يبدو أن سخونة معارك الانتخابات وأهميتها حول العالم أصبحت تقاس بحجم الفضائح والمشاكل التى تحيط بها فى محاولة لجذب أكبر عدد من الناخبين، خاصة من يحاولون إقصاء أنفسهم عن هذا الصخب. وهذه الأيام، وضعت الانتخابات الرئاسية الفرنسية نفسها فى هذه الدائرة المفرغة، بحيث أصبح من الصعوبة التنبؤ بنتائجها على نحو متزايد، رغم أنه ما زال أمامنا ثلاثة أشهر على يوم الاقتراع. وأحدث هذه التطورات غير المتوقعة هو ما يطلق عليه اسم «بينيلوبى جيت» نسبة إلى «بينيلوبى فيون» زوجة مرشح اليمين ورئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون المتهمة بالفساد المالي. فقبل أسابيع قليلة فقط، كان ينظر إلى «بينوا هامون» وزير التعليم الأسبق على أنه شخص ذو تجربة محدودة، لكنه تفوق بشكل مفاجىء على رئيس الوزراء السابق مانويل فالس ووزير الداخلية الذى واجه معركة السياسة والإرهاب، ليصبح هامون مرشح اليسار بلا منازع. وعلى المنوال نفسه، رفض مؤيدو اليمين الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، وكذلك رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه، رغم أنه كان الأوفر حظا، واختاروا فيون الذى كان متأخرا بفارق كبير. وبعد أن ظن فيون أنه عبر الجزء الأصعب من المهمة، وأنه من المحتمل أن يحجز مكانه فى الدور الثانى من الانتخابات، ضد مارين لوبان، المرشحة اليمينية المتطرفة، استيقظ فى نهاية الأسبوع الماضى على خبر يكاد يعصف بكل أحلامه. الخبر كشفته أسبوعية «لو كانار أنشينيه» الساخرة، واتهم بينيلوبى فيون بأنها استفادت من رواتب بلغت قيمتها نحو نصف مليون يورو خلال نحو عشر سنوات مقابل عمل وهمى لم تقم به. وبالفعل، فتح القضاء الفرنسى تحقيقاً لكشف حقيقة الرواتب التى دفعها فيون لزوجته نظير مساعدات قدمتها له فى عمله البرلماني، كما تلقت رواتب أيضاً من النائب الذى خلف فيون بين عامى 1998 و2007. وعلى الرغم من عدم وجود أدلة تفيد بأنها مارست أى عمل فعلى ولم يتم العثور على أى شاهد رآها وهى تعمل، فإنه تم استجواب الزوجين كل على حدة، واستمر التحقيق معهما لأكثر من 5 ساعات. ولكن محامى فيون أكدوا أنه لم يكن له مكتب فى البرلمان فى ذلك الوقت، وهو ما دفعه لممارسة عمله من المنزل، مضيفين «من كان فى المنزل فى ذلك الوقت؟ إنها بينيلوبى فيون بالطبع». والحقيقة أن بينيلوبى فيون البريطانية ابنة مقاطعة ويلز والوالدة لخمسة أطفال كانت دائماً تعرف حتى وقت قريب بأنها ربة منزل، وبأنها «مزارعة» تعشق تمضية الكثير من وقتها فى قصرها فى بلدة بوسى فى غرب فرنسا. ولكن، وبشكل يثير الحيرة، قال فيون بنفسه إن بينيلوبى أنجزت عملا حقيقيا نظير أجرها فى وظيفة مساعدة برلمانية، وقال بالتحديد : «إن زوجتى كانت دائماً تعمل معي، وكانت تصحح خطاباتى واستقبلت الكثير من الأشخاص الذين كانوا يرغبون بمقابلتى وكنت غير قادر على استقبالهم، ومثلتنى فى مظاهرات واجتماعات، وكانت تعد لى موجزاً لما يرد فى الصحف»، موضحاً أيضاً أنه كلف اثنين من أبنائه بالقيام بمهمات محددة. وبالتالى رفض فيون هذه الادعاءات ووصفها بأنها إيذان ب «بدء موسم القذارة»، واعتبرها جزءا من حملة لتشويه سمعته، وقال «إننى غاضب لما فى الموضوع من احتقار وكراهية للنساء». ووفقا للقانون الفرنسي، فإنه يسمح لأعضاء البرلمان بتعيين ذويهم كمعاونين لهم بشرط ألا تكون وظيفة وهمية، ويضع تحت تصرف عضو مجلس النواب ميزانية شهرية قدرها 9561 يورو وعضو مجلس الشيوخ 7593 يورو لتعيين خمسة معاونين كحد أقصى، ويشترط عند تعيين أحد الأقارب كمعاون ألا يتجاوز راتبه الشهرى نصف الميزانية المخصصة لهذا الغرض. إلا أنه يبدو أن تفسيرات فيون لم تقنع عدداً كبيراً من الفرنسيين، وقد يتأثر هذا التقدم بكيفية تعامل فيون مع أزمة تهدد بالنيل من صورته كمسيحى متدين ورجل ينعم بحياة أسرية وسجله خال تقريبا من الفضائح أثناء تقلده المناصب الحكومية، وقد يصعب عليه مع الوقت ذاته الاستمرار فى الترويج لبرنامجه الانتخابى الذى تعهد فيه باستقطاع 500 ألف وظيفة من أجهزة الخدمات العامة بالدولة إذا كان بالفعل قد استغل مال الدولة لزوجته حتى لو كان ذلك قانونيا. وأظهر استطلاع أجراه معهد «أودوكسا» للدراسات أن شعبية فيون شهدت تراجعا كبيرا بعد اتهام زوجته، وفقد 16 نقطة بعد الفوز الكاسح الذى حققه فى الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين والوسط فى نوفمبر الماضي، كما أبدى 76% من الفرنسيين بعد إثارة هذه القضية رغبتهم فى إصدار قانون يمنع البرلمانيين من تعيين ذويهم كمعاونين لهم، بل وأشار الإعلام الفرنسي، فى هذا السياق، إلى أن الصفوف اليمينية تميل لانتخاب آلان جوبيه، عمدة مدينة بوردو، خليفة لفيون، فى حالة رفض الأخير مواصلة المشاركة فى السباق الرئاسي، وذلك رغم خسارته أمام المرشح اليمينى الحالى فيون فى الانتخابات التمهيدية وإعلانه أنه لن يترشح مرة أخرى لمنصب الرئيس. إذن، هناك حزب اشتراكى يتخذ منعطفا جذريا نحو اليسار، وحزب يمينى به بطل جريح، وهذا يدفعنا إلى التساؤل الذى لن يجيب عليه إلا المستقبل : هل سيستطيع فيون التعافى من الضربات الموجهة لسمعته؟ أم أنه سيهدر فرصة تاريخية لاستعادة حقه التقليدى للعودة للسلطة؟