الصحة ونصيب الفرد والشفافية أهم معايير سعادة الشعوب التفوق المادي والتقدم الاقتصادي ليسا المعيار الأهم للسعادة الفساد والخوف من المستقبل أبرز أسباب قلق المصريين الإيمان والقناعة بالرزق والرضا سر تميز المجتمعات الشرقية اضطراب بسبب ارتفاع الطموح وعدم الاستقرار بعد "يناير" احتلت مصر المركز ال135 على مؤشر السعادة في التقرير الدولي الذي تشرف عليه الأممالمتحدة، ويعتمد على عدد من المؤشرات الفرعية التي تعنى بقياس حياة المواطنين بصحة جيدة، ونصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، ومدى توفر المساعدة الاجتماعية، والثقة في شفافية العمل الاقتصادي، ومدى انحسار الفساد في المءسسات العامة وقطاع الأعمال، والشعور لاحرية الفردية، وغيرها، وحصلت الإمارات على المرتبة ال20 عالميا بين الدول الأكثر سعادة لتكون في طليعة الدول العربية والخليجية متقدمة على السعودية وقطر والكويت. يقول الروائي الروسي العظيم تولستوي، إن السعادة تكمن في ثلاثة أشياء هي "شيء تعمله، وآخر تحبه، وثالث تطمح إليه"، فإذا كان اليابانيون يعتقدون أن الأمان الشخصي هو المقياس الأهم للرفاهية، وإذا كان التعليم في المقدمة لدى سكان أمريكا اللاتينية، مختلفين بذلك عن الاستراليين الذي يعملون على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، فإن السؤال الحائر في مصر: ما هو مقياس السعادة؟. ويبدو أن الفساد هو المعضلة الحقيقية لتحقيق حلم السعادة، فعلى الرغم من أن مصر قد حققت تقدما نسبياً فى مؤشر مدركات الفساد بعد ثورة 30 يونيو إلا أن المعدلات لا تزال مرتفعة للدرجة التى جعلته معوقا أساسيا فى كل خطط التنمية حتى جاءت مصر فى المرتبة ال135 فى مؤشر السعادة العالمى من بين 157 دولة حسب التقرير الذى أصدرته الأممالمتحدة بالتعاون مع مركز الأرض. تقول الدكتورة هالة مصطفى، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة، إن معايير استطلاع السعادة التي أجرتها الأممالمتحدة وأظهرت تراجع مصر، هي تجسيد للواقع الذي يعيشة المجتمع، حيث تقاس سعادة الأمم خلال الوقت الحالي بالمعايير المادية فقط وهو ما يعد كارثة حقيقية، ولذلك تقدمت الإمارات في الترتيب لأنها تمتلك العنصر المادي بشكل ملحوظ، لافتة إلى أن السعادة الحقيقية لست في الأموال بقدر ما هي في الشعور بالرضا والاستمتاع بالمسيور. وأضافت: "إذا كانت لدى المصريين شكوى فذلك لأن الظروف الأخيرة والاضطرابات التى مرت بالبلاد جعلتهم يخافون من المستقبل فلا يشعرون بالسعادة بشكل كبير، لكنهم مع ذلك يشعرون بالرضا، وهذه إحدى خطوات السعادة"، مؤكدة أن مفهوم السعادة ينقسم إلى شقين الأول مادى والآخر معنوي، وإذا ركزت الدراسة على العامل المادى فمن الطبيعي أن تحتل مصر مرتبة متأخرة، لكن لو اعتمد المفهوم المعنوى فمصر ستكون من أسعد الدول، لأن المصرى لديه إيمان ورضا، ويشعر بالسعادة لو جلس مع أسرته فقط على عكس دول كثيرة. فيما يؤكد الدكتور علي البكاوي، رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن المؤشر الذي قاست عليه الأممالمتحدة سعادة الدول، لم يحدد المصادر التي اعتمد عليها في تحديد السعادة، فهي في مفهومها المطلق تتوقف على عدة أمور منها المادي ومنها المعنوي وأخرى في التعاملات، فربما يشعر مواطنو دولة ما بالسعادة في المجال الاقتصادي أو الصناعي ولا يشعرون بالسعادة في المجال الثقافي وهكذا. وأوضح أن مقياس السعادة في مصر لابد أن يأخذ بعين الاعتبار عدة أمور على رأسها "السياسة والاقتصاد" و"المواطن المصري" و"الحالة النفسية وفقًا للتغييرات المناخية"، وتلك أمور غير مستقرة مما أدى إلى تراجع مكانة مصر، فالمصريون لديهم إحساس بالاضطراب خاصة بعد ثورة 25 يناير نتيجة ارتفاع مستوى الطموح بأعلى من الإمكانيات المادية، لكن مفهوم السعادة نسبى والاستطلاع استند إلى معايير مادية وليست معنوية، وهناك فقراء أسعد من الأغنياء، فلا يوجد مراعاة للجوانب المعنوية وهو ما يميز المصريين الذين يتمتعون بحالة مرتفعة من الرضا، مشيرا إلى ضرورة أن تتخلص مصر وبشكل أساسي من الفساد المتغلغل في كافة المؤسسات، لتنعم بسعادة تتخطى بها كل بلدان العالم الأكثر تقدمًا على المستوى الاقتصادي والعلمي. بخلاف مؤشر الأممالمتحدة، هناك مؤشر "الكوكب السعيد" الذي تصدره مؤسسة الاقتصاد الحديث ومقرها لندن، ويقيس مدى السعادة بشكل أفضل وأكثر شفافية، وهو مؤشر عالمي للرفاهية المستدامة يؤكد أن السعادة لا ترتبط بالثروة بل بالعيش برفاهية وأمان مع البيئة على كوكب الأرض، تماما عكس مقاييس تطور ونمو الأمم التي ارتبطت بالنشاط الاقتصادي دون اهتمام بالتنمية البيئية أو بجوانب أخرى ربما غير ملموسة كالسعادة. وقد أظهرت نتائج "الكوكب السعيد" أخيرا كيف وفرت 151 دولة حياة سعيدة لأفرادها وفق 3 معايير هي متوسط العمر، والعيش برفاهية، وأثر التكنولوجيا على حياتهم، كما كشفت نتائجه عن مفاجآت كبيرة منها مثلا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست ضمن أول 100 دولة، ومنها أن دولا مثل كوستاريكاوفيتناموبنما والسويد تتصدر القائمة، تأكيدا على أن السعادة ليست فقط في زيادة الإنتاج المحلي لكن في استخدام موارد أقل. الأمر الملحوظ بنتائج التقرير أن بعض الدول ذات الدخل المرتفع سجلت في معدلات السعادة نسبة أقل بكثير من دول أخرى نتيجة للأثر السلبي لتلك الدول على البيئة، فقد حافظت كوستاريكا على صدارة قائمة "الكوكب السعيد"، لأن مواطنها يستهلك نصيبه العادل من موارد الكوكب، كما أنها تنتج 99% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة، وألزمت نفسها بأن تصبح خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2020. تأتي فيتنام في المركز الثاني، فمنذ الحرب والحكومة تسعى للاستقرار الأمر الذي ساعد في تحقيق تقدم ملحوظ خاصة هذا العام، وفي المركز الثالث كولومبيا التي تأخذ رفاهية المواطن على محمل الجد وبها أكثر من مشروع اجتماعي هدفه رفع مستوى الفقراء. بنما التي تخطت الدانمرك في هذا التقرير تتمتع بحالة اقتصادية مزدهرة ولم تتأثر بالأزمة الاقتصادية لحذر البنوك البالغ، وبجانب استقرار شعبها المادي فقد حافظت على قيمها التقليدية حيث ما زالت العائلة تجتمع يوم الأحد من كل أسبوع، ويعمل المجتمع على خلق مزيد من التجمعات لمكافحة الشعور بالوحدة، فضلا عن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية التي لا تخلو منها العاصمة. إصرار الناس على السعادة قد يزيد من الشروط المطلوبة من الدولة وهذا يسبب ضغوطا فعلية عليها، حيث تكون مطالبة بالاهتمام بالفئات الضعيفة، والمناطق الأقل نموا. يقول الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي، إن الكوكب السعيد هو مؤشر للسعادة من وجهة نظر أخرى تختلف عن مؤشر الأممالمتحدة، وفيه تقاس السعادة وفقُا لمعايير مختلفة، موضحا أن السعادة في مصر تتطلب التركيز في الأساس على المواطن المصري عن طريق تنمية روح التسامح والمحبة فيه إضافة إلى العمل على الجانب الاقتصادي والسياسي. وأكد أن المشكلة الحقيقية تكمن في سير كل الأطراف في اتجاه واحد، وحين تحدث واقعة معينة تجد الجميع يتحدث فيها ويترك المشكلات الأخرى، لذا فلابد من تواجد متخصصين في مجال الصحة النفسية يكون هدفهم الأول والأخير الراحة النفسية للمواطن وإبعاده عن المؤثرات الاقتصادية السلبية التي تجعل المواطن البسيط مثلا يحزن لوقف تدوال الأوراق المالية بالبورصة رغم أنها لا تعني بالنسبة له شيئا، لكن مجرد معرفتة بذلك تجده يشكو من كل شيء، موضحا أن السعداء هم من يتمتعون بصحة جيدة ويكونون أكثر إنتاجا، ولديهم الكثير من العلاقات الاجتماعية. يتساءل أرسطو في الكتاب الأول من الأخلاق النيقوماخية: ما هو أرقي خير يمكن أن يبلغه المرء بجهده؟ ويجيب، بأن عامة الناس وصفوتهم "يتفقون علي أنه السعادة، ولكنهم يختلفون في تحديد كنهها"، فالسعادة إذن واحدة من أهم غايات الحياة، ويرتب بعض الاقتصاديين علي ذلك أن يكون محور علم الاقتصاد هو سعادة الفرد. الدكتور ماهر الضبع، أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، قال إن السعادة في مصر تقاس وفقًا لأولويات وأمور محددة لا تدركها الأمم والشعوب الأخرى، لافتًا إلى أن مقياس الأممالمتحدة للسعادة أظهر أن الصومال أكثر سعادة من مصر في جين أن الصومال تعاني من حروب ومجاعات، وبالتأكيد هي ليست أكثر سعادة من مصر التي تشهد استقرارا إلى حد كبير. وأضاف أن الخوف من المستقبل في ظل تقلبات سياسية محلية ودولية من أكثر العوامل التي تصيب باليأس، لكن ما يعيب التقرير أنه لم يراع أن الشعوب في أغلب الدول العربية تتمتع بقدرة مذهلة على التأقلم مع الظروف السيّئة التي تعيش بها، مشككا في نتيجة التقرير حيث اعتبر أنه من المريب أن تحتل دول تعيش في أتون الصراعات المسلحة مراكز متقدمة عن دول تتمتع ببعض الاستقرار الأمني والسياسي، وأكد أن السعادة في مصر لا تتطلب الكثير، بل هي فقط تتطلب العمل والإنتاج واقتلاع الفساد من جذوره. وأكد أشرف شندي، الخبير الاقتصادي، أن مقياس السعادة في مصر لابد أن يحدد على أسس ومعايير واضحة، فهناك أسباب حقيقية لتراجع معظم الدول العربية في مؤشر السعادة مقارنة بالسنوات السابقة أو بالدول الأوروبية، أبرزها تدني أداء اقتصادياتها، سواء في الدول التي تعرف بدول الربيع العربي التي شهدت تقلّبات سياسية واقتصادية أدت إلى غياب الاستثمارات وتوقف العديد من القطاعات الإنتاجية، نتيجة غياب الأمن وانتشار ظاهرة الإرهاب، وتعطل أكثر من قطاع اقتصادي حيوى أو حتى بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تأثرت اقتصادياتها بالتراجع في أسعار النفط خلال الشهور الأخيرة، ما أدى إلى تأخر ترتيبها في مؤشر العام الحالي رغم تصدرها قائمة الدول العربية الواردة فيه. وأوضح شندي، أنه من المؤسف أن تكون السعادة مرتبطة بشكل مباشر بالمال والدخل الشهري للفرد ومستوى معيشته، في الوقت الذي تعني لي السعادة على سبيل المثال وليس الحصر، القناعة بما قسم الله لي من رزق، مؤمنا بأنه الرزق المقسوم لي، دون أن تؤثر هذه القناعة، في طموحي بالترقي وكسب المزيد من الرضا عن حياتي وهو معيار لا يتواجد في المجتمعات الغربية على عكس المجتمعات الشرقية. وتابع: إن تحقيق السعادة بشكل فعلي يبدأ من عمل الفرد على تطوير ذاتة والعمل بشكل أفضل وتوفير الرفاهية لنفسه قبل أن يضمنها له المجتمع أو الدولة، ومن ثم فستكون مصر منافسا لكافة الدول عالميًا في مستوى السعادة.