بعض الخطابات السياسية والعبارات الساخرة أو اللاذعة التى تأتى عفو الخاطر، أو عمدًا من بعض المسئولين فى الدول العربية، لا تشير فقط إلى الرعونة السياسية وعدم الحيطة والانضباط اللغوي، وإنما تشير إلى ضعف الخبرات السياسية وفى ممارسة تقاليد الحكم، ومن ثم ضعف ثقافة الدولة والاطلاع العميق على اللغة السياسية والدبلوماسية للحياة الكونية. من هنا لابد من وضع تصريحات الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي التى اعتذر عنها وقدم استقالته، فى سياقها الصحيح، على الرغم من أنها تدل على غياب اللياقة، وفساد الذوق اللغوي، والهزل فى مواضع الجد، لاسيما فى منظمة هى من أضعف المنظمات الدولية من حيث عملها وأنشطتها، ولا يكاد يعرف عنها مواطنو الدول الأعضاء إلا قليلاً جداً، وفى الأخبار عن مؤتمراتها الكبرى فقط، حيث تصدر أكثر من مائة توصية فى قضايا ميتة للدول الأعضاء فى كل مؤتمراتها. بدلاً من أن يركز الأمين العام المستقيل على تنشيط منظمته من خلال استيعاب المتغيرات الدولية وتعقيداتها، والبحث عن هوامش للحركة البناءة بين الدول الأعضاء، وفتح أبواب للتعاون بين المنظمات غير الحكومية العربية والإسلامية لتطوير العمل المشترك بينها وبين المنظمة، راح يبدى بعضُا من المفردات الهازلة والساخرة والتى تمس رئيس الجمهورية المصري، الذى يعبر عن الدولة والأمة المصرية الأكثر عراقة ورسوخاً وتمديناً فى هذه المنطقة من العالم، وهو أمر يشكل إخلالا جسيما بمهام منصبه، وخروجا سافرا على التقاليد والأعراف السياسية والدبلوماسية. رجل يخلط عفوا أو عمداً بين رئيسى دولتين هما السيد باجى قائد السبسى، والسيد عبد الفتاح السيسي، ويسخر من أحد تعبيرات حديث رئيس الدولة المصرية فى شأن داخلي، لهو تعبير عمدى بلا نزاع، ويشير إلى خفة لا تحتمل، ويدفع إلى توسيع الخلافات بين دولته، وبين مصر، وهو أمر بالغ الخطورة فى وقت عصيب تجتازه المنطقة، التى تجتاحها موجات من العنف والإرهاب والصراعات، وتتطلب من كل دولة ونظام سياسى ونخبته الحاكمة أعلى مستويات اليقظة والفطنة، والحساسية، والخيال السياسى الخلاق، والعزم على تخفيض الخلافات السياسية وتعظيم المشتركات أو نقاط الالتقاء فى السياسة الخارجية للبلدان الشقيقة، بديلاً عن الخفة والرعونة وعدم التبصر فى اللغة السياسية، وفى قرارات السياسة الخارجية والداخلية فى شأن العلاقات بين الدول، لاسيما بين المملكة العربية السعودية، والدولة المصرية / الأمة نسيج وحدها فى هذه المنطقة من العالم، والتى على الرغم من تكالب أزماتها، لا تزال قادرة على التعامل مع عديد الأزمات والمشكلات الإقليمية. ما أقدم عليه الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى أمُر بالغ الخطورة، أما موقف وزير التعليم المصرى فكان دون مستوى الرد المطلوب على سخرية الأمين العام، وكان ينبغى أن يرد عليه على نحو رصين وبأقوى العبارات لأنه لا يجوز قط إهانة رمز الدولة المصرية / الأمة أياً كانت الاختلافات أو التوافق معه فى سياساته بين المواطنين أو النخبة المصرية الداعمة له، أو المعارضة لسياساته رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمزها أمام العالم الخارجى واحترامه واجب وفق الأعراف والتقاليد الدبلوماسية بين الدول، ومن ثم تبدو خفة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامى لا تحتمل، لأن هناك لغة كونية لمنظمات دولية وإقليمية النشاط، فى مخاطبة رؤساء الدول، بل ومنظومة من المصطلحات الدبلوماسية والمنظماتية إذا جاز التعبير تستخدم فى الخطابات الافتتاحية، وفى المناقشات والحوارات، وفى صياغة البيانات الختامية والإعلانات والاتفاقيات التى تعتمد على بنية محددة واصطلاحات متخصصة وتبتعد عن اللغة الخشنة أو العنف اللفظى فى الخطابات أو البيانات، وهو أمور يتعلمها الدبلوماسيون ورجال الدولة منذ انخراطهم فى العمل الدبلوماسي، أو العمل فى إطار الدولة ووزاراتها، وليس الأمر مقصوراً فقط على وزارة الخارجية، وإنما لجميع الوزارات والوزراء. إن الخطاب الفظ وغير اللائق للأمين العام المستقيل يشير إلى مشكلة أكبر فى رجال الدولة والمنظمات الإقليمية والدولية فى المنطقة العربية، وهى أنهم أبناء اللاسياسة وموتها الممتد فى العالم العربي، ومن ثم هم جزء من تشكيلات النخب السياسية الحاكمة القادمين من مصادر بيروقراطية وتكنوقراطية غير مسيسة، ومن ثم يفتقرون إلى رأسمال خبراتى فى السياسة وتنافساتها وصراعاتها بين مدارس فكرية وسياسية مختلفة، ومن خلال المنافسة السياسية يتشكل وعيهم وخبراتهم وحساسيتهم، والأهم التفكير السياسى المنظم، واللغة الرصينة التى يسيطر على عباراتها ومجازاتها السياسي، أى لغة العقل الرشيدة والدالة على عمق المعرفة ورهافة الوعى السياسى وحساسية المعرفة بالعالم المتغير. من المثير ملاحظة أن سياسة اللاسياسة فى الإقليم العربى حافلة فى تاريخها بعديد تجاوزات خطابات رجال الدولة وفق ما هو سائد فى دولة المنطقة وجوارها التى تعكس العفوية والشطط والانفعال فى مخاطبة الدول الأخرى ورؤسائها وملوكها والذى يصل فى بعض الأحيان إلى المساس الشخصى الذى يحملُ إهانات تؤدى إلى توترات وأزمات بين الدول الشقيقة وبعضها. لمزيد من مقالات نبيل عبدالفتاح