ستظل مصر دائما منارة للعلم والعلماء رغم ما يمر بها من سنوات عجاف وسيظل ابناؤها الاوفياء مرابطين في مواقع المسئولية رغم ما يتكبدونه من مصاعب ومتاعب ربما تفوق الخيال في بعض الأحيان.قصص النجاح لا تنتهي ابدا في بر مصر. من تلك القصص والحكايات التي تستحق التأمل والاقتداء معركة اعادة الحياة لمستشفي قصر العيني الفرنساوي اعظم صرح طبي في مصر والشرق الاوسط الذي عاني من الاهمال وعدم الرعاية لفترة من الزمن. ولكن وقع الاختيار علي الاستاذ الدكتور نبيل عبدالمقصود مدير مركز السموم بجامعه القاهرة كي يتولي مهام اعادة التأهيل والبناء. الاهرام التقت معه للتعرف علي اهم تفاصيل تلك المعركة المعقدة. يقول الدكتور نبيل عبد المقصود: شرفني الدكتور جابر نصار رئيس جامعه القاهرة ورئيس مجلس ادارة المستشفي باختياري لهذه المهمة الانتحارية في نهاية عام2014, تسلمت المستشفي وهي مدينه بما يزيد عن260 مليون جنية مع وجود عجز واضح في المستلزمات الطبية والأدوية وإحجام شبه تام من الاطباء والمرضي علي ارتياد المستشفي مما انعكس بشكل سلبي علي الاداء العام لهذا الصرح الطبي العظيم. قررت علي الفور وضع خطه انقاذ عاجلة وسريعة لتفادي مزيد من التردي ومحاوله ايجاد حلول مبتكرة لسداد المديونيات الضخمة قمت بزيارة لكل اقسام المستشفي وعقدت مقابلات شخصيه وجماعية مع القيادات والموظفين للوقوف علي اسباب هذه الحاله في الخطوات الاولي لي اصابتني الصدمة من حجم الخلل الاداري والمتمثل في كثرة عدد العاملين بصورة مبالغ فيها وبما يفوق الاحتياج الفعلي للتشغيل بمراحل مذهلة ووجدت لزاما علي البدء في اعادة هيكله المستشفي بالكامل اداريا من خلال عدة محاور محددة اهمها اعادة الهيكله الادارية,وترشيد الإنفاق وزيادة الموارد وانطلقت في البحث عن القيادات الشابه الواعية في كل الاقسام ودفعت بهم الي موقع المسئولية مباشرة مخالفا بذلك كل الاعراف الادارية العقيمة التي تعتمد علي مبدأ السن او المسمي الوظيفي لاني اكتشفت ان سبب تدهورنا يعود الي المدير الموظف او القائد الموظف الذي يرفع شعار بقدر ما اخذ بقدر ما اعطيووضعت جدول زمني لا يزيد عن ثلاثة اشهر لقياس واختبار مدي صلاحية تلك القيادات فمن اثبت كفاءة يمنح ثلاثة اشهر جديدة بعدها يخضع الي تقييم دقيق وشامل للوقوف علي حجم الانجازات التي حققها ومن ثم يستمر في موقعه. واستحدثت نظام النوبتجية بدلا من نظام الاضافي حتي اتمكن من تحقيق اعلي استفادة ممكنه من الاعداد الهائلة المعطله بالمستشفي ونجحنا في توفير مبلغ مليون و700 الف جنية في الشهر من هذا البند. ويضيف قائلا: اصدرت قرارا بالاستغناء عن بعض الشركات التي كانت تؤدي بعض الخدمات داخل المستشفي مثل النظافة مثلا والاعتماد علي العمال المخصصين لدينا في انجاز هذه المهمة علي الوجه المطلوب وهو ما مكنا من توفير650 الف جنية شهريا وأود ان اوضح ان المستشفي لا تتلقي اي اموال من الدوله. الاكثر من ذلك انني قد استحدثت طريقه جديدة للعمل تتمثل في ان يتم تقسيم العاملين الي نصفين تعمل كل مجموعه منهم لمدة أيام لمدة12 ساعة يوميا في مقابل4 ايام راحة وبذلك يتم تقليل الكثافة العددية غير اللازمة داخل المستشفي كما سيتم تخفيف الاعباء المالية والجسدية علي العاملين كما سنقضي علي التسرب والإهمال الوظيفي مع ضبط النفقات وترشيدها بصورة ايجابية. ويوضح أنه نتيجة لكثرة اعداد العاملين وغياب الرقابه انعكس ذلك علي التزامهم بالمواعيد الرسمية للعمل وبالتالي شيوع حالة من التسيب والفوضي التي قادت البعض الي العبث بموارد هذا الصرح الكبير لذا كان من الضروري وضع خطه انضباطية تبدأ بتحديد مداخل ومخارج المستشفي والوظيفة المنشودة منها وعليه فقد تم تحديد نقاط دخول وخروج للعاملين وأخري لأعضاء هيئه التدريس والمرضي والزائرين وبناء سور حول المستشفي لإحكام الرقابة والسيطرة علي كل من تسول له نفسه تخطي القواعد المنظمه لسير العمل. مكافحه الفساد وتأتي اهم مرحلة من مراحل الاصلاح, كما يقول مدير المستشفي, والمتمثلة في مكافحه الفساد ومحاربته وبالبحث الدقيق وجدناه منتشرا في قطاع التغذيه والمخازن والتوريد والصيدلة والمجال الطبي. وعلي الفور ابلغت الجميع عدم التستر علي احد مهما كان بشرط التدقيق الجيد والصحيح قبل الاحالة الي النيابة وقمت بنفسي بالإشراف علي متابعه الدورة المستندية للمستشفي ومراجعه الاجراءات الادارية المختلفة في كل ادارة لكشف الثغرات وكانت النتيجة ايقاف50 موظف عن العمل ونقل250 موظف وفصل15 وتم تحويل المخالفات المالية الي النيابة. هذا الامر احدث عاصفة مدوية وزلزالا هائلا بين صفوف العاملين ودعني اقول لك ان الفساد ينشأ ويترعرع اذا ما وجد مناخ يتسم بالتسيب والإهمال وعدم المتابعة والرقابة وللأسف هذا الامر قد دفع بأصحاب الرؤية الضيقه والفهم المحدود الي اثارة المشاكل التي وصلت الي حد التظاهر والاعتصام وهو ما قبول بكل قوة وحسم مع حرص دائم من جانبي علي توضح اسباب كل قرار اتخذه وهنا يجب ان اشير الي نقطه بالغه الاهمية وربما تفسر كثيرا اسباب ما يحدث ان هناك موظفون يرغبون دائما في الحصول علي مكاسب ادارية لا يستحقونها كما انهم يقيسون جودة القرار الاداري بكمية ما يتقاضونه من اموال سواء في شكل حوافز او مكافآت وللأسف الشديد كان يأتي هذا علي حساب الادوية والمستلزمات الطبية المطلوبة. تمعركة التحديث ويقول: خلال معركة الاصلاح الاداري لم ننس انا وفريق الانقاذ من زملائي الاطباء والإداريين والعاملين ان امامنا معركة لا تقل اهمية عن مكافحه الفساد تتمثل في تحديث الاجهزة الطبية والأقسام المختلفة قمنا بشراء احدث جهاز رنين مغناطيسي علي مستوي العالم بكافه مستلزماته والذي يمتاز بقدرته الفائقة علي تصوير وتشخيص اي قصور في الشرايين والأوعية الدموية في جميع اجزاء الجسم بما فيها القلب وبما يغني عن قسطرة القلب التشخيصية كما قمنا بتزويد وحدة مناظير الجهاز الهضمي للكبار والصغار بجهازين من أحدث مناظير الموجات فوق الصوتية في العالم له القدرة علي التشخيص واستئصال الاورام واخذ عينه منها بدون جراحة يقدر ثمن الواحد منه ب3 مليون جنية. وانشانا احدث وحدة لقسطرة القلب والقسطرة الطرفية في الشرق الاوسط وتحتوي علي جهاز يمكنه تشخيص امراض القلب ويعالج انسداد الشرايين والدعامات بجميع انواعها وكذلك المخاطر الناجمة عن انسداد الاوعية الدموية الطرفية. كما نجحنا في افتتاح مركز لاستقبال وعلاج حالات التسمم مزود بأحدث الاجهزة الطبية في العالم لتحديد نسب العقاقير في الجسم باستخدام عينات الدم والبول والتي تساعد في التشخيص الفوري لحالات التسمم ومتابعه علاجها. ويوضح قائلا: بذلنا مجهودا خرافيا يفوق الوصف في اعادة بناء وتأسيس وتجهيز جميع غرف العمليات الكبري في المستشفي والبالغة18 غرفه عمليات كبري في زمن قياسي مع تزويدها بأحدث اجهزة التخدير والمناظير الجراحية وهو ما استلزم بالضرورة تحديث غرف الافاقة والرعايات وإعدادها بأحدث الاجهزة اللازمة. كما نجحنا لأول مرة في انشاء وتجهيز اكبر وحدة مناظير للصدر قادرة علي تشخيص وعلاج اي مشكله بالجهاز التنفسي.وبالطبع لم ننسي الجانب الفندقي اذ قمنا بإنشاء قسم داخلي علي احدث طراز فندقي لاستقبال المرضي كي يكون نواة لباقي الادوار بالمستشفي. تعلي طريق المنافسة ويؤكد ان مستشفي قصر العيني اصبحت الان علي خريطة المنافسه الوطنية والإقليمية بل اننا قد اصبحنا نتميز عن غيرنا بوجود قسم كبير للطوارئ يضم اساتذة متخصصين متواجدين فعليا علي مدار اليوم في تخصصات الجراحه والعظام والباطنة والتجميل والمخ والأعصاب والصدرية وهو ما لا يتوفر لدي كبري المستشفيات الاستثمارية,اسعار الخدمه الطبية المقدمه تقل عن مثيلاتها في المستشفيات الاستثمارية ب35%, نتميز بارتفاع المستوي الطبي في العيادات الخارجية ولا تتعدي قيمه الكشف بها عن120 جنية في حين ان اجرة نفس الطبيب في عيادته الخاصة تتجاوز هذا الرقم بمراحل كبيره ايضا لدينا طاقه استيعابية تقدر ب136 سرير رعاية في جميع التخصصات بشرف عليها كبار اساتذة جامعه القاهرة. ويضيف: هنا يجب ان اتوقف قليلا وأقول اذا كنا قد استطعنا انا وكتيبه الانقاذ اعادة احياء وتجديد قصر العيني الفرنساوي فيجب ألا نغفل الدور الهائل والدعم اللامحدود الذي قدمه ومازال يقدمه الدكتور جابر نصاررئيس جامعه القاهرة للمستشفي لقد منحنا مبلغ25 مليون جنية استطعنا بها مواجهه الاوضاع المتردية التي كانت تواجهنا. وحتي تكتمل المنظومة الطبية اللائقة بالمواطن المصري حرصت علي ضرورة عمل دورات تدريبية وتثقيفية لكل الكوادر البشرية في كيفية التعامل مع المرضي وذويهم وربطتها بعمليات الترقي. ويؤكد: أستطيع القول ان الطبيب المصري لا يقل عن مثيله الاجنبي في شئ بل هو افضل منه لان الاول يعتمد علي التكنولوجيا في تشخيص المرض فان تواجد في مكان ليس به اجهزة شلت يداه اما المصري فانه يعتمد علي مهاراته ثم التكنولوجيا الحديثه لذا فنصيحتي لشباب الاطباء هي التحلي بالصبر والحرص علي التدريب الجاد والتأهيل العلمي والمهني الدائم. ويضيف: خلال رحله الاصلاح هناك بعض النقاط التي اجد انها جديرة بالإشارة اليها فمثلا قضية الانتماء المفقود عند الموظف المصري يمكن حلها بالتواصل المباشر معه وعقد اللقاءات الدورية معه دون وجود المديرين لأنني قد لاحظت ان بعض المديرين يتعمدون حجب بعض الامور عنهم او نقله بصورة قد تؤدي الي نتائج عكسية وبالتالي عدم الوصول الي الهدف المنشودة بسهوله ويسر كما نني قد اكتشف ان التواصل المباشر مع العاملين من خلال صفحات التواصل الاجتماعي يأتي بنتائج ايجابية ويمنحهم الفرصه للتعبير عن وجهه نظرهم بكل حرية وراحة.كما يمكنني من نقل افكاري اليهم بوضوح وسلاسة. من ناحية اخري وجدت ان اهم اسباب تردي العملية الادارية لدينا هو عدم تواجد القائد في مواقع العمل المختلفة بصورة دائمة وان البعض منهم يجد لذة ومتعه في الجلوس داخل مكتبه منغلقا علي نفسه ضاربا بكل شئ عرض الحائط وهناك نوعا اخر لا يفكر الا في المنصب الاعلي ويظل مشدودا اليه علي حساب موقعه الحالي والنهاية نجدة لم يفعل شيئا يذكر. اشادة بريطانية ويتحدث الدكتور نبيل عبد المقصود بارتياح قائلا: من دواعي سروري ان مستشفي قصر العيني الفرنساوي قد عاد الي الخدمه الراقية مرة اخري فقد استقبلنا مرضي من السعودية والكويت والسودان واليمن كما تلقينا خطاب شكر من السفير البريطاني بالقاهرة علي المستوي الطبي الرفيع والرعاية الفائقة لأحد المرضي الانجليز الذي نقل الينا من السفارة وعندما حضر الطاقم الطبي المرافق له اثني علي المستوي الرفيع للخدمة الطبية دون التدخل في اي مراحل علاج الحالة. وهذا الامر يدفعني الي الاشارة لأحدي سلبيات المريض المصري التي تعوقنا في تقديم افضل خدمه طبية له والتي تتجلي في العدد الهائل المرافق له من الاهل والأصدقاء والجيران والمحبين وهو ما يتطلب منا التكاتف للتخلص من هذه العادة الاجتماعية الذميمة. وهناك امر بالغ الاهمية, كما يقول مدير المستشفي الفرنساوي, لابد من توضيحه والتأكيد عليه حيث اصدرت قرارا حاسما بعدم منع جثة اي مريض نتيجة وجود مستحقات مالية وذلك احتراما لحرمه الميت اما فيما يتعلق بالمستحقات المالية فهناك طرق كثيرة تضمن حق المستشفي في ذلك. وعن مشكله نقص المستلزمات والدواء يوضح ان نظام المستشفيات الجامعية والحكومية يقضي عند شراء المستهلكات ان يكون ذلك من خلال ممارسات او مناقصات تتقدم اليها الشركات ويتم الترسيه علي احداهم طبقا لشروط الكراسة كان ذلك يحدث عندما كان الدولار يساوي6 جنية في الوقت نفسه لا يسمح القانون لك بشراء نفس المنتج من اي جهة طالما هناك ممارسه مفتوحة لذات الصنف وعندما قفز الدولار الي16 جنية زاد سعر المنتج مما ادي الي توقف الشركات عن توريده حتي لا تتكبد خسائر فادحه وبالتالي نقص المنتج من المستشفي مع عدم قدرتها شراءه من جهة اخري لذا اطالب بضرورة وجود لائحة تنفيذية تسمح بتعديل شروط الكراسة حتي لا نصطدم بالنقاط المغلقه كما يجب وضع بند يوضح ان الاسعار قابله للزيادة والنقص حني نشجع الشركات علي الوفاء بالتزاماتها. اما قضيه الادوية فهي الاخري تحتاج منا الي اعادة نظر فالا دويه مسعرة بقيمه لا تعترف بالتغيرات المالية التي تطرأ علي العمله المحلية وبالتالي تحجم كثير من الشركات عن انتاج وتصنيع بعض الادوية تجنبا للخسائر المالية الهائلة ومن هنا يمكن ان نعرف لماذا اختفت بعض الاصناف من السوق ان الامر في حاجه جادة فعلا لإعادة هيكلة اسعار تلك المنتجات حتي يمكنها مسايرة الواقع الفعلي للوضع الاقتصادي الراهن بل مطالبون بإيجاد رؤية جدية للقوانين المنظمه للصناعة الدواء في مصر. كشف هيئة ويضيف قائلا: الأمر ليس في الدواء فقط بل انني اقترح ضرورة عمل كشف هيئة للمتقدمين لكليات الطب المختلفة ولا اعني بهذا البحث في السجل العائلي او المالي او الاجتماعي للمتقدم بل كشف هيئة للكشف عن قدراته الذهنية والعلمية والفكرية وهل تتماشي مع مهنه الطب ام لا, فنحن في حاجه لشخص لديه قدرة ذهنية وذكاء اجتماعي ومهارة التواصل مع الاخر بمرونة هذا الامر يحقق لنا فضيلة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ويضمن لنا عدم اهدار وقت الطالب في دراسة ربما لا تلائم قدراته الحقيقة