حالة واضحة من الحزن سادت بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها «فيس بوك» صباح السبت 22 أكتوبر، حيث تحولت إلى مأتم كبير، عقب الكشف عن استشهاد العميد «عادل رجائي» برصاص مجهول في مدينة العبور، فقد انهالت التعازي وكلمات المواساة على صفحة الزميلة «سامية زين العابدين» محررة الشئون العسكرية وزوجة الشهيد الراحل، وقد أثلجت صدورنا جميعا عندما ظهرت برباطة جأش نادرة، لتبدو نموذجا يحتذى فى الوطنية، عندما وجهت رسالة بصوت عالى إلى كل قادة وضباط جيشنا الباسل، أكدت فيها بأنها لن تصاب بالخوف والفزع، ومن ثم فإن على الضباط التماسك والحفاظ على كل ذرة تراب على أرض مصر، وأن إخوان الصهاينة الأنجأس - على حد قولها - سيدحرون ويدخلون السجون، وإننا سننتصر عليهم وعلى أمريكا وبريطانيا وكافة أجهزة المخابرات الدولية، والعملاء الخونة فى الداخل والخارج. وعلى الرغم من شدة حزنها وألمها الجلل، إلا أنها كانت متماسكة لأقصى درجة، وسط زملائه وتلاميذه وأبنائه من الضباط والجنود الذين التفوا من حولها قائلين : هنيئا لك بالشهيد البطل العميد «عادل رجائى» وحقه ودمه لن يذهب هباءا أبدأ، مهما طال الوقت، ولم ولن نترك حقك يا شهيد، وسنظل نثأر لك حتى آخر قطرة دم فينا، وبإذن الله لن نخذلك، ولن نتراجع ولن نهاب الموت أبدا، وسوف ندحر الإرهاب وتجار الدين، فهو وعد ودين علينا، حقك راجع يا شهيد ان شاء الله تعالى قريبا جدا. صحيح أن الآلاف من المتابعين أعربوا عن تضامنهم مع أسرة الشهيد، الذي لقى ربه شهيدا أمام منزله، وهو نوع من الامتنان تقديرا لبطولاته النادرة كقائد عسكري بطل خاصة إنه كان مسؤولًا عن ملف هدم الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة وشمال سيناء، وعلى كثرة برقيات التعازي التي تعبرعن اعتزاز الشعب المصري بالشهيد البطل، إلا أن ما ذكر من مناقبه لايعدو كونه شذرات من سجل حافل بالمواقف الشجاعة والإنسانية، حتى لقبه جيرانه وجنوده ب « رجل المهام الصعبة « نظرا لارتباطه وحبه الشديد لعمله في القوات المسلحة، كما امتاز بحب الأهالي، وكان جنوده يلقبونه ب «أبو الجميع» لقوة علاقته بهم. يبدو لافتا للنظر بأن الشهيد «رجائي» لم يرزق بأبناء أو بنات، لكنه كان يعتبر أن كل فرد في فرقته إبنا له، ومن ثم فقد وهب نفسه ودمه لتراب هذا الوطن، وتلك هى عقيدة الجيش المصري، فإذا كان هناك عناصر توضع في الحسبان عند تصنيف أقوى الجيوش على مستوى العالم فإن هناك عناصر لاتدخل في قياس القوى العسكرية غير محسوسة منها العقيدة القتالية والحالة المعنوية، فلا يمكن قياسها وهذه العناصر تؤثر كثيرًا رغم عدم القدرة فى وضع معيار لها، ويبقى العامل البشرى أهم من التسليح ولا يؤخذ فى التصنيف مداره، ففى أكتوبر 1973لم تكن مصر الأقوى تسليحا، لكنها بعنصرها البشرى المعروف بعقيدته القتالية الفريدة استطاعت تحقيق النصر. وبوصف الخبير الاستراتيجى «اللواء عادل العمدة» ، فإن إحصائيات تصنيف الجيوش توصف بالاجتهادية من قبل مراكز البحوث المعنية بهذا الأمر، إذ أن تلك المراكز تتحرك وفقًا لمصالح الدول التابعة لها، خاصة أجهزة الاستخبارات، فلا تعلن أشياء بدون أهداف، وتلك المعلومات تأتى فى ظل حروب الجيل الرابع للحروب، فمن يقود الطائرة أو الغواصة أو أى معدة هو العنصر البشرى، وبالتالى هو العامل الفصل ولا يمكن حساب العقيدة والإرادة فى المعارك أو التقييم النفسى للمقاتل، وإنما تعتمد تلك الجهات على عناصر منها ما هو منشور على شبكات المعلومات وقد تكون غير صحيحة، ففى حرب أكتوبر 1973 كانت مصر تقاتل بدبابات موجودة منذ عام 1954، فى وقت أن كانت إسرائيل تملك أحدث الدبابات فى العالم لكن المقاتل المصرى لا يوجد مثيله فى الوجود والتاريخ خير شاهد وحديث النبى أيضًا «إذا نزلتم مصر فاتخذوا بها جندًا كثيرًا فإنهم خير أجناد الأرض. إن المعرفة عن الجيوش إذن يجب أن تكون على قدر الحاجة، ويجب ألا نهتم بتلك التصنيفات، بل نؤمن ونثق أن الجيش المصرى قادر على مواجهة التحديات ومجابهتها حاليًا ومستقبلاً في سبيل حماية الأمن القومي، بفضل عقيدة المقاتل الفرد المصري دون غيره من المقاتلين، وهناك ثلاثة أشياء يتم وضعها فى الاعتبار فى ترتيب الجيوش العسكرية كما يقول اللواء محمد الشهاوى الخبير الاستراتيجى ،هى ميزانية التسليح لكل جيش من الجيوش، ثانيًا القوى البشرية الموجودة من الضباط وضباط الصف والجنود، ثالثًا أنظمة التسليح الموجودة، ويرى الشهاوى أن الجيش المصرى مركزه الطبيعى رقم 9 على مستوى العالم، وليس 13 كما تزعم تلك الجهات المصنفة لأن الجيش طبقًا لعقيدته القتالية الأول، ثم القوى البشرية التى تزيد على المليون، ثم أنظمة التسليح التى تتنوع ما بين منظومة التسليح الغربى ومنظومة التسليح الشرقى، فلدينا أسلحة من الشرق ويتم تجديد الصيانات المطلوبة لها وتميز الجيش جعل الدول تسعى لعمل مناورات مثل قبرص والإمارات وغيرها. وفي النهاية لنا أن نفخر بأن الجيش المصرى ذو تاريخ عريق ومشرف منذ أكثر من 1260 عاما قبل الميلاد، فمع الملك «زوسر» بدأ تشكيل الجيش، وإن كان الجيش المصرى الحديث بدأ مع محمد على، ومن ثم يبدو واضحا أن بعض ترتيبات الجيوش حقيقية، لأنها تعتمد على حقائق وتعتمد على التسليح ونوعية التدريب ، لكن التصنيفات العالمية تتجاهل العقيدة القتالية الفريدة للجيش المصري، تلك التي نشأ عليها الشهيد البطل عادل رجائي» الذي لم يُرزق بأبناء، وكان يُقيم مع زوجته في منزل متواضع بمدينة العبور حتى فاضت روحه الطاهرة أمام أبوابه المشرعة على حب التضحية والفداء ، فمنذ بداية التحاقه بالكلية الحربية، وتدرجه في المناصب العسكرية، حتى وصل لمنصب قائد أركان حرب قائد الفرقة التاسعة مدرعات بدهشور، ثم قائدا لها في فترة عصيبة من تاريخ مصر، ضرب الشهيد أروع الأمثلة في التحدي والتصدي لفلول الإرهاب عبر الأنفاق لينال في نهاية المشوار شرف الشهادة، وأن يكون أول ضابط بالجيش المصري بهذه الرتبة والمستوى القيادي يتم اغتياله، عقب الثالث من يوليو في مصر، وهو الذي لم يرغب في العودة من شمال سيناء؛ بالرغم من تعرضه للكثير من المخاطر بها لذا كان يتمتع بشعبية بين الأهالي والجنود على السواء من فرط بطولته النادرة ... فإلى جنة الخلد ياشهيد.