* محمد عبد الهادى علام: اقتبست عنوان مقالى بالأهرام من السؤال الأثير للأستاذ «وبعدين»؟ * عبد الله السناوى: دخوله معركة «التوريث» يشبه «قذيفة نووية» فى حرب عصابات * خالد عبد الهادى: الإقبال على كتاباته لبراعته وحنكته وليس قربه من الأنظمة نظم معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثامنة والأربعين ندوة مساء أمس الأول، عن الكاتب الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل، وذلك في الذكري الأولي لوفاته، أقيمت الندوة ضمن فعاليات ندوات «شخصيات لها تاريخ»، وأدارها الروائي الكبير يوسف القعيد، وشارك فيها كل من الكاتب الصحفي محمد عبدالهادي علام رئيس تحرير جريدة الأهرام، والكاتب الصحفي عبد الله السناوي رئيس تحرير جريدة العربي الناصري «قبل توقفها عن الصدور»، وخالد عبدالهادي، المفكر الفلسطيني المقيم بالأردن، وصاحب كتاب عن هيكل تحت الطبع- بعنوان «معارك علي طريق طويل». في البداية وصف يوسف القعيد الندوة بأنها من أهم ندوات المعرض، لأنها تدور عن الأستاذ هيكل، مشيرا إلي أن هيكل كانت له قصة طويلة مع معرض الكتاب، وكان ينظم له لقاء سنويا في هذا المعرض، وكان هذا اللقاء يسجل أعلي نسبة حضور في تاريخ المعرض كله، وأن آخر مرة جاء فيها إلي المعرض كانت عام 1995، وألقي محاضرة بعنوان: «مصر والعبور إلي القرن الحادي والعشرين»، وهو ما يؤكد اهتمامه الكبير بفكرة المستقبل، واهتمامه أيضا بالشباب. أضاف، أنه يتذكر ذات مرة أن مجموعة من الشباب طلبت منه لقاء الأستاذ هيكل، وأنه عندما عرض عليه الأمر رحب فورا دون أن يعرفهم أو يعرف توجهاتهم، قائلا إنه يكفي أنهم شباب من مصر، ولكنه اشترط ألا يكون الكلام للنشر، وألا يكون اللقاء لإجراء حوارات صحفية، وقال: أريد أن أسمعهم وأن يسمعوني، وأشار إلي أن اللقاء استغرق حوالي ثلاث ساعات، استمع إليهم فيه أكثر مما تكلم، لأنه كان يراهن بشكل كبير علي الشباب. وأشار الكاتب يوسف القعيد إلى أنه في الستينيات كان يكفي أن تقول «الأستاذ»، ليُفهم أنك تتحدث عن محمد حسنين هيكل، وأن تقول «الست»، فيعرف الناس أنك تقصد الفنانة الكبيرة أم كلثوم، وأن تقول «الزعيم»، فيتبادر إلي ذهن الناس فورا اسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقال إن «الأستاذ» آمن بأن رئيس الجمهورية مسئول عن شيئين مهمين جدا: مياه النيل والعلاقة بين المسلمين والمسيحين، وأنه كان يعتبر أن شخصية جمال عبد الناصر من أكثر الشخصيات المصرية التي ظُلمت بعد رحيله. وخلال تقديمه لكلمة محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير الأهرام، قال القعيد إنه من إحدي قري البحيرة، وإنه سمع اسم الأستاذ هيكل لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، حيث كان باعة الصحف ينادون علي الأهرام يوم نشر مقال هيكل بقولهم: «هيكل.. بصراحة»، فكان الناس يقبلون علي شراء الأهرام عندما يعلمون بنشر مقاله، وعندما كان يعتذر عن كتابة مقاله، كان البائع ينادي بأن هيكل اعتذر عن الكتابة، وكان القراء يشترون الأهرام لعلهم يجدون فيه سببا للاعتذار، ووصف محمد عبد الهادي علام بأنه الأسعد حظا بين المتحدثين، لأنه يجلس علي مقعد رئيس تحرير الأهرام وهو نفس المقعد الذي جلس عليه هيكل، وفي نفس المكتب الذي كان الراحل يدير منه الأهرام، ويري تقريبا نفس المشهد الذي كان يراه الأستاذ هيكل صباح كل يوم. وفي كلمته أكد الأستاذ محمد عبد الهادي علام أن الكلام عن الأستاذ هيكل لا يمكن تلخيصه في دقائق، لذلك فإنه سيتكلم عن نقاط سريعة في هذه الندوة لتلخيص رؤيته، وإشار إلي أن لقب «الأستاذ» الذي لُقب به الكاتب الكبير، يعد تلخيصا وترجمة لمواقفه وآرائه وأسلوب تعامله مع الناس، مشيرا إلي أبرز السمات الشخصية التي لمسها في الأستاذ هيكل، منذ أول لقاء به بالأهرام عام 1987، وكانت سمات حاكمة في كثير من مواقفه وآرائه، وهي: الكبرياء والعزة والثقة والاعتزاز بالنفس، مشيرا إلي أن مصدر هذه السمات سعة اطلاعه وتنوع ثقافاته وغزارتها، حيث كان «رحمه الله» يقرأ في كل شيء، وأن تلاميذه وأصدقاءه وزملاءه تعلموا منه هذه السمات. وأشار إلي أن ما وصل إليه هيكل جعل البعض يقولون عنه، من منطلق حقدهم عليه، إنه كان الصحفي الأوحد في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وأن قربه منه جعله يحتكر الأخبار، لكنه أشار إلي أن الرئيس جمال عبد الناصر عندما قابله بعض الصحفيين وقالوا له هذا الأمر، قال لهم إنهم يأتونه ليعرفوا منه الأخبار، أما حينما يلتقي هيكل فإنه «أي الرئيس عبد الناصر» يعرف من هيكل الأخبار. وأكد عبد الهادي أن هيكل كان بالفعل «الصحفي الأوحد» ولكن ليس بسبب قربه من الرؤساء كما يزعمون، ولكن لسعة اطلاعه وثقافته وجهده الكبير، في حين أن هناك رؤساء في دول العالم قرّبوا منهم صحفيين بالفعل، واختصوهم بالأخبار، ولكن هيكل لم يكن كذلك. وأوضح أن أهم ملمح في شخصية الأستاذ هيكل، كان التواضع الشديد، وذلك رغم مكانته وعلمه وعلاقاته، وكان يحرص دائما علي أن يتحدث مع الشباب ويسمع منهم أكثر مما يتكلم هو، فكان يسألهم عن رؤاهم إيمانا منه بضرورة التجدد وبدور الدماء الجديدة في الحياة، مشيرا إلي أنه وهو في سن الثمانين كان يتحدث عن مستقبل لا يتحدث عنه الشباب أنفسهم، وأنه عندما اجتمع بشباب ثورة يناير، وتحدث معهم عن طموحاتهم وآمالهم ، قال بعد أن استمع لهم: «أنتم فعلتم مثلما فعل الرجل الذي ذهب إلي القمر، وعندما سألوه ماذا تريد الآن، قال أريد كيلو كباب». وأضاف رئيس تحرير الأهرام أن أول سؤال كان يوجهه الأستاذ لمن يلتقي به هو: «ماذا حدث؟»، وأنه كان ينصح تلاميذه دائما بالإجابة في مقالاتهم أولا عن هذا السؤال، ثم يقدمون رؤيتهم لمستقبل القضية التي يتحدثون عنها. وأوضح أنه شغل منصب رئيس تحرير الأهرام مرتين، الأولي بعد ثورة يناير، لكنه رفض الاستمرار في المنصب بعد فوز محمد مرسي، حيث رفض التعاون مع مرسي وجماعته وعشيرته، ثم عاد للمنصب ثانية بعد ثورة 30 يونيو، وأشار إلي أنه في المرتين لمس مدي اهتمام الأستاذ هيكل بالجلوس مع شباب الصحفيين والاستماع إليهم، وقال: في المرة الأولي عرضت علي الأستاذ هيكل تنظيم لقاء له مع الشباب في الأهرام، حيث فاجأني بالترحيب بهم وبأن المقابلة ستكون في منزله الريفي في «برقاش»، حيث ذهبنا وأجرينا حوارا معه استمر نحو أربع ساعات، استمع فيه إلي شباب الصحفيين أكثر مما تحدث، وحدث ذلك مرة أخري حينما توليت رئاسة تحرير الأهرام للمرة الثانية، حيث قبل شباب الصحفيين واستمع إليهم وإلي رؤاهم أكثر مما تحدث». وأشار عبد الهادي إلي أن رؤية المستقبل كانت حاضرة دائما في ذهن الأستاذ هيكل «رحمه الله»، وكان يضعها في مقدمة اهتماماته وأولوياته، ومن هذه الرؤية كان يتحدث عن حرية الصحافة، حيث كان يقول إن الصحفيين هم من أمموا الصحافة وليس الدولة، فالقانون يقول بتنظيم الصحافة وليس تأميمها، لكن بعض الصحفيين حولوا المصطلح وغيروه، مشيرا إلي أن جريدة الأهرام في عهد هيكل كانت عين علي الحكومة، فتسببت في إقالة حكومات ووزراء، بينما عجز آخرون علي فعل ذلك. وأوضح أن الأستاذ هيكل كانت له رؤية خاصة عن مستقبل الصحافة الورقية، فكان يري أنها ستستمر رغم منافسة المواقع الإلكترونية والفضائيات لها، وذلك نظرا لذهاب الصحيفة الورقية إلي أبعد ما تذهب الكاميرات إليه، فالصحيفة الورقية وثيقة يمكن الاحتفاظ بها والرجوع إليها في أي وقت، عكس فكرة ال»وان شوت»، أي اللقطة الواحدة بلغة السينما، التي تعتمد عليها بقية المصادر الإعلامية، كذلك فإن الصحيفة الورقية تتميز بالتدقيق في نقل المعلومات واستقصائها والتأكد من صحتها، وهذا ما لا تفعله الكاميرات. وأكد أن الأستاذ هيكل لم يكن يقرأ التاريخ لاستعادة الماضي، بل كان، كما يقول شارل ديجول، يقرأ الماضي لكي يطّلع علي المستقبل، حيث كان يؤمن بأنه في عصور نهضة يكون الاهتمام بالمضمون، بينما في عصور الانحطاط يكون الاهتمام بالشكل. وأوضح عبد الهادي أن الأستاذ هيكل لم يكن يهتم بتوصيف ثورة يناير علي أنها ثورة أو انتفاضة أو غيرها من المصطلحات، بل كان يهتم دائما بالسؤال: «وبعدين؟».. مشيرا إلي أنه استوحي عنوان مقاله الأسبوعي بالأهرام من هذا السؤال، فجعل عنوانه: «ماذا بعد؟» وهو نفس سؤال هيكل، مؤكدا أنه فعل ذلك لما يحمله هذا السؤال من فلسفة عميقة ورؤية للمستقبل، وأوضح أنه استأذن الأستاذ هيكل في اقتباس سؤاله الأثير عنوانا لمقاله، وأن الأستاذ هيكل رحمه الله وافق علي ذلك. وأوضح أنه عندما كان يقول أحد للأستاذ هيكل إن ثورة يناير قد سُرقت، كان يؤكد أن هذا شيء طبيعي نتيجة لما حدث بعدها، وكان يقول دائما إن الشعارات التي استهدفت الجيش المصري والقوات المسلحة هي بالفعل شعارات رديئة تستهدف هدم الدولة وأركانها، لأن من يعرف تاريخ الدولة المصرية لا يمكن أن يسيء بكلمة واحدة للجيش أو للقوات المسلحة. وأكد عبد الهادي أن الأستاذ كان يؤمن بأن الشعب المصري نسيج واحد غير قابل للتفتت أو التجزئة، وأن المصطلحات من قبيل «عنصري الأمة» وغيرها هي مصطلحات غير دقيقة، ولا تمت لحقيقة الشعب المصري بصلة، وأشار إلي أنه عندما كان مديرا لمكتب الأهرام في بيروت، طلب منه وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان مقابلة الأستاذ هيكل، وأنه عرض الأمر علي الأستاذ فوافق، وأضاف أنه اصطحب جنبلاط أثناء الزيارة، وعندما التقي هيكل بالزعيم الدرزي سأله فورا عن كيفية وصول لبنان إلي المرحلة الحالية من التشعب والتنافر بين الطوائف في البلاد، وعندما ألمح له جنبلاط أن مصر قد تكون في الطريق إلي ذلك، رد عليه بالقول: «لا الجيش المصري ولا المصريين ممكن يسمحوا بأن تتحول مصر إلي لبنان». وفي كلمته، قال عبد الله السناوي إنه يفضل أن ينطلق حديثه عن الأستاذ من العنوان الرئيسي لدورة هذا العام من معرض الكتاب، وهو «الشباب وثقافة المستقبل»، ليتحدث عن الشباب في فكر الأستاذ هيكل، وقال إنه كان، وهو في التسعين من عمره، وعلي عكس ما يبدو، كان الشباب والمستقبل يشغلان جزءا أساسيا من تفكيره، ووصفه بأنه أكثر شخص من الشخصيات العامة في مصر حاور الشباب، سواء قبل أو أثناء أو بعد ثورة 25 يناير، وكانت فكرته الرئيسية التي كان يتناقش مع الشباب علي أساسها هي عدم الوصاية علي المستقبل، وعدم مصادرة حركة المستقبل، وأنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل لهذا البلد إلا إذا تحرك الجيل الجديد إلي الأمام، فكان السؤال عن المستقبل هو، دائما، قضية هيكل. وأضاف أن هيكل حذر كثيرا بعد ثورة يناير من «كسرين»: كسر المؤسسة العسكرية، وكسر أجيال الشباب، ففي الأولي حذر من أننا سنجد أنفسنا أمام فوضي لا نهاية لها، والثانية لأن كسر الشباب والأجيال الجديدة هو كسر لفكرة المستقبل، وأوضح أن آخر طلب للأستاذ هيكل «قبل وفاته بفترة قصيرة» من الرئيس السيسي كان الإفراج عن الشباب المعتقلين. وأضاف أن روح الصحفي كانت تسيطر علي هيكل حتي وهو علي فراش مرضه الأخير، فكانت هذه الروح هي أقوي ما فيه، وكان يريد دائما أن يسمع وأن يعلم، مشيرا إلي أنه عندما زاره قبل وفاته، ورغم أن صوته كان ضعيفا ومنهكا، كان حريصا علي السؤال عما يحدث في البلاد، وكان هناك، وقتها، بعض المشكلات في مجلس الشعب، فظل يسمع ولا يتكلم، وكان يردد كلمة واحدة «مش معقول» لأنه لم يكن مطمئنا علي المستقبل. وقال السناوي إن هيكل توقف كثيرا عند المستقبل، مشيرا إلي أن هيكل ألقي محاضرة بالجامعة الأمريكية حول «المستقبل الآن»، وذلك في أكتوبر 2002، وكانت فكرتها الرئيسية «الاحتفال بمرور 50 سنة علي ثورة يوليو»، وأن إيحاء الرموز والأرقام «50 سنة أو نصف قرن علي ثورة يوليو»، وكون هيكل كان شريكا رئيسيا في هذا العصر، كان يدل علي أنه سيتكلم عن الماضي، لكنه لم يتكلم عن الماضي، بل تكلم بوضوح عن المستقبل، وكان يتبقي وقتها علي انتخابات التجديد لمبارك ثلاث سنوات، فقال إننا لا نملك الكثير من الوقت، وإنه لابد أن ننظر إلي المستقبل، لأن القضية ليست استبدال رجل بآخر بقدر ما هي تغيير السياسات القائمة. وأوضح أن الأستاذ هيكل لم يكن أول من تعرض لقضية التوريث، التي بدأنا نتحدث فيها في شهر يونيو عام 2000 عندما توفي الرئيس السوري حافظ الأسد وتم نقل السلطة لابنه بشار، فبدأت الحملة مع وجود إيحاءات تدل علي محاولة تكرار ذلك في مصر، وهكذا فلم يكن هيكل أول من تكلم عن قضية التوريث، لكن الوضع تغير تمامه بدخوله فيها، فقد كان الوضع قبله يشبه حرب العصابات، فهناك مجموعة من الصحفيين الشبان يعارضون التوريث في مصر، ويطالبون بنظام دستوري جديد، وكان يمكن ألا يصدق أحد هؤلاء الشباب، ولا يُلتفت إليهم من فرط حماسهم، لكن دخول الأستاذ هيكل في الموضوع وإثارته قضية التوريث في ذلك الوقت من خريف عام 2002 كان يشبه «تفجير القنبلة النووية»، لأن دخوله شجع قوي سياسية وتيارات وصحف، فتحول الأمر تماما إلي حركة مؤثرة في المجتمع. وأضاف أن هناك محاضرة هي «في اعتقاده» أفضل ما كتب هيكل، وأهم ما يعتز به، وهي محاضرة ألقاها في باريس عن «أزمة العرب ومستقبلهم»، وهي المحاضرة الوحيدة التي قام بطبعها ثلاث مرات، الأولي في كتيب صغير، والثانية في كتاب يضم مجموعة محاضراته كلها، وكانت المرة الثالثة في آخر كتاب أصدره عن «مبارك وزمانه» في الجزء الثاني «الملحق الوثائقي»، معربا عن اعتقاده بأن هذه المحاضرة كانت ذات قيمة كبيرة عند هيكل، ودعا الجميع لقراءة هذه المحاضرة التي توقع فيها صورة العالم العربي في المستقبل انطلاقا مما توافر لديه من معطيات. وأشار إلي أنه كانت هناك فكرة محاضرة ثالثة عن المستقبل، كانت بعد ثورة يناير في الجامعة الأمريكية بعنوان: «سؤال المستقبل» لكنها لم تتم بسبب الاضطرابات، ثم تكلم «هيكل» في الأهرام عن المستقبل، ودعا أيضا إلي فكرة «رؤية المستقبل»، فلا يمكن أن يكون هناك مستقبل بلا رؤية، موضحا أن ثقافة المستقبل لا تنشأ من فراغ، فلابد أن نعرف تاريخنا، ولماذا نجحنا حين نجحنا، ولماذا أخفقنا حين أخفقنا، وقد كانت تلك فكرة رئيسية في تفكير الأستاذ هيكل، فكان يؤمن بأننا لن نتقدم إلي الأمام إلا إذا عرفنا ما حدث. وأكد السناوي أن الأستاذ هيكل صاحب مشروع وطني متجدد، وأن من أبرز أفضاله علي الشعب المصري كله هو صياغة تعبير النكسة بدلًا من مصطلح الهزيمة فيما يخص نكسة 1967، مشيرا إلي أن إطلاق كلمة الهزيمة كان معناها الاستسلام التام لها، لكن الحقيقة أن الحرب كانت لا تزال دائرة، وأن الجيش المصري كان لا يزال يحارب حتي انتصر. ونفي السناوي، أن يكون الأستاذ هيكل قد كتب مذاكراته، وذلك لأسباب كثيرة، أبرزها أنه كان يضع حواجز وحدودا كثيرة علي حياته الخاصة، بالإضافة إلي أنه قال كل ما لديه من أفكار ورؤي في السياسة من خلال كتبه وأحاديثه التليفزيونية. وأضاف في عام 2009 استضافت «هيكل» جامعة أكسفورد وقدمته عميدة كلية الإعلام قائلة: «لا أصدق أنني أمام الأسطورة الحية»، وعندما دخل جون باتن، رئيس جامعة أكسفورد، وواحد من الأركان الأساسية لحكومة مارجريت تاتشر، قال: «رغم كل المناصب التي وصلت إليها لم يصفني أحد بأنني أسطورة، فلنرحب بالأسطورة محمد حسنين هيكل». أما خالد عبد الهادي، فقال إنه من الجيد أن تنظم إدارة المعرض ندوة عن الأستاذ هيكل في هذا التوقيت، حيث يتبقي أسبوع واحد فقط علي الذكري الخامسة والسبعين لدخوله عالم الصحافة، لأنه التحق بالعمل في «الإيجيبشيان جازيت» في الثامن من شهر فبراير عام 1942، كذلك فتحل علينا بعد أسبوعين تقريبا الذكري الأولي لرحيل الأستاذ عن عالمنا. أشار إلي أن الأستاذ هيكل كان له أكثر من دور، فقد كان مثقفا ومبدعا وعالما استراتيجيا مميزا، وسياسيا بارعا، لكن الوصف الأثير الذي كان يفضله هو لقب «الجورنالجي»، مشيرا إلي أنه عندما كان يصفه بالأستاذ الكبير، كان «رحمه الله» يرد بقوله: هذه فقاعات صابون لا تصنع قيمة، ولا تؤكد مكانة»، وأن السؤال الأول الذي كان يوجهه له حينما يلقاه هو: ما آخر الأخبار؟، حيث كان لديه نهم شديد لكي يعرف الأحداث ورؤيته الخاصة لها. وأضاف أنه سأل الأستاذ هيكل في أحد اللقاءات عن سر هذا الانتشار لمقالاته، غير مصدق أن ذلك يأتي فقط لكونه قريبا من رأس الدوله، فرد عليه هيكل بقوله أن عناصر اللقاء الناجح، وهي نفسها عناصر التحليل السياسي الناجح، وهي أيضا عناصر الكتاب السياسي الناجح، هي عبارة عن ثلاثة عناصر تشكل مثلثا بالغ الأهمية، الضلع الأول فيه هو المعلومات، حيث يجب أن تقدم، بقدر ما تستطيع، المعلومات للقاريء أو المتلقي، والضلع الثاني أن تقدم له تعليما لكي تزيل الاشتباك من تفكيره، والضلع الثالث هو أن تقدم له لغة صحفية مسلية تجذبه إلي ما هو مكتوب، مؤكدا أن هذه العناصر الثلاثة كانت تنطبق علي مقالاته التي كان يتهافت عليها القراء. وأضاف أنه حتي بعد استئذان الأستاذ في الانصراف، كانت أحاديثه الفضائية تنطلق من هذه العناصر الثلاثة: كمية معلومات غزيرة إضافة إلي جزء تعليمي، وبعض القصص الصحفية. وأوضح أن دخول التليفزيون في سباق مع الصحف الورقية كان يشكل للأستاذ هيكل عنصر قلق، نظرا لأن التليفزيون يمكن أن ينشر الأخبار والأحداث علي الهواء وقت وقوعها، بينما لن تنشره الصحيفة إلا في اليوم التالي، وهكذا فكيف يمكن للصحيفة أن تجذب الجمهور؟.. وأعاد هو الأمر إلي الأسئلة الستة الشهيرة للخبر الصحفي: «من ومتي وأين وماذا وكيف ولماذا».. وكان رأيه أنه إذا استطاعت الصحافة أن تقدم إجابات صحيحة عن هذه الأسئلة فسوف تستطيع أن تجذب الجمهور لأن يكون عنده نهم أكبر لقراءتها.