئيس قسم التعليم الصناعى سابقا بكلية التربية بجامعة حلوان، أن التعليم الصناعى، بنظمه المختلفة، ركيزة البناء والتنمية، وحل لبعض المشكلات الاجتماعية الكبرى، مثل البطالة فى المجتمعات، بشرط توافر عناصره الأساسية «المعلم المؤهل– المدرسة المجهزة – والطالب الراغب والمحب لهذه النوعية من التعلم»، مع تغير النظرة المجتمعية له، والتغلب على المعوقات، مثل اختفاء أجيال المعلمين المحبين لمهنة المعلم والمؤهلين لعدم توافر الدعم المادى لهم فى وجود ضوابط حاكمة، مع تدنى النظرة المجتمعية لهم ولهذه النوعية من التعليم. ويطالب الدولة والقطاع الصناعى الخاص بتقديم العون، وتدعيم أقسام التعليم الصناعى فى كليات التربية بالمعدات، والأجهزة، والخامات، بالتعاون بين الجامعات فى إنشاء مراكز تدريبية فى التخصصات المختلفة الملحقة بالكليات لتدريب الطلاب، وتوفير فرص العمل للمتميزين منهم فى أماكن التدريب، على أن يتم اختيارهم بمعرفة أصحاب العمل، والاهتمام بضرورة خلق أجيال من الفنيين والمعلمين المتميزين تدريبيا فى مجالات استخراج وتصنيع المعادن، واستخراج وتصنيع البترول، وإعادة صناعة الغزل والنسيج لسابق عهدها. ومن جانبه، يؤكد الدكتور خالد فرجون، أستاذ تكنولوجيا التعليم والمعلومات بكلية التربية بجامعة حلوان، أنه على الرغم من أن هناك كثيرا من الخطط والبرامج الطموح لتطوير التعليم الفنى فى بلدنا الحبيبة مصر، فإن الواقع يؤكد أنه لا يزال فاقدا للهوية، ولم يحقق إلا نسبا ضئيلة للغاية من أهدافه، كما أن محاولات تطويره لا تزال فى حيز الكتابات النظرية غير المؤثرة فى المجتمع ومنتجه المحلى، وذلك لعدة أسباب، من أهمها عدم الوعى المجتمعى بقيمة التعليم الفنى بسبب الثقافات المتراكمة، مما انعكس على افتقار أغلب خريجيه للشخصية الجذابة المؤثرة والمعبرة عن أهميته لطلابهم أولا، ثم للمجتمع ككل، بالإضافة لعدم رغبتم وحماسهم للعمل، مما أدى إلى عدم توافر الكوادر المناسبة. ويرى الدكتور فرجون أنه حتى يتم النهوض بالتعليم الفنى، فلابد من معالجة أسباب عدم الوعى بقيمه، والمصداقية فى احتياجات سوق العمل، وحل مشكلات التمويل، وتطوير مناهجه وفق المعايير العالمية، وسوق العمل العالمى، والتخلص من البيروقراطية والمركزية داخله، ووضع معايير لجميع الخريجين، مهما اختلفت المنطقة التعليمية، وإنشاء إطار قانونى ومؤسسى لأنظمة التعليم الفنى والتدريب المهنى، ووضع سياسات لمشاركة القطاع الخاص، مع تيسير الدعم الفنى لهم، وإنشاء نظام للمؤهلات يدعم مبدأ التعليم المستمر.