من مباديء الديمقراطية الحقيقية التسليم بنتائج الانتخابات وعدم الاعتراض عليها حتى ولو كان الفارق صوتا واحدا. وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة من أكبر الديمقراطيات فى العالم، فإنها شهدت فى الأسابيع الماضية مظاهرات احتجاجية واسعة وممتدة ضد فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالرئاسة على حساب منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون رغم الانحياز الواضح من قبل أجهزة الدولة الأمريكية والإعلام لكلينتون ودعمها لها حتى الساعات الأولى من صباح يوم إعلان نتيجة الانتخابات. ويقول البعض إن تلك المظاهرات هى تعبير من الشباب الأمريكى عن رفضهم لتولى شخص يعتبرونه يشكل تهديدا على وحدة بلادهم القائمة فى الأساس على التنوع العرقى والثقافي. وفى المقابل، يرى بعض المحللين والنشطاء السياسيين الأمريكيين أن طبيعة هذه المظاهرات وتواصلها لعدة أيام وتخللها بعض أعمال العنف والطعن فى فغرز أصوات ويسكونست تجعل منها حركة مثيرة للريبة والغموض، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى التأكيد على أن تلك المظاهرات ممولة ومدفوعة الأجر من قبل أنصار هيلارى ومؤيديها المتغلغلين فى أعماق الدولة الأمريكية. فقد كشف موقع «دينيس مايكل لينتش» أن إحدى أكبر الجماعات التى تدعو إلى المظاهرات ضد ترامب على الإنترنت وتدعى MOVEON.ORG أو «امضى قدما» هى جماعة تمولها مؤسسات مجتمعية مملوكة لرجل الأعمال الأمريكى الشهير جورج سوروس أكبر مؤيدى هيلارى كلينتون. ويقول الموقع المملوك لدينيس مايكل - وهو إعلامى أمريكى شهير ومخرج أفلام وثائقية ومحلل سياسى – إنه بات معروفا أن جماعة «امضى قدما» التى يمولها سوروس هى المسئولة عن العديد من أعمال العنف والاحتجاجات التى شهدتها البلاد ضد ترامب. ونشر الموقع عدة فيديوهات لتلك المظاهرات فى مختلف المدن الأمريكية والتى أظهرت أحداث عنف فى العديد منها، من بينها إطلاق نار وقطع للطرق وحرق للعلم الأمريكى والاعتداء على سيارات الشرطة ورفع لافتات تدعو صراحة إلى «الثورة». كما يؤكد موقع The Free Thought Project الأمريكي، أن الممول الرئيسى وراء المظاهرات الضخمة والمنظمة ضد ترامب هو رجل الأعمال الملياردير جورج سوروس. ويقول إن المظاهرات لا تبدو حركة من قبل أمريكيين خرجوا إلى الشوارع كما تشير تقارير وسائل الإعلام، وإنما جاءت منظمة، حيث إن لافتات التظاهر الموحدة على مستوى البلاد، تعنى أنه تمت طباعتها وتوزيعها بشكل منظم وليس من قبيل الصدفة. وهذه الفرضية تتوافق تماما مع ما ذكره ترامب عن تلك المظاهرات فى تغريدة له على حسابه بموقع «تويتر» حيث قال عنها : «إنها من عمل متظاهرين محترفين، بتحريض من وسائل الإعلام». ويذكر أن سوروس خصص مبلغ 25 مليون دولار لدعم حملة هيلارى كلينتون الانتخابية. وفى مفاجأة أخرى، كشف موقع «فوكس نيوز» الإخبارى الأمريكى أن جماعة moveone.org.وجماعات أخرى تمولها مؤسسات سوروس، فضلا عن جماعات ليبرالية أخرى، تقوم بالفعل بنشر إعلانات على مواقع الإعلانات الشهيرة على الإنترنت مثل «كريجز ليست» و»ريديت» تعرض فيها مبالغ مادية على الجمهور للمشاركة فى مظاهرات ضد ترامب. ومن بين تلك الإعلانات إعلان لجماعة MoveOn.org عرضت فيه مبلغ 18 دولارا فى الساعة لكل متظاهر، وجاء فى الإعلان : «نريد متظاهرين تحت سن ال30 ونفضل أن يكونوا من الأقليات». وعرض إعلان آخر 35 دولارا للتظاهر ضد ترامب فى لوس أنجلوس لمدة عشر ساعات، بل وصل الأمر إلى أن أحد الإعلانات حث «المتقدمين» للتظاهر على قطع طرق رئيسية فى لوس أنجلوس، كما نشرت جماعة تدعى Washington Community Action Network إعلانا عرضت فيه 15 دولارا للمتظاهر فى الساعة. وقالت «فوكس نيوز» إن المشاركين فى مظاهرة بمدينة سياتل فى واشنطن أكدوا لمراسلها أنهم «مأجورون» من قبل جماعة Washington Community التى نشرت الإعلان. ولكى تثبت فوكس نيوز صحة تلك الأخبار، نشرت روابط أو «لينكات» لهذه الإعلانات يتم الضغط عليها ليظهر الإعلان بالكامل. كما نشرت المحطة نفسها تقريرا ذكر أن 70٪ من المعتقلين فى المظاهرات المحتجة على ترامب لم يصوتوا فى الانتخابات من الأساس.من جانب آخر، يتضح من تعليقات المنظمين لتلك المظاهرات أنهم يعتزمون مواصلة التظاهر حتى يوم تنصيب ترامب رئيسا للبلاد، بل إن بعضهم يقول إنهم يهدف إلى إحداث الفوضى ومحاكمة الرئيس المنتخب ترامب. ومن بين أهدافهم أيضا التى يخططون إليها تنظيم مظاهرات احتجاجية فى أنحاء البلاد ضد نظام المجمع الانتخابى الذى فاز ترامب بأصواته فى الانتخابات الرئاسية رغم حصول هيلارى على أغلبية الأصوات الشعبية. وتأتى تلك الدعوات بالتزامن من تحرك قانونى مماثل ، حيث تقدمت بربارا بوكسر العضوة فى مجلس الشيوخ الأمريكى باقتراح قانون لإلغاء نظام المجمع الانتخابى من الدستور الأمريكي، مشيرة إلى أن دونالد ترامب تم انتخابه رئيسا رغم أنه حصل على عدد من الأصوات أقل من تلك التى حصدتها هيلارى كلينتون. وقالت بوكسر السيناتورة عن الحزب الديمقراطى فى ولاية كاليفورنيا «إنه النظام الوحيد فى البلاد الذى نحصل فيه نحن الديمقراطيين على العدد الأكبر من الأصوات ونخسر مع ذلك الرئاسة». وأضافت أن نظام المجمع الانتخابى قديم ومناف للديمقراطية ولا يعكس صورة مجتمعنا الحديث ويجب تغييره فورا»، مؤكدة أن «كل الأمريكيين يجب أن يملكوا ضمانة أن تحسب أصواتهم». كل ذلك ينبيء بأحداث مربكة قد تشهدها الولاياتالمتحدة فى الفترة المقبلة. فعلى ما يبدو أن المعارضين لترامب لم يسكتهم اعتلائه الكرسى الرئاسى وسيواصلون البحث عن كل السبل لإثارة الأزمات فى وجه الرئيس المنتخب حتى يوم التنصيب فى 20 يناير القادم. فهل يتمكن الملياردير سوروس الذى ارتبط اسمه بثورات حول العالم لم تجلب سوى الخراب لشعوبها وعلى رأسها ما يسمى ب«الربيع العربى «أو بالأحرى «الخريف العربي»، فى إحداث ربيع أمريكى مماثل بالتعاون مع وسائل الإعلام بأخبارها العدائية والكاذبة، ومؤسسات الدولة الأمريكية بألاعيبها غير المضمونة؟ أم أن المؤمنين بالديمقراطية سيتوحدون خلف الرئيس الجديد فى مواجهة دعاة الفوضى والانقسام؟ هذا يتوقف على الطريقة التى سيبدأ بها ترامب عمله، سواء فى طريقة تشكيل الحكومة الجديدة، أو فى هيكلته للمؤسسات الرئيسية فى البلاد، بما يجعله قادرا على إدارة عمله دون منغصات.