لو كانت الجهود التى بذلتها مصر والمغرب والجزائر وتونس ومبعوثو الأممالمتحدة لحل الأزمة الليبية مع حجر أصم لربما كان قد لان وتجاوب معها، وتم التوصل إلى حل وسط يرضى به كل الأطراف لا يلبى بالضرورة كل مطالب الجميع وإنما يحقق الأهداف المشتركة، ويحافظ على وحدة تراب ليبيا، ويعيد لها أمنها، ويدفع عنها وحشية داعش والقاعدة وأتباعهما التى رأيناها بأعيننا وسمعناها بآذاننا فى سوريا والعراق واليمن، لكن أنانية وغطرسة معظم أطراف الأزمة وتغليبهم مصالحهم الشخصية والقبلية على مصلحة الوطن العليا جعلتهم أشد صمماً وتصلباً من الحجر. ويبدو أن السياسيين والقادة العسكريين وقادة الميليشيات القبلية سيبقون فى جدلهم البيزنطى حتى يجتاحهم داعش والقاعدة وحلفاؤهما من الميليشيات المحلية المتطرفة، مثلما حدث فى الصومال بأيدى حركة الشباب، وعند ذلك سيندمون ولكن بعد فوات الأوان، لأن الفرص المتاحة ستكون قد ضاعت وسيحتاج القضاء على المتطرفين والإرهابيين لبذل دماء نفيسة ومرور وقت قدَّره خبراء بالسنوات، هذا إذا أمكن التغلب عليهم من الأساس.من هنا تنبع أهمية الجهود المكثفة التى بذلتها دول الجوار وأحدثها استضافة القاهرة قبل أيام رئيس الحكومة المعترف بها دولياً فايز السراج والفريق خليفة حفتر قائد الجيش الليبى المدعوم من البرلمان الشرعى، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب للتغلب على العراقيل التى حالت دون منح ثقة البرلمان لحكومة السراج وإنهاء حالة الانقسام التى هددت بتقسيم البلد وهيمنة الجماعات الإرهابية والمتطرفة على أجزاء كبيرة منه وبتزايد التدخلات من القوى الكبرى فى شئونه حفاظاً على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية واكتساب مناطق نفوذ جديدة. ورغم ما بُذل من جهد وأهمية وجود أقطاب الأزمة (حفتر والسراج وعقيلة) بالقاهرة فى وقت واحد وتأكيد المجتمعين التزامهم ببذل الجهود لحقن دماء الليبيين ووقف التدهور فى الأوضاع الأمنية والإنسانية والخدمية وباستعادة الاستقرار ورفع المعاناة عن أبناء الشعب لم تسفر لقاءاتهم عن اتفاق حاسم يبعث الأمل فى حل قريب للمعضلة الليبية.فقد اكتفوا بالتوافق على مبادئ عامة غير محددة وقابلة للتفسير بأكثر من معنى ويسهل لأى طرف أن يتنصل منها إذا انتهت إلى ما لا يرضاه، فقد توافقوا على الحفاظ على وحدة الدولة ودعم مؤسساتها والحفاظ على الجيش الليبى وممارسته لدوره وعلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية قائمة على مبادئ التداول السلمى للسلطة وقبول الآخر ورفض كل أشكال الإقصاء والتهميش لأى طرف ليبى، ورفضوا التدخل الأجنبى بجميع أشكاله، وعلى مكافحة كل أشكال التطرف والإرهاب ومعالجة عدد محدود من القضايا المعلقة فى اتفاق الصخيرات من خلال مراجعة تشكيل المجلس الرئاسى وصلاحياته ومنصب القائد العام للجيش واختصاصاته وتوسيع عضوية المجلس الأعلى للدولة(أعلى هيئة استشارية). وما لم يتوافر حُسن النية من الأطراف الرئيسية للأزمة على الأقل فإنه حتى الخطوات التى توافقوا عليها لتنفيذ تلك المبادئ العامة يمكن ألاَّ تجد طريقها للتنفيذ،فاللجنة المشتركة المقرر تشكيلها لوضع صيغة التعديلات الخاصة بالقضايا المعلقة فى اتفاق الصخيرات يمكن ألاَّ تتوصل إلى اتفاق وسط توقعات بأن يحاول الأعضاء التابعون لمجلس النواب فى طبرق الذى رفض منح الثقة لحكومة السراج ويدعم حفتر، وخصومهم المنتمون للمجلس الأعلى للدولة المكون من أعضاء البرلمان المنتهية ولايته فى طرابلس، انتزاع مكاسب عبر المطالبة بأشياء يرفضها الآخرون أو التمسك بمكاسب لا يريدون التنازل عنها لغيرهم، وإذا تمكنت اللجنة من وضع توصيات من الممكن أن يرفض مجلس النواب بعضَها فيغضب المجلس الأعلى ويستعر الخلاف والمواجهات السياسية والعسكرية، كما أن المجتمعين اتفقوا على مجرد العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بحلول فبراير 2018 ما يعنى أنهم ليسوا ملزمين بأكثر من العمل ويمكن لمَن لا يرغب منهم أن يقول إنه عمل ما بوسعه لكنه لم يحالفه التوفيق إذا رأى أن ذلك سيلحق به ضرراً، حيث إن الانتخابات قد تُقصى كثيراً من الوجوه التى تسببت فى استفحال الأزمة وتفاقم معاناة عامة الليبيين، أما النص الخاص برفض كل أشكال التدخل الأجنبى فمن الممكن أن ينسف أى اتفاق إذا طالب أحد بتنفيذه لأن كل طرف يلجأ لمساعدة طرف خارجى أو أكثر ويعتبرها مشروعة لمكافحة الإرهاب. يُضاف إلى ذلك إصرار حفتر على عدم لقاء السراج على انفراد، مما يشير إلى أن هوة الخلافات بينهما مازالت واسعة حيث تردد أنه اشترط للقائه الحصول على ضمانات بألاَّ ترفض ميليشيات مصراته الداعمة له أى اتفاق يتوصلان إليه وأن يتم إدخال تعديلات واسعة على اتفاق الصخيرات الذى تشكلت حكومة السراج ومجلس الدولة على أساسه. وبناءً على ما سيفعله القادة الليبيون سينجح اجتماع وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس اليوم «الأحد» أو يفشل، وتنعقد قمة الدول الثلاث وفقاً لمبادرة تونسية أو لا تنعقد. لمزيد من مقالات ◀ عطية عيسوى