جسدت حالة التلاحم والتضامن الرسمى والشعبى الواسعة بين المصريين عقب استهداف تنظيم «داعش» الإرهابى عددا من الأسر المسيحية بسيناء، أفضل رد على مساعى «دواعش» العصر للوقيعة بين مسلمى الوطن ومسيحييه. كما وجه انتفاض المسلمين لنجدة إخوانهم فى الوطن، والوقوف صفًّا واحدًا ضد العنف والتطرف وتطويع النصوص الدينية لاستباحة دماء الأبرياء والمسالمين، رسالة إلى الداخل والخارج أن ورقة الفتنة لن تفت فى عضد هذا الوطن، وأن مصر عصية على الفتنة والتقسيم، وأنه لا مجال لإثارة النعرات الطائفية والدينية بين المصريين. وبعدما قتل تنظيم «داعش» الإرهابى سبعة مسيحيين فى ثلاثة أسابيع فقط، وبث تسجيلاً مصوراً يهدد فيه المسيحيين فى مصر، نتساءل: كيف نواجه هذا الفكر أمنيا وفكريا وشعبيا؟ وما دور المسلمين فى حماية المسيحيين وإعلاء مبدأ المواطنة؟ وكيف نفهم العنف الدينى والطائفى المعاصر الذى تصاعد أخيرا بشكل ملحوظ والذى يعتمد على تفسيرات مغلوطة ومتطرفة؟ وكيف يمكن أن نستكشف مداخل للتفكير فى مواجهة العنف الدينى والطائفي؟! علماء الدين يؤكدون أن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي، وانه لابد من المواجهة الفكرية وعقد الندوات الحوارية لتفتيت هذا الفكر المغلوط، وأوضح العلماء أن أفكار الخوارج من السلفية الجهادية بفصائلها والجماعات المتطرفة وولاة الشيعة كلهم بحاجة إلى معالجات ومداواة بخطط مدروسة فى منظومة متكاملة وليس بنظام الجزر المنعزلة للوصول إلى كلمة سواء. يقول الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية والمشرف على مرصد الفتاوى التكفيرية بدار الإفتاء، إن الفتنة لن تنال من وحدة المصريين، موضحا أن الغاية الأساسية والهدف الرئيسى للجرائم الداعشية فى سيناء فى الآونة الأخيرة هو إثارة الفتنة بين مسيحيى مصر ومسلميها، وهو ما ظهر جليًّا فى المقطع المصور الذى نشره التنظيم بعنوان «وقاتلوا المشركين كافة»، والذى شهد الدعوة إلى استهداف المسيحيين واستباحة دمائهم، مؤكدا أن التجربة المصرية رائدة فى هذا الشأن فى تحقيق وإرساء مبادئ وقواعد المواطنة والعيش المشترك. وحول عصمة دماء غير المسلمين ووجوب حمايتهم ورعايتهم وحرمة المساس بهم يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه من المقرر شرعا أن الإسلام يؤمن الناس جميعا على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وعقولهم ونسلهم، بما يعرف بالمقاصد الضرورية الكبرى والرئيسة للشريعة الإسلامية، والحرمة واحدة، فى العرض والدم والمال، للمسلم ولغير المسلم، قال النبي، محمد صلى الله عليه وسلم، إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام، وفيما يتصل بالمفاهيم المغلوطة والأفكار الخاطئة من قوى البغى والحرابة الذين يعتدون على حدود الله، بممارسات العنفين الفكرى (التكفير) والمسلح (إراقة الدماء وإتلاف الأموال وانتهاك الأعراض)، فتجب المواجهة الفكرية بجمع الشبه ونقضها ونقدها بواسطة فقهاء الشريعة الإسلامية، والتنبيه على دلالات النصوص فى علوم القرآن والتفاسير والتنبيه على الأخبار والآثار والوقائع التى يستشهدون بها، فهذا العمل العلمي، يجب النفير العام من العلماء الخبراء سواء فى العلوم الإسلامية أو العلوم الاجتماعية والجنائية مع توفير العدالة الاجتماعية لأن أفكار الخوارج من السلفية الجهادية بفصائلها والجماعات المتطرفة وولاة الشيعة كلهم بحاجة إلى معالجات ومداواة بخطط مدروسة فى منظومة متكاملة وليس بنظام الجزر المنعزلة للوصول إلى كلمة سواء. وفى سياق متصل أكد الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن حماية الشعب المصرى تتحقق بترسيخ مبدأ المواطنة، والتى تعنى المساواة التامة فى الحقوق والواجبات، بلا تمييز ولا تفرقة من لون أو عرق أو جنس أو مذهب أو دين، فالكل أمام القانون سواء، وهذا مبدأ قررته الشريعة الغراء، حينما بينت أن لغير المسلمين الذين يعيشون فى وطن واحد مع المسلمين لهم مالنا وعليهم ما علينا. وأضاف: إن ما تفعله التنظيمات أو الجماعات المتشددة التى لا تؤمن إلا بالتكفير الذى يؤدى إلى التفجير والتهجير للناس من بيوتهم، يعد محاربة لله ولرسوله، وهى لا تمثل الإسلام فى شيء، وإنما هى أيديولوجيات تقوم على فهم مغلوط، وهذا الفهم الخاطئ لا تؤيده ولا تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، لا من قريب ولا من بعيد، وإنما فهمهم يدل دلالة قاطعة على تحجر عقولهم، وعدم تملكهم أدنى أدوات النظر والفهم، ونصوص الشريعة تدعو إلى التعايش المشترك بين أبناء بنى البشر جميعا، فكيف بأبناء الوطن الواحد الذى تتجاور مساكنهم وزراعاتهم ويعملون فى حقول ومؤسسات تجمع بينهم كالمصانع والمدارس والإدارات. مشيرا إلى أن المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي، وإنما لابد من المواجهة الفكرية وعقد الندوات الحوارية، وحوار بناء وهادف لتفتيت هذا الفكر المغلوط، لعل أصحابه أن يراجعوا أنفسهم ويقلعوا عن هذا الفهم البغيض. من جانبه يؤكد الدكتور عبدالحليم منصور، وكيل كلية الشريعة والقانون بالدقهلية، أن هؤلاء المتطرفين الذين تسببوا فى الإساءة للإسلام لابد أن تتم مواجهتهم بطريقتين، أولاهما، المواجهة الفكرية، فيجب أن تكون من خلال الرد على المفاهيم الداعشية التى تتبنى فكرة القتل وسبى النساء والاعتداء عليهن، وسائر الممارسات التى تهدد البشرية والإنسانية، من خلال العلماء الراسخين فى العلم، ومن خلال شيوخ الأزهر، وثانيتهما، المواجهة الأمنية، وهى يجب أن يتعاون فيها المجتمع الدولى لاستئصال هذه الفئة والقضاء عليها.