سعادة المصريين بالنتائج التى يحققها منتخب كرة القدم فى بطولة دورة الألعاب الأفريقية ظاهرة مبهجة تتدفق من وسائل التواصل الاجتماعى إلى متابعة الجماهير للمباريات إلى الاحتفال الصاخب فى الشوارع بعد فوز المنتخب المصرى خاصة فى مباراتى المغرب وبوركينا فاسو. وتشارك الفتيات والسيدات فى مشاهدة هذه المباريات من خلال الجلوس مع ذويهم فى المقاهى العامة، وهى صور تكاد تكون جديدة على المجتمع. يحتاج المصريون بالتأكيد إلى لحظات مبهجة تعوضهم عن الصعاب التى تعترض طريقهم، من واقع اقتصادى مرتبك، وارتفاع الأسعار، وتزايد الأعباء، والشعور بالقلق تجاه المستقبل، نتمنى أن تكتمل فرحتهم غدا بالفوز بكأس الأمم الأفريقية فى المباراة النهائية، ولكن كما يقول علماء الاجتماع فإن هذه السعادة ذات طبيعة انفعالية مؤقتة، تصل إلى ذروتها ثم تختفى بعد ساعات أو أيام على أكثر تقدير، وهو ما يدفعنا إلى التفكير فى سبل تحقيق السعادة الدائمة فى حياة المصريين. نعود إلى واحد من أهم التقارير التى تقيس السعادة فى حياة الشعوب، وهو «تقرير السعادة فى العالم» الذى تصدره الأممالمتحدة منذ عام 2012م، وصدر التقرير الرابع منه فى إبريل 2016، وبعد شهور قليلة يصدر التقرير الخامس. فى التقرير الأخير جاءت فى قمة الدول التى يتمتع مواطنوها بالسعادة الدانمارك، السويد، إيسلندا، النرويج، فنلندا، كندا. ومن الشرق الأوسط جاءت إسرائيل فى المرتبة الحادية عشرة، واحتلت الإمارات المرتبة الثامنة والعشرين، والمغرب المرتبة التسعين، بينما جاء ترتيب مصر المائة والعشرين. ويعتمد التقرير- الذى يطبق فى مائة وخمسين دولة- فى تحديد مقياس السعادة على عينة من ثلاثة آلاف شخص فى كل دولة على حدة يُسألون عن تقييم حياتهم ما بين الصفر (الحالة البائسة للحياة)، ورقم 10 (الحالة المثالية للسعادة)، وتتراوح الاجابات ما بين الحدين الفاصلين. وقد صك التقرير الأخير، خلاف سابقيه، مصطلح «التوزيع العادل للسعادة»، وهو تعبير مهم يدل على أن الاختلال فى توزيع الدخول والحظوظ فى المجتمع يؤثر على شعور المرء بالسعادة، ويكشف كذلك أن هناك سعداء وتعساء فى المجتمع الواحد. ولكن حتى الاغنياء قد يبتعدون عن السعادة إذا كان السياق المحيط بهم حانقا أو خانقا أو بائسا بما يجعلهم فى قلق ومخاوف أكثر من السعادة والبهجة.من هنا فإن التوزيع العادل للسعادة يحتاج إلى تخطيط، وهندسة، ومراعاة لاعتبارات العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للخدمات العامة، والتوازن بين المناطق المتنوعة للدولة، وهو لب اهتمام مفهوم التنمية بمعناه الشامل أو التنمية المستدامة. السعادة، ليست حالة عابرة كما سبق القول، بل يٌفترض فيها الاستدامة، فهى مقياس للتقدم الاجتماعي، وهدف للسياسات العامة فى المجتمعات المتحضرة التى يرمى صناع السياسات بها إلى تطوير نوعية حياة المواطنين. وهناك مؤشرات مهمة يُستدل منها على السعادة: الدخل، الصحة، الرعاية الاجتماعية (تٌقاس بالدعم فى أوقات الأزمات)، الثقة (غياب الفساد فى الحكومة والقطاع الخاص)، الحرية، التبرع (يٌقاس بما يُقدمه الناس فى المشروعات الخيرية أو الطوعية)، الحكم الرشيد (يٌقاس بتطبيق القانون والمشاركة المجتمعية، وحماية الفئات المهمشة والفقيرة، والحفاظ على البيئة). من هنا ترتبط السعادة بتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وشعور الناس بالتمكين أى القدرة على الوصول إلى موارد مجتمعهم، والمشاركة فى تطوير نوعية الحياة التى يعيشونها. ومما يلفت النظر أن بعض دول أمريكا اللاتينية استطاعت أن تتبوأ مراكز متقدمة على مقياس السعادة، ويٌعزى ذلك إلى إطلاق مبادرات تنموية طموحة فى هذه المجتمعات. مثال على ذلك البرازيل فهى تحتل رقم 17 فى مقياس السعادة، تلى ألمانيا مباشرة رقم 16، بينما تتقدم على دول عتيدة فى أوروبا مثل المملكة المتحدة، وبلجيكا، وفرنسا، بل ودول غنية مثل اليابان التى تحتل المرتبة الثالثة والخمسين. إذن حجر الزاوية فى السعادة هى استدامة التنمية، والتغيير الاجتماعي، والوصول إلى ما يسميه الباحثون الآن »المجتمع الجيد«، أى المجتمع الذى يشارك أفراده فى تقرير شئونه، وتسوده العدالة فى توزيع السعادة. لم تعد اعتبارات مثل الدخل أو الفقر حاسمة فى تحديد منسوب السعادة فى المجتمعات، ولكن مقاييس أخرى لها أهمية فى قياس السعادة مثل المشاركة، والتطوع، والعمل الجماعي، وارتفاع معدلات الثقة فى مؤسسات الدولة، والشعور بالأمان، والنظرة المستبشرة تجاه المستقبل. الناس بالتأكيد لديهم نزوع فطرى نحو تحقيق السعادة، ويتحينون اللحظات التى يفرحون فيها، يتخلون قليلا عما يحزنهم ويقلقهم، نتمنى دائما أن يهبنا القدر هذه اللحظات سواء كانت فى انتصار كروى أو مناسبة قومية، لكن دعنا نعترف أنها سعادة مؤقتة، ونحن نريد أن نرسى أسسا متينة لتحقيق السعادة فى حياة المصريين، وهي، كما تدلنا التجارب العالمية: التنمية، والمشاركة، والحكم الجيد، وتعميق أواصر الثقة والعمل المشترك بين الناس، والتأكيد على العدالة فى توزيع ثمار التنمية، فلا نولى أهمية للنمو الاقتصادى على حساب البعدين الاجتماعى والبيئي، بل نجعل هذه الأبعاد جميعا تمضى فى تناسق، وتناغم، حتى يعيش المرء فى سعادة مخطط لها، وليست سعادة ننتظرها مثل حبات المطر يهبها القدر لنا. لمزيد من مقالات د. سامح فوزى ;