مازالت الأفكار السلفية والمتطرفة تعشش بيننا فى كثير من المواقع المهمة والحساسة والمؤثرة، مازلنا فى حاجة الى التنبيه إلى ضرورة التصدى للأفكار الظلامية التى تحاول أن تجفف العقول والتى تهدد المجتمع بأسره بالتراجع والعودة الى الخلف، هناك من يعملون فى الخفاء، وهناك من هم فى العلن،ولكن فى كل الأحوال سواء كانوا فى العلن او فى الخفاء، فإننى ارى اننا فى حاجة الى صحوة مجتمعية ومواجهة مستمرة وشاملة، وعلى كل الأصعدة ضد الظلام وضد الأفكار الظلامية، وضد مروجيها عن عمد أو عن جهل. اننى اتوقف كثيرا أمام خطورة ماحدث فى البرلمان المصرى أخيرا ضد عبقرى الرواية العربية أديبنا المصرى الأعظم ومفخرة مصر نجيب محفوظ، حيث هاجمه نائب فى البرلمان المصرى بدعوى أن كتاباته تخدش الحياء العام، وانه لابد من معاقبته،، إن هذا جرس إنذار بأن التخلف مازال موجودا وواضحا ومنتشرا فى كل المواقع ،، والكارثة الأكبر فى رأيى ليس فى ان ينتقد أو يهاجم احد نجيب محفوظ فى كتاباته أو رواياته، وإنما ان يطالب بمعاقبته فى لجنه الشئون الدستورية والتشريعية بالبرلمان اثناء مناقشة قانون بتعديل احكام قانون العقوبات الخاص بقضايا النشر الخاصة بخدش الحياء، وهى اللجنة المنوطة بوضع وتعديل القوانين لمصر الجديدة، والتى نطالب بأن تكون دولة حديثة ومتقدمة تنقل مصر الى المستقبل، ومعنى ان يطالب عضو بالبرلمان بمعاقبة أديبنا الكبير على كتاباته ويترك بدون وقفة قوية من البرلمان للتصدى لمثل هذه الاتهامات، فإنما يعكس سكوتا على حرية الابداع التى نص عليها الدستور المصرى لعام 2014 ، بل ان معناها إن نواب مصر يقبلون العودة للخلف وإلى ما قبل ثورة 30 يونيو، حيث شهدنا عاما من التخلف والتطرف والعنف وتعمد هدم الثقافة والفنون المصرية وتدمير رموز الفن والأدب والابداع، وقمع الحريات واقصاء الكتاب والهجوم عليهم، اننا لا ينبغى أن ندين كاتبا لمجرد انه كتب رواية او قصة لم تعجب متطرفا دينيا او أميا لم يقرأ محتواها فردد ما بثه آخرون بأنها خادشة للحياء العام، إننا بداية لابد أن نفرق بين الابداع والفن وبين الواقع والحقيقة،واعتقد أن المطالبة بمعاقبة كتابات محفوظ بدعوى أنها خادشة للحياء، إنما يشكل تهديدا للابداع والفن المصرى ككل ، ولقوة مصر الناعمة التى تتميز بها عن بقية الدول، وتشكل أحد عناصر قوتها الأساسية، إننا هنا أمام اشكالية لابد أن نتوقف عندها طويلا، فبينما نطالب بالحرية فى مصر الجديدة، نجد من يطالبون بالقهر، وبينما انتخبنا برلمانا جديدا بعد ثورة ضد الظلاميين، نجد أن بعض نوابه يصدرون من الأفعال والأقوال ما يتناقض مع هذه الثورة العظيمة بهدف إعادتنا الى الخلف . إن أحد ثوابت التنوير هو إطلاق سقف الحريات للابداع والفن والرواية والقصة والسينما والمسرح والكتابة واللوحة والنحت والموسيقى والغناء والشعر، ولا يعقل أن ندع ماحدث بداخل البرلمان يمر مرور الكرام دون معاقبة للعضو أبو المعاطى مصطفى الذى نصب نفسه جلادا يريد ذبح كتابات أديبنا الذى نعتز بأنه اول أديب عربى يفوز بأهم جائزة عالمية فى الأدب وهى جائزة نوبل، ولقد عرفت استاذنا الكبير الخالد نجيب محفوظ وشرفت بانه كتب عنى جملة جميلة حول أحد كتبي، وتشرفت بأننى كنت التقى معه فى الدور السادس بالأهرام، حيث كان أديبنا الراحل الكبير توفيق الحكيم يأتى يوم السبت من كل أسبوع والتقى هناك فى مكتبه الكبير والكلاسيكى الطراز بقمم الأدب والفن المصرى وفى مقدمتهم أستاذنا نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وثروت أباظة وحسين فوزى وصلاح طاهر ويوسف جوهر ويوسف إدريس، وكان أستاذنا توفيق الحكيم يدعونى ككاتبة من جيل الشباب، وكنت أحرص على حضور هذه الجلسة المتميزة التى ضمت جيل العمالقة، فاستمع الى أرائهم باهتمام وشغف، ثم بعد رحيل الأديب الكبير توفيق الحكيم انتقل الأستاذ نجيب محفوظ إلى نفس المكتب الكبير وظل يشغله حتى رحيله فى 30 اغسطس 2006. لمزيد من مقالات منى رجب