حظيت ظاهرة الهجرة غير الشرعية باهتمام قادة مصر وقبرص واليونان فى القمة الثلاثية التى جمعتهم فى القاهرة، فى ظل انعكاساتها السلبية على كل من الدول المصدرة والمستقبلة للهجرة وكذا دول العبور نتيجة تزايد حالة عدم الاستقرار السياسى والحروب الأهلية فى القارة الأفريقية والحالة التى يشهدها العالم العربى من ثورات وانقسامات وتزايد الصراعات العرقية والطائفية المسلحة خاصة فى كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن من ناحية , وتردى الأوضاع الاقتصادية لأغلب دول القارة الأفريقية . وازدادت تيارات الهجرة إلى أوروبا عبر البحر المتوسط نتيجة للبطالة والفقر وانخفاض مستوى المعيشة والتى من المتوقع تزايدها بقوة فى السنوات القادمة فى ظل الظروف الراهنة التى تمر بها المنطقة ، حيث يعد البحر المتوسط الناقل الرئيسى لتدفقات الهجرة غير الشرعية من نقاط وأماكن تجميع المهاجرين على سواحله الجنوبية فى الشمال الأفريقى إلى السواحل الأوروبية ومنها إلى داخل القارة الأوروبية , مما أدى إلى تنامى دور عصابات الجريمة المنظمة فى مجال الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، وبما اسهم فى وضع تلك القضية على رأس الأولويات السياسية فى معظم الدول الأوروبية حالياً . وتحتل السواحل المصرية المركز الثانى على مستوى إفريقيا فى تصدير الهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا، وتأتى ليبيا فى المركز الأول نظرا لقربها الجغرافى من السواحل الإيطالية، وقد ارتفع معدل الهجرة غير الشرعية من السواحل المصرية نحو أوروبا بنسبة 11 بالمائة، لتصبح ثانى أهم بلد بعد ليبيا فى الهجرة إلى أوروبا، وفقا لما صرحت به وزارة الخارجية الألمانية الشهر الماضى ، كما أشار رئيس الاستخبارات الإيطالية «آمريو بارينتي» أمام لجنة الشئون الداخلية للبرلمان الإيطالى إلى أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر السواحل المصرية تضاعف خلال النصف الأول من عام 2016، بالمقارنة مع أعدادهم خلال العام الماضي، ويرجع ارتفاع عمليات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من السواحل المصرية، رغم كل المخاطر المحيطة بالرحلة ، مؤكداً أن مصر أصبحت الممر الأكثر أمناً بالمقارنة مع منافستها ليبيا التى تدهورت الأوضاع الأمنية بها بعد سقوط القذافي، خاصة بعد إغلاق طريق البلقان تنفيذاً لبنود الاتفاق التركى - الأوروبى ، الأمر الذى دفع بالكثيرين إلى اختيار مصر كبديل للعبور إلى أوروبا. وتشكل هذه القضية محور اهتمام القيادة السياسية فى مصر نتيجة تعرض الشباب المصرى لحوادث الغرق فى البحر المتوسط، وقد جاءت ردود فعل بعض الناجين من حادث غرق مركب رشيد نهاية شهر سبتمبر الماضى والتى راح ضحيتها 160 من أبناء الشعب المصرى صادمة فى ظل إصرارهم على تكرار تلك التجارب بدعوى سعيهم لتحسين أوضاعهم المعيشية، فى ضوء تأكيد السيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسى مسئوليته أمام الله عن كل إنسان يسقط ضحية للهجرة غير الشرعية، مؤكداً أنه سيمنح الشباب تسهيلات فى المناطق الصناعية، مع إعطاء توجيهاته لإنهاء جميع العوائق البيروقراطية أمام الاستثمارات الصغيرة والمتناهية الصغر، وطرح المشروعات الجديدة بالتراخيص اللازمة، حتى يبدأ المستثمر فى عمله مباشرة، وأن الدولة بدأت فى إنشاء عدد من المصانع المتعلقة بالاستزراع السمكي، خاصة فى منطقة رشيد التى شهدت وقوع حادثة غرق الشباب، كما تم إنشاء 6 مصانع فى محافظة كفر الشيخ التى سقط منها ضحايا فى الحادث، الأمر الذى يتطلب ضرورة قيام الجهات المعنية بالدولة بالتنسيق مع وزارة القوى العاملة والهجرة لإعداد إستراتيجية متعددة الأبعاد أمنية وقانونية واقتصادية وإعلامية للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية للحفاظ على سلامة آلاف الشباب. كما يتطلب علاج مشكلة راغبى الهجرة نظرة مجتمعية شاملة لأوضاع الشباب باعتبارهم من أهم موارد الدولة إذا تم التعامل معهم على أسس إدارة التنمية البشرية ، وفى ضوء ارتفاع إعداد الشباب المصرى المهاجر بطريقة غير شرعية والنتائج السلبية المترتبة على ذلك وبالرغم من أن المبالغ المالية التى يتحملها الشاب الراغب فى الهجرة يمكن أن تكون أساساً لابأس به لتغيير حياته فى بلده إذا قرر أن يبذل الجهد نفسه الذى من المؤكد أن يبذله فى أرض المهجر، لكن يظل دوما «حلم» الغنى والثراء أكبر أثرا من كل حديث يستند إلى مفردات «الواقع»، ومن ثم فإن مواجهة تلك الظاهرة تتطلب تنسيق التعاون السياسى والأمنى والاعتماد على خطط أمنية محكمة بين جميع الأطراف المعنية بالهجرة غير الشرعية بهدف تشديد الرقابة على الحدود البرية والبحرية لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين صوب الشواطئ الأوروبية وتفعيل التضامن والتكامل الاقتصادى المصرى والعربى والأفريقى بالتنسيق مع دول الإتحاد الأوروبى مع الحفاظ على علاقات إستراتيجية متوازنة مع تلك الدول وبناء شراكة جادة ومثمرة لمجابهة التهديدات والتحديات والمخاطر الناتجة من تدفق آلاف المهاجرين باتجاه شواطئ أوروبا عبر البحر المتوسط . أصبح موضوع الهجرة غير الشرعية قضية تحتاج إلى دراسات جديدة يتم تناولها من أبعاد متعددة حسب التخصصات العلمية ذات الصلة ولمختلف المجتمعات والثقافات، خاصة بعد أن أضحت الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا أمراً شائعاً وبدرجة متزايدة سعياً وراء مستوى معيشة أفضل وهرباً من واقع أليم، حيث تتمثل آليات المعالجة فى تضافر جهود جميع الوزارات والهيئات المعنية والأجهزة المختصة بالحكومة، بما فى ذلك الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ووزارة الدفاع وقوات حرس الحدود، فضلا عن دور القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الأوروبية الموجودة فى مصر لمواجهة والقضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بهدف تحقيق الاستقرار والتنمية والتماسك الاجتماعي، مع تعميق الانتماء والهوية المصرية ومواجهة جميع المشكلات الاجتماعية وتحسين الأوضاع المعيشية وتعزيز منظومة القيم الدينية، والعمل على مواكبة التكنولوجيا والارتقاء بمستوى الرسالة الإعلامية من حيث الشكل والمضمون بما يحقق تفاعل الجماهير معها, ولتحقيق الهدف المنشود ينبغى وضع جريمة الهجرة غير الشرعية تحت بند جرائم الاتجار بالبشر واتخاذ وزارة الخارجية والسفارات المصرية بالخارج إجراءات تسهم فى تشجيع المهاجر غير الشرعى لتوفيق أوضاعه داخل السفارة، وتشريع قانون يجرم الهجرة غير الشرعية وينص على معاقبة سماسرة الهجرة غير الشرعية , ومصادرة المراكب المستخدمة فى الهجرة غير الشرعية، مع تبنى إستراتيجية واضحة للحد من هجرات الشباب غير الشرعية والتى تقوم على أساس من التنمية البشرية وزيادة معدلات التنمية لتوفير فرص العمل والحد من البطالة ويتعاون على تنفيذها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وضرورة التوسع فى المشروعات كثيفة العمالة , فضلاً عن أهمية تدشين حملة إعلامية لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتسليط الضوء على المخاطر الناتجة عنها ووضع رؤية واضحة لدور الإعلام لمعالجة القضية بكل جوانبها لمزيد من مقالات ◀لواء : محمد عبد المقصود