تقارير: أهلي جدة يتوصل إلى اتفاق لبيع فيرمينو إلى السد القطري    مدارس التمريض.. شروط وإجراءات التقديم ب"المستشفيات التعليمية"    اليوم.. انتهاء فترة الطعون على المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ    رئيس "دينية الشيوخ": تدريب الصحفيين بدار الإفتاء يُعزز الوعي الديني الرشيد    9.1 ٪ زيادة قيمة رأس المال المدفوع للهيئات الاقتصادية عام 2023/2024    وزير المالية: 5 مليارات جنيه أكبر دعم اقتصادي للمشروعات المتوسطة والصغيرة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 13 يوليو 2025    12 جنيهًا لكيلو الخيار.. أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    اتحاد التأمين يدعو لدعم خطط التحول الرقمى فى إصدار وثائق الحريق    قبل الزيادات المرتقبة.. كيف تحدد قيمة تكلفة "الكهرباء" والزيادة السنوية؟    البنك الأهلي المصرى الأول في القروض المشتركة خلال النصف الأول من 2025    الخارجية الفلسطينية: ندين استخدام الاحتلال الجوع والعطش سلاحا ضد المدنيين في غزة    الوطني الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي بإقامة"المدينة الإنسانية" لا يمت بأي صلة للقيم الإنسانية    نتنياهو: نعمل على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوما    إحياء ذكرى القديس سيلا.. رفيق بولس ومبشّر الأمم    "قصص متفوتكش".. اعتزال لاعب الأهلي السابق.. وزوجة أكرم توفيق الثانية تزور مصر    لاعب الأهلي السابق يكشف عن أمنيته الأخيرة قبل اعتزال الكرة    نادي إستريلا البرتغالي يكشف حقيقة معاناة صفقة الزمالك ب "الكوليسترول"    ليفربول يبدأ تحضيراته للموسم الجديد بمواجهة بريستون وديا    إصابة 18 عاملا في حادث مأساوي في دمياط    حالة الطقس في الإمارات اليوم.. صحو إلى غائم جزئياً    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن لجنة تحكيم مسابقة عروض الدورة ال18    القديس يعقوب بن زبدي.. أول الشهداء بين الرسل    ورشة عن صناعة الأفلام الوثائقية بمكتبة الإسكندرية    نيللي كريم تستعرض إطلالاتها الصيفية عبر "إنستجرام" (صور)    البلشي: برنامج الإفتاء للتدريب على تغطية القضايا الدينية يجمع بين المهنية والدقة الشرعية    الشيخ أحمد البهي: لا تكن إمّعة.. كن عبدًا لله ثابتًا على الحق ولو خالفك الناس    هل يجوز إجبار الفتاة على الزواج من شخص معين وهل رفضها عقوق؟.. أمين الفتوى يجيب    في زيارة مفاجئة.. محافظ دمياط يتفقد المستشفى التخصصي    ل 4 أسباب.. الصحة تنفي وفاة 4 أطفال أشقاء نتيجة "الالتهاب السحائي"    القضاء الإداري يتلقى 40 طعنا ضد المرشحين فى انتخابات مجلس الشيوخ    الفقاعة الكروية تزيد جراح الرياضة المصرية    النسوية الإسلامية.. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ): خاتم الأنبياء.. وهجرة الرجال والنساء! "131"    القصة الكاملة لانسحاب المعونة «الأمريكية» من مصر    عبد الحليم حافظ يرفض العالمية بسبب إسرائيل    طريقة عمل الكيكة السريعة، لذيذة وموفرة وسهلة التحضير    مستوطنون يحرقون بركسا زراعيا في دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة    وزارة العدل الأمريكية تقيل 20 موظفا عملوا على تحقيقات ضد ترامب    مباحثات لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي بين جامعتي القاهرة وجنوب الصين الزراعية    البحيرة.. فريق طبي بمستشفى وادي النطرون ينجح في إصلاح اعوجاج انتكاسي بالعمود الفقري لمريضة    تأجيل الانتخابات المحلية ودمجها مع التشريعية والرئاسية في إفريقيا الوسطى    كوريا الشمالية تزود روسيا ب12 مليون قذيفة مدفعية    في شهادة البكالوريا .. اختيار الطالب للنظام من أولى ثانوى وممنوع التحويل    إتحاد عمال الجيزة يطلق حوارا مباشرا مع اللجان النقابية لبحث التحديات    مأساة نص الليل.. غرق سيارة ملاكي في نكلا بالجيزة- صور    سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري الأحد 13-7-2025 بعد هبوطه الأخير في 7 بنوك    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    أفضل أدعية الفجر.. 10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال    وكالة فارس: الرئيس الإيراني أُصيب في هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعا سريا للأمن القومي في 16 يونيو    23 متهمًا للمحاكمة في خلية اللجان النوعية| اليوم    للمرة الثانية.. سيدة تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بقنا    نجاح فريق الجراحة بمستشفى الفيوم العام في إنقاذ طفل بعد انفجار بالأمعاء الدقيقة    من أرض الواقع.. «ستوديو إكسترا» يرصد آليات إصلاح وترميم سنترال رمسيس    «زي النهارده».. وفاة كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار 13 يوليو 1977    رسالة جديدة من مودريتش بعد رحيله عن ريال مدريد    انفراجة حقيقية في الأوضاع المالية.. حظ برج الدلو اليوم 13 يوليو    بتهمة تجارة المخدرات.. المشدد 6 سنوات لسائق توك توك في الوراق    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل صاحب النبوءة..!

رجل أفاق من الخديعة على صدمة، سبح زمنا بحمد ماركس وستالين، توهم أنه فى جنة العدل والمساواة، قبل أن يتلظى بجحيم الاستبداد الشمولى والايديولوجيا العقيمة. ذات مساء هرب من بلغاريا إلى فرنسا، بلاد فولتير وديكارت، بحثا عن النور والحرية، لكن الفاجعة لاحقته فى باريس، تبخرت أوهامه عن ليبرالية الغرب وإنسانيته فى ظل الأطماع الاستعمارية اللامنتهية.
على وقع الأحلام المتكسرة والمرارات الطافحة، صار الناقد والمفكر والفيلسوف وعالم الاجتماع تزفيتان تودوروف لسان الضمير الإنسانى، يفضح خيانات المثل والقيم فى غرب العالم وشرقه، خلال سنى عمره (1939-2017)، باحثا عن “البوصلة الضائعة” للحضارة الحقة، يدا بيد مع أمثال إدوارد سعيد، جمعتهم قرابة معرفية، تزاوج في إهابها الفكرى بالأخلاقى، وتماهى العلمى بالسياسى.
منذ أيام قليلة رحل تودوروف، بعد أن عاش رحلة عطاء معرفى فذة، بدأها على هدى إشعاع دراسات الشكلانيين الروس، تبدى ذلك بكتاباته فى حقول اللسانيات والنقد والشعرية والانثروبولوجيا، شكل تودوروف مع كريستيفا و بارت وجينيت وباختين وياكوبسون وامبرتو ايكو وفوكو.. علامات مهمة في تاريخ النظرية الأدبية، أجيال عربية نهلت من مؤلفاته: “الأدب والدلالة”، “الشعرية”، “ما البنيوية”، وغيرها.
دراية تودوروف الفائقة بفنون النقد والخطاب الأدبى وأسرار اللغة قادته إلى الإيمان بالحوارية وتعدد الأصوات فى بنية الحضارة الإنسانية، وإعطاء الكلمة لمن سلب حقه أو خبا صوته، ارتحل إلى نوع من “الإنسية الجديدة”، متصديا لدعاة “موت الإنسان” من بنيويين وتفكيكيين ومابعد حداثيين.. استصفى أن جوهر الحضارة يكمن في الاعتراف بالكرامة الإنسانية وبالتعدد الثقافي للآخرين، لأن الحضارة تقوم على الانفتاح لا التقوقع، لذا تصادم مع نظرية “صراع الحضارات”. كان يقول عن نفسه: “أنا أساسا إنسان ولست فرنسيا سوى بالمصادفة”، انحاز بشجاعة وشرف إلى الشعوب المقهورة، كالشعب الفلسطينى، ودحض دعوات التناحر والحروب على أساس دينى أو عرقى، مؤكدا أنه لايمكن العثور على جذور الخلاف بين الشعوب فى “الدين”.. أسباب الخلاف اجتماعية، اقتصادية، سياسية، فلا داعى للبحث فى الكتب المقدسة، لفهم هذا السلوك العدائى أو ذاك، والذى ينبع غالبا من شعور بالخوف أو الاحتقار، داعيا إلى التفرقة بين الدينى والدنيوى أو بين الدين والدولة.
يدعو، في كتابه “الخوف من البرابرة، ما وراء صدام الحضارات”، إلى التحلي بالتسامح مع الآخر وإزاء الأقليات التي تعيش داخل الغرب، والتعايش مع الثقافات جميعا، ويهاجم في الوقت نفسه الشعبوية اليمينية المتطرفة في الغرب، التي استقوت وتوطدت، بسبب خطابها المعادي للآخر فى عصر العولمة.. خشى تودوروف من هيمنة “الخوف” على المشاعر العامة والعقل الاستراتيجي الغربى، حتى أنه أصبح عنوانا للمرحلة الراهنة.
نبوءة تودوروف صارت واقعا: خوف هوياتي وأيديولوجي من الآخر، وخصوصا الإسلام وأتباعه، يتفرع منه الخوف من الإرهاب، وخوف اقتصادي واستراتيجي من القوى الناهضة، مثل الصين وروسيا. يرى البعض أن كوابيس تودوروف تجسدت بانتخاب رئيس شعبوى فى الولايات المتحدة، أكبر قلاع الديمقراطية الغربية، ومازال الوقت مبكرا للتنبؤ بتأثير هذه التحولات الجارفة والوثبات الجيوسياسية على أنماط العلاقات والنظام العالمى، مع بوادر تقييد الحريات أو احتمالية إساءة استخدام القوة والسلطة، بذريعة حماية الأمن القومى الأمريكى، حيث لا يكفي معرفة كيف تبوّأ زعيم ما سدة الحكم، بانتخابات حرّة أم غيرها، لتصبح سلطته شرعيّة، إنّما ينبغي مراقبة ممارسته هذه السلطة؛ انطلاقا من “قاعدة” وضعها مونتيسكيو: “السلطة المطلقة مفسدة مطلقة”، هذا يعيدنا إلى تقرير نشرته صحيفة ألمانية، الشهر الماضى، بعنوان “بداية الديكتاتورية فى أمريكا”، ذكر أن الرئيس الأمريكي ترامب يشن هجمات يومية على الدستور والقانون وحقوق الإنسان، وأن “ترامب” يقترف كل ذلك أمام أعين الجمهور والكاميرات وعلي تويتر..!.
عمل تودوروف أستاذا فى كبرى جامعات فرنسا وأمريكا، وسعى حثيثا لمناهضة الذهنية الإمبريالية التوسعية والمركزية الأوروبية، وتجاوز منطق الهويات المغلقة، وتعصب النخب المهيمنة فى القرار الدولى وانعكاساتها الكارثية، مثلما أوضح فى كتبه “الفوضى العالمية” و”ذاكرة الشر” و”روح الأنوار”. حتى إنه دافع فى كتابه الأخير عن مواطن عراقى، مات تحت التعذيب الأمريكى فى سجن “أبوغريب”؛ بما يعيد إلى ذاكرتنا صورة “فولتير” الذى نزل إلى الشارع، ليرفع الظلم عن مواطن بسيط يسمى “كالا”، اتهمه المتعصبون- زورا- بقتل ابنه، حتى لا يعتنق الكاثوليكية. مع فارق كبير أن تودوروف يدافع عن مواطن من غير بنى جلدته أو عقيدته..!.
[email protected]
لمزيد من مقالات د. محمد حسين أبوالحسن;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.