أكتب إليك قصتى راجية أن تساعدنى فى الخروج من الدوامة التى أعيش فيها، فلقد تعبت نفسيا وجسمانيا، وأشعر أننى كبرت مائة سنة فوق عمرى، وأخشى من تقلبات الدهر، فأجدنى قد وصلت الى طريق مسدود لا يرجى الخروج منه، فأنا سيدة عمرى سبعة وثلاثون عاما، نشأت فى بيت محافظ، وتربيت على الفضيلة بين أبوين متحابين وأشقاء يجمعهم الحب والتعاون، وركزت فى دراستى، ولم تشغلنى العلاقات التى تنشأ عادة بين الشباب والفتيات فى المرحلة الجامعية، فعزفت عن علاقات الحب والغرام، ولم أسمح لأحد بأن يبثنى أشواقه، ولا أن يردد على مسامعى قصائد المدح والانبهار بشخصيتى وجمالى، وبعد تخرجى فى كليتى التحقت بهيئة مهمة وجمعتنى علاقة مودة بزملائى منذ اليوم الأول لى بها، وبمرور الوقت فاتحنى أحد زملائى فى رغبته الارتباط بى، وعرفت أنه يكبرنى بسبع سنوات، وحاصل على مؤهل فوق المتوسط، ويشغل وظيفة تقترب من وظيفتى، ففرحت به جداً، فهو أول رجل أتكلم معه ولأننى لا أدرى شيئا عن عالم الرجال، فقد اعتبرته نصيبى، وهيأت نفسى على أنه رفيق حياتى، وأسرعت إلى أبوىّ وأبلغتهما بأمره، فرحبا به. ومرت اجراءات الزواج سريعاً، وأصبح هو كل ما لى فى الدنيا منذ لحظة عقد قراننا، ورحت أبثه أشواقى، وأتطلع إلى أن أسمع منه كلمة «بحبك» التى صممت أذنىّ عن سماعها من أحد قبله، ولم أعط أيا ممن حاول التقرب لى الفرصة لأن يقولها لى.. فقط هو زوجى وحبيبى الذى صار من حقه أن يسمعها منى، ومن حقى أن أسمعها منه، وكانت المبادرة دائما من جانبى، فأسرع اليه عندما يدق جرس الباب عائداً من الخارج، فأقبله وأضفى جوا من البهجة والسعادة فى مملكتنا الصغيرة. لقد تصورت أن الدنيا ابتسمت لى، وأن فارس أحلامى تحقق كما أردته، ولكن هيهات، اذ لم يمر وقت طويل حتى اكتشفت أن زوجى قاسى القلب بطبعه.. صحيح أنه لم تبد عليه أى علامات للقسوة فى الأيام الأولى للزواج، ولكن ماهى الا شهور حتى كشف عن وجهه الحقيقى، فعاملنى وكأنى حجر، ولست انسانة لى مشاعر وأحاسيس، وفى حاجة الى أن يقدرنى زوجى، ويخفف متاعبى لا أن يقابل حبى له بجفاء، ويتعمد اذلالى وتحويل حياتنا الى نكد بلا سبب، فالزوجة فى رأيه بلا قيمة، وعليها أن تنفذ الأوامر فى صمت، ويجب ألا يسمع منها سوى كلمة «حاضر» سواء سعيدة أو حزينة، راضية أو غاضبة، وكلما وجدته على هذه الحال أنهار باكية، وما أكثر الليالى التى بتها والدموع تنسال من عينىّ حتى تبلل فراشى، وتملكتنى الحسرة على ما آلت اليه أحوالى بعد أن كنت ملكة متوَّجة فى بيت أبى، ووجدتنى وسط هذه المآسى أحمل فى ابنى الأول، وبدلا من أن يعيننى على متاعب الحمل، استهان بآلامى، وأخذ يقدحنى بألفاظ قاسية، ويسبنى بكلمات أعف عن ذكرها، وكنت أتحاشى ثوراته وحالات «الهيجان» التى لا مبرر لها بالامتثال لما يطلبه منى برغم آلامى وأوجاعى، فأنهض لترتيب المنزل قبل خروجى إلى العمل، وأعد الطعام، وآخذ طفلنا الى الحضانة، وأكرر هذا الصنيع بعد الظهر.. ولما فاض بى الكيل ذات يوم ذهبت غاضبة عند أهلى، فجاءنى بعد أيام، وقال فى صلف وغرور أنه الرجل، ولابد أن يربينى على حد قوله ! .. تخيل ياسيدى أن يخرج هذا الكلام من زوج جاء لارضاء زوجته التى لا ترجو من الدنيا الا سعادته وراحتها، ومع ذلك تجاوز أبواى ثورته، وتدخلا للصلح بيننا، وكتمت أحزانى فى نفسى، وحاولت زميلاتى أن يعرفن ما ألمّ بى عندما وجدننى منكسرة ولونى شاحبا، فلم أبح لهن بأى كلمة، وظلت نظرات الاستغراب تنطلق من عيونهن، وكأنهن يقلن لى «انتى اللى اخترتيه». ويبدو أن مثله لا يتغير أبداً، فبعد إتمام الصلح وعودتى إليه طالبنى بأن أضع كل راتبى فى البيت وأتولى مصاريف المعيشة بالكامل، بدعوى أنه يكفيه سداد القروض التى جهز بها شقة الزوجية، وتوفير ثمن سيارة ترحمنا من زحام المواصلات، وتحاملت على نفسى حتى اشترى السيارة التى كان يحلم بها، لكنه استأثر بها لنفسه، فعندما أطلب منه توصيلى إلى السوق لشراء احتياجات المنزل يرد علىّ : «اركبى المواصلات لأننى مشغول»!، أتدرى ما الذى يشغله؟.. إنه المقهى الذى يجلس به معظم الوقت مع أصدقائه، فإذا حاولت أن أحدثه فى هدوء عن أنه غير موجود فى حياتنا لا يرد، ويدير ظهره وينام حتى الصباح، ثم يتذكر فجأة أنه لم يرد علىّ قبل النوم فيكيل لى السباب والشتائم، قبل أن نذهب إلى العمل!. الغريب أن استهزاءه بى يتكرر معه عند أهله وأصدقائه ومعارفه، فهو الوحيد فى العائلة الذى يسخرون منه، ويلقون النكات عليه، والمدهش أنه يضحك معهم وكأنهم لم يقولوا له شيئا.. وإذا حدث وكان مزاجه معقولا، وقال كلاما فيه قدر من المبالغة، فأعلق عليه بقولى «ياراجل», يتجهم وجهه، ويرد علىّ : هل هذه الكلمة تقولها «واحدة متربية» لزوجها؟!.. وعندما أرغب فى مداعبة طفلى ينالنى كلامه الجارح والقاسى، ويعامل الطفل كأنه رجل ويهزأ به هو أيضا لدرجة أننى أشعر أن الولد لم يعد يثق فى أحد، وأحاول إبعاده عنه، وأؤكد له أنه مهم جداً للجميع وسيكون له مستقبل باهر ومشرق، وأنتظر موعد خروج أبيه لكى نلعب ونضحك، والله وحده يعلم ما بى، وأذكر أننى حاولت أن ألفت نظر زوجى لكى يغير معاملة ابننا ويترفق فى الحديث معه، وأن يشرح له مايريده دون ضرب أو كلام قاس، فردَّ علىّ فى حدة، من أنت لكى تعلمينى مايجب أن أفعله وما لا أفعله، لابد من إجباره على ما أراه صحيحا لكى يتعلم!. وعلى جانب آخر فإنه يأمرنى بأن أتابع أهله وأتصل بهم يوميا، وأقف إلى جانبهم وأخدمهم، بينما هو لا يفعل شيئا من ذلك بالنسبة لأهلى، بل إنه يقول لى إنه لا يجوز أن يتصل بأمى فى أى مناسبة، ولا يقول لها : كل سنة وأنت طيبة، بحجة أنها أرملة لا يصح الكلام معها لكى لايتصور أحد أن بينهما علاقة وأنه يحبها !!.. منطق غريب وكلام غير معقول، وتصرفات عجيبة، وقد تعبت من معاملته الجافة والقاسية التى زادت حدتها بعد وفاة أبى، وافتقادى الحنان الأبوى الذى كان يعوضنى عن آلامى وأحزانى، وإننى أجاهد كثيراً لكى أحيا سعيدة، وأتذكر الأيام الأولى لخطبتنا عندما وعدنى بأن يكون لى كل شىء، فإذا به الآن «ولا حاجة»، وينتابنى الآن شعور قوى يصل الى حد اليقين بأنه يريد الإبقاء على حياتنا الزوجية لكى أصرف على البيت وأتحمل كل شىء حتى كسوته، ومع ذلك لا أسمع كلمة طيبة منه، ويبدو أن شقيقيه كانا ينتهجان الأسلوب نفسه مع زوجتيهما، إذ أنهما الآن مطلقان وتفككت أسرتاهما، ولا أريد أن يكون مصير بيتنا كذلك، كما أننى خائفة على ابنى، وأخشى أن يتركنى زوجى بعد كبرى ومرضى فمثله لا أمان له !.. وكلما جالت ببالى هذه الهواجس استغفر الله العظيم واستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم لا تلبث أفعاله أن تعيدنى إلى التفكير فى المستقبل القاتم، وتنهار دموعى التى لو جمعتها لروت مزرعة كاملة، إنها دموع أذرفها على حالى وخيبة أملى فيمن كنت أتصوره حبيب العمر، فبماذا تشير علىّ حتى أتخلص من هذا العذاب؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول : هناك كثيرون من الأزواج لا يقدرون الحياة الزوجية حق التقدير، فيحولون بيوتهم إلى جحيم لا يطاق، ويهدمون السعادة ويمحون البسمة، وكل زوج قاس يغيب العطف والحنان من قاموسه، ويكون دائما شديد الغلظة فى معاملاته، ويستمتع بالشدة مع الآخرين حتى مع زوجته وأبنائه، ويتلذذ بإهانتهم وتحقيرهم، ويريد منهم دائما الانصياع لأوامره، بل يميل إلى الكذب ويوظفه فى إشباع رغباته، فإذا كان قدر الزوجة أن ترتبط بشخص من هذا النوع، فإن عليها أن تتحلى بالهدوء التام وضبط الأعصاب، وأن تكون مستعدة دائما للتعامل معه، ولا تحاول إثارته، وأن تصغى جيداً إلى كلماته، ولا تصادر آراءه، ولكن تتبع معه أسلوب (نعم.. ولكن) فهاتان الكلمتان هما مفتاح «كبح جماح» الزوج، بمعنى أنها تبدى تأييدها له، ولكن تضيف بعض الجوانب الأخرى إلى رؤيته، فقد يساعد ذلك على إعادة تهيئة جو الأسرة والبيت فتقل المشكلات, وتتلاشى الخلافات حتى لو تركت الزوجة بعض حقها حسبة عند الله، وصبرت على بعض الشدة التى يتصف بها، فالحقيقة ومن واقع الملايين من حالات الطلاق، والمشكلات الموجودة داخل البيوت، التى أعايش الكثير منها عن قرب أقول: إن من يطلب دنيا بلا منغصات هو شخص لم يعرف ما الدنيا وماذا تكون، ومن تطلب زوجاً، أو من يطلب زوجة بلا عيب ولا نقصان هو شخص لا يعرف من هم بنو آدم، وفى ذلك يقول الشاعر : إذا كنت فى كل الذنوب معاتبا صديقك لم تلق الذى تعاتبه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأى الناس تصفو مشاربه ولهذا قال رسول الله (صلى اله عليه وسلم): «إن المؤمن العاقل، لا تستحكم الكراهة بينه وبين زوجته المؤمنة، وإن المؤمنة العاقلة لا تستحكم الكراهة بينها وبين زوجها المؤمن»...، فمهما ير أحدهما جانبا مظلما، فلابد أنه واجد من الخير، مايعينه على إكمال المسيرة، ومهما يجد من عيوب فإنه واجد من الخير والمصلحة مايحمله على الرضا والصبر والتعايش مع شريك حياته. وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله قال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضى بآخر»، فاستعينى بالله وأكملى مسيرتك مع زوجك، فلقد لمست بالفعل «مفتاح التفاهم» بينكما بالحديث معه فى أمور حياتكما عندما يكون هادئا، وعليك أن تؤجلى الحديث فى المشكلات الكبيرة، بحيث يشعر أنه فعلا يتغلب على العقبات، ويعالجها دون إزعاج، وعليك أن تتوقفى عن استجوابه فى كل أمر ترين أنه قد يثير الشك لديه، واتركيه، فهو فى النهاية سيعود إليك ويخبرك بكل شىء. والحقيقة أن زوجك يحاول بصنيعه معك تصدير سخرية الآخرين منه، إلى السخرية منك فى محاولة لإثبات رجولته، إذ إن بداخله خوفا من المجتمع، ولذلك يستمد أمانه واحساسه بالسيادة بفرض سيطرته عليك وعلى ابنكما الطفل. فيسعى إلى تضييق أفق حياتك وتقليص علاقاتك، وتوجيه أفكارك وآرائك ومشاعرك وتصرفاتك، ويحوّل صلاتك المحببة بالأهل والصديقات إلى عمل كريه، متذرعا بأسباب غير منطقية مثل عدم إتصاله بوالدتك فى المناسبات المختلفة لكى لا يظن الناس أنه على علاقة بها.. أى فكر هذا الذى يدور فى رأسه؟.. إنه لا يجد ما يأخذه عليك، ولذلك يفتعل أى أسباب حتى ولو أنها ليست منطقية لكى يصبغ حياتك وأفكارك بلون غامق كئيب، ولا تجدى ملاذا سواه، وهو يعيش أسير صراع محتدم بين حاجته إليك، وخوفه منك، وربما يرى أن إظهار حبه لك يعطيك القدرة على إلحاق الضرر به بإهماله وهجره ومحاصرته، ولذلك يضاعف ضغطه وسيطرته عليك ليسلبك البقية الباقية من عزمك وثقتك بنفسك، لتصيرى ضعيفة، معتمدة عليه وحده، ولا تستطيعين الاستقلال عنه، وإذا تسلحت بالايمان بالله وبقوة ثقتك بنفسك سوف تصبحين قادرة على تغيير مواقفك وردود أفعالك إزاء تصرفاته، ومن الطبيعى أن تتغير علاقتكما بعد ذلك إلى الأفضل، وبالطبع فإن لك الحق فى طلب الدعم العاطفى منه، والاحتجاج بأسلوب لين على سوء معاملته لك، وعليه أن يعى أنه إذا لم يحسن معاملتك، فسوف يفقدك إلى الأبد، فأى إنسان لديه طاقة محددة، وقدرة معينة فى التحمل، وبعدها لا يكون أمامه إلا الانفصال، ولو فكر قليلا فيما ستؤول إليه أحواله لو انك انفصلت عنه، لتراجع عن ظلمه لك، وجبروته ولسانه السليط. إن السب واللعن من الأمور التى يجب على المسلم أن يترفع عنها لأنه كما أخبرنا رسول الله ليس بسباب ولا لعان ولا فاحش ولا بذىء، وأرجو أن تتخيرى الوقت المناسب لكى تلفتى نظره إلى انك منزعجة من تصرفاته، و أنك لا تقبلين سبابه لك، ومن المستحيل أن تبادليه هذا السباب، فأنتما شريكان فى الحياة ولكل منكما حقوق وعليه واجبات، وقولى له أيضا: إن اللعن من الكلمات الخطيرة التى قال عنها صلى الله عليه وسلم «لعن المؤمن كقتله، فاللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، وأظنه لايرغب فى أن يكون مطرودا من رحمته عز وجل. أما بالنسبة لعلاقته بأهلك ورفضه الاتصال بوالدتك فى المناسبات المختلفة ليقول لها «كل سنة وانت طيبة» فى الوقت الذى يأمرك فيه بزيارة أهله والاتصال بهم وتنفيذ ما يشيرون عليك به، فإن العلاقة تبادلية بين الطرفين، ومن الضرورى أن يحتفظ كل منكما بعلاقة طيبة مع أهل الآخر، فالمعاملة الحسنة لأهل شريك الحياة، ترجمة حقيقية لمحبته، فالحب ليس كلمات مزينة جوفاء، بل هو عطاء وبذل وتضحية من أجل راحة المحبوب، وقد قال الامام الغزالى: «المؤمن إذا أحب المؤمن أحب كلبه» نعم, إلى هذه الدرجة يكون الحب,، وليعلم زوجك أنه كما يدين يدان، فما يفعله مع والدتك ورفضه حتى مجرد الاتصال بها، سوف يوفى دينه ويقول رسول الله فى ذلك «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فكما يحب أن تبرى أهله وتحترميهم، فإنك تحبين ذلك منه، وأقول له: «دعك من الكلام الذى قلته لزوجتك، عن مبررات خوفك من الاتصال بحماتك، فهذا كلام غير معقول ولا مقبول، وعليك أن تحبها وتعاملها كما تعامل أمك واتبع سلوكيات الذوق واللباقة معها. إن أبواب إصلاح زوجك مفتوحة وقائمة إذا عقدتما النية على ذلك، ولا داعى لأن تتذكرى أو ترددى على مسامعه أن شقيقيه فشلا فى حياتهما الزوجية، فهذا الكلام يؤجج الصراعات، ويشعل الخلافات، وإنما تناسى هذا الأمر تماما، وعليكما أن تستمعا إلى صوت العقل والحكمة فى تربية ابنكما، وفى تحمل زوجك مسئوليته عن البيت والأسرة، وأن تمدى له يد العون فى إطار من الشفافية والود والتعاون والإيثار، وأسأل الله لكما التوفيق والسداد.