أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عددًا جديدًا من مجلة "آفاق اقتصادية معاصرة"، وهي مجلة تصدر شهريًّا عن المركز لتقدم إطلالة على الآراء الاقتصادية المختلفة لأبرز الخبراء والمحللين سواء من داخل مصر أو من خارجها والتي تشغل الدوائر الاقتصادية؛ لتقديم رؤى اقتصادية متكاملة لأهم الموضوعات الاقتصادية على الساحة، واستعراضًا لأبرز المؤشرات المحلية والدولية مع التركيز على موضوع محدد في كل عدد، وقد جاء العدد الجديد بعنوان "الاستقرار المالي العالمي.. إلى أين؟". تضمنت المجلة مقدمة بواسطة الذكاء الاصطناعي، أشارت إلى تقديم هذا العدد قراءة معمقة لمشهد الاقتصاد العالمي الراهن، من منظور الاستقرار المالي والحوكمة الاقتصادية، مستعرضًا أبرز المخاطر والتحديات التي تواجه النظام المالي الدولي، ودور المؤسسات الدولية والتكتلات الاقتصادية الكبرى في إعادة صياغة توازناته المستقبلية، بما يعكس اتجاه العالم نحو نظام اقتصادي أكثر تداخلا وتعددا في مراكزه ومصادر قوته. وأشارت الإصدارة إلى أن الاقتصاد العالمي يشهد في المرحلة الراهنة تحولات عميقة تعيد رسم موازين القوى الاقتصادية والمالية في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتفاقم الديون السيادية، وتزايد هشاشة الأسواق، إلى جانب التحولات التكنولوجية السريعة التي تمس بنية النظام المالي الدولي، فقد بات الاستقرار المالي الذي يُعد شرطًا أساسيًا للنمو المستدام عرضة لضغوط متراكمة ناتجة عن تداخل العوامل الاقتصادية والسياسية والبيئية والتقنية، بما في ذلك تراجع النمو العالمي المتوقع إلى 2.3% في عام 2025 مقابل 2.8% في عام 2024، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. وفي هذا السياق، تشير تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أن النظام المالي العالمي أصبح أكثر هشاشة بسبب ارتفاع تقييمات الأصول فوق مستوياتها العادلة، وتزايد ارتباط المؤسسات المالية غير المصرفية بالبنوك، وارتفاع مستويات الدين العام التي تجاوزت 93% من الناتج الاقتصادي العالمي، كما يظهر المشهد المالي الدولي اختلالات هيكلية ناتجة عن تركز أسواق رأس المال في الولاياتالمتحدةالأمريكية وضعف السيولة في الأسواق السيادية وازدياد مخاطر العدوى المالية عبر القنوات غير المصرفية ما يجعل الاستقرار المالي عرضة لتقلبات حادة عند أي اضطراب. وعلى الصعيد المؤسسي، يواجه كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحديات متزايدة في ظل بيئة مالية تتسم بتعدد الأقطاب وتطور الأدوات الرقمية إذ يتجه الصندوق نحو توسيع الرقابة الكلية وتبني التكنولوجيا في تحليل المخاطر فيما يسعى البنك الدولي إلى تعزيز الاستدامة المالية ودعم التمويل الأخضر والرقمي لبناء مرونة هيكلية طويلة الأجل، وتكشف هذه الاتجاهات عن إعادة تعريف جوهر الحوكمة المالية العالمية بحيث تجمع بين أدوات الاستقرار المالي والتكيف مع الثورة الرقمية والتحول البيني. في موازاة ذلك، تبرز مجموعة "البريكس" كفاعل رئيس في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي من خلال تعزيز استخدام العملات المحلية وتطوير مؤسسات بديلة مثل بنك التنمية الجديد ومنصة "بريكس باي" للمدفوعات العابرة للحدود في محاولة لبناء نظام مالي متعدد الأقطاب أكثر عدالة وشمولاً. تضمن العدد مجموعة من مقالات الرأي لنخبة من الباحثين والأكاديميين والخبراء المتخصصين، كان من أبرزها، مقال بعنوان "مخاطر الاستقرار المالي في عالم مضطرب: قراءة في تقارير المؤسسات الدولية"، للدكتور أحمد معطي خبير أسواق المال والذي أوضح أن أسواق رأس المال تعد عاملًا أساسيًا لاستدامة نمو النشاط الاقتصادي كما تعتبر من أهم آليات توفير جمع الأموال وتخصيص الموارد بكفاءة، بالتالي فإن استقرار هذه الأسواق والمؤسسات المالية التي تتوسط فيها أمر بالغ الأهمية للاقتصاد الكلي، لا سيما في ظل ارتفاع تقلبات السوق وعدم اليقين الاقتصادي، كما هو الحال الآن، وأوضح تقرير "صندوق النقد الدولي" والذي نشر في أبريل 2025 حول الاستقرار المالي العالمي، أن تقييم مخاطر الاستقرار المالي العالمي قد ازداد بشكل ملحوظ مدفوعة بتشديد الأوضاع المالية وتفاقم حالة عدم اليقين التجاري والجيوسياسي، ويدعم ذلك التقييم ثلاث نقاط ضعف بارزة في النظام المالي: - أولا: أن أسواق رأس المال أصبحت أكثر تركيزا في دولة واحدة، فقد شكلت الولاياتالمتحدةالأمريكية حوالي 55% من سوق الأسهم العالمية مقارنًة ب 30% منذ عقدين، والأخطر من ذلك أن تقييمات العديد من الأصول تتجاوز القيمة العادلة وبالتالي تزداد المخاوف من تصحيحات سعرية عميقة قد تلحق الضرر الشديد بمدخرات الأفراد والمستثمرين واستدامة نمو الدول والاستقرار المالي. - ثانيًا: المؤسسات المالية غير المصرفية أصبحت أكثر نشاطًا في تحويل المدخرات تجاه الاستثمارات منذ عام 2008، وتزداد ارتباطًا بالبنوك مع الوقت، وقد تشهد بعض المؤسسات المالية ضغوطا بسبب زيادة موجات البيع مما يؤدي إلى تخفيض نسب الرفع المالي في القطاع، وبالتالي تفاقم الاضطرابات السوقية. - ثالثًا: شهدت مستويات الدين السيادي العالمي زيادة كبيرة خلال العقد الأخير فقد ارتفع حجم الدين السيادي إلى نحو 93% من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، بعد أن كان 78% قبل عشر سنوات فقط ما يعكس اعتمادًا متزايدًا على الاقتراض الحكومي لتمويل الإنفاق العام. وقد ترافق ذلك مع ارتفاع تكلفة التمويل بالأسعار الاسمية والحقيقية، الأمر الذي يزيد أعباء خدمة الدين. وقدم المقال عدد من التوصيات والتي جاء من أبرزها: - أهمية مراعاة البنوك المركزية للمخاطر الناجمة عن تزايد ارتباطها بالمؤسسات غير المصرفية، وهو ما يتطلب من البنوك الالتزام بالتطبيق الكامل لاتفاقية "بازل 3 " (Basel III) وغيرها من المعايير التنظيمية المصرفية المتفق عليها دوليًا. - تبرز الحاجة إلى تعزيز مرونة أسواق السندات عبر تبني سياسات مالية وتنظيمية أكثر كفاءة، في ظل الارتفاع المستمر في مستويات الديون السيادية، ويتطلب ذلك توسيع نطاق المقاصة المركزية للسندات لضمان تسوية آمنة وشفافة للمعاملات، والحد من مخاطر الأطراف المقابلة التي قد تؤثر في استقرار السوق. - اتجاه الأسواق الناشئة نحو التحول من الاعتماد على السندات الحكومية قصيرة الأجل إلى إصدار سندات متوسطة وطويلة الأجل، يُسهم في تعزيز الاستقرار المالي من خلال تقليل مخاطر إعادة التمويل وتخفيف الضغوط على الموازنات العامة في مواجهة تقلبات الأسواق. - يتعين على البنوك المركزية والمؤسسات المالية غير المصرفية العمل على تنويع محافظ أصولها من العملات والسلع، وتجنّب الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي فقط خاصًة في ظل تراجع قيمته. - ينبغي للبنوك المركزية تسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة بما يتوافق مع مستهدفات التضخم، وذلك للحد من أعباء خدمة الدين على ميزانيات الدول والأسر والشركات، بما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي وتقليل مخاطر التعثر في السداد، لا سيما في ظل ارتفاع مستويات الديون السيادية عالميًا. - تعزيز استدامة نظام التقاعد وتطويره عبر رفع معدلات الادخار التقاعدي لكبار السن بما يسهم في مواجهة التحديات التي تفرضها شيخوخة السكان على الاستقرار المالي. - من الضروري أن تعمل البنوك المركزية على تشديد ضوابط منح قروض الرهن العقاري للأفراد مع التزام البنوك بالحفاظ على توازن محافظها الائتمانية بما يحد من التركز المفرط في هذا النوع من القروض، وبما يعزز متانة النظام المالي واستدامة الاستقرار الاقتصادي. وتضمن العدد مقالًا للأستاذة تغريد بدر الدين مدرسة مساعدة في الاقتصاد بكلية السياسة والاقتصاد جامعة بني سويف، تحت عنوان "آفاق الاستقرار المالي العالمي.. نظرة على الأداء الراهن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي"، حيث قدمت رؤية مستقبلية لتطوير دور الصندوق والبنك الدولي والمؤسسات المالية الأخرى وذلك على النحو التالي: 1- صندوق النقد الدولي: من المرجح أن يتطور دور الصندوق في المرحلة القادمة نحو زيادة المرونة المؤسسية والتوسع التحليلي في تقييم المخاطر النظامية، ويشير "تقرير الاستقرار المالي العالمي لعام 2025 إلى أن المخاطر الكبرى لم تعد مقصورة على المؤسسات المصرفية بل باتت تمتد إلى الأسواق غير المنظمة وأنظمة الدفع الرقمية، فقد حذر الصندوق من تزايد الهشاشة في أسواق الصرف الأجنبي وتوسع انكشاف المؤسسات غير المصرفية، داعيًا إلى توسيع الرقابة الكلية وتحسين الشفافية في تدفقات رأس المال، وفي ضوء ذلك من المتوقع أن يعيد الصندوق صياغة أدواته على مستويين رئيسين، أولًا توسيع أدوات الإقراض الوقائية قصيرة الأجل، مثل (Short-term Liquidity Line)، لتأمين الدول من أزمات السيولة الفورية، وثانيًا دمج التكنولوجيا في الرقابة والتحليل المالي من خلال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة بغية تطوير نظم إنذار مبكر تتنبأ بالأزمات وتكشف الاختلالات العابرة للأسواق قبل تفاقمها. 2- البنك الدولي: من المتوقع أن يتحول من مؤسسة تمويل تنموي تقليدية إلى فاعل رئيس في بناء المرونة المالية الهيكلية، فالأزمات المتكررة كشفت ضعف قدرة الدول النامية على الصمود أمام الصدمات الخارجية، مما يتطلب تمويلات مرنة مرتبطة بإصلاحات هيكلية طويلة الأجل، وفي هذا السياق يدعو البنك إلى توسيع نطاق التمويل الميسر والدعم الفني لبناء نظم مالية رقمية قادرة على امتصاص الصدمات ودعم النمو الشامل. 3- المؤسسات المالية الأخرى: في ظل التحول نحو نظام مالي متعدد المراكز يُتوقع أن تؤدي المؤسسات المالية الدولية الأخرى مثل بنك التسويات الدولية (BIS) والمؤسسات الإقليمية كالبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) والبنك الإفريقي للتنمية (AFDB) دورًا أكثر تكاملاً في دعم استقرار النظام المالي العالمي، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن التنسيق بين هذه المؤسسات يمكن أن يخلق شبكة أمان مالي أكثر تدرجًا ومرونة بحيث تعمل الآليات الإقليمية كخط دفاع أول، فيما يتولى الصندوق والبنك التنسيق العالمي والتمويل واسع النطاق، ومع ذلك يحذر الخبراء من أن تعدد الأطراف الفاعلة قد يؤدي إلى ازدواجية في المهام وتضارب في الاستجابات ما لم توضع أطر حوكمة واضحة لتوزيع الأدوار والمسؤوليات. 4- التحول نحو الحوكمة الرقمية والتمويل الأخضر: والتي تعد أحد الاتجاهات المحورية التي ستعيد صياغة أدوار المؤسسات المالية الدولية إذ تُظهر الأدبيات أن مستقبل الاستقرار المالي سيتوقف على قدرة هذه المؤسسات على إدارة المخاطر الناجمة عن الرقمنة -مثل الأمن السيبراني، وأنظمة الدفع اللحظي والعملات الرقمية للبنوك المركزية- بالتوازي مع دمج الأبعاد المناخية في تقييمات الاستقرار المالي، ومن المتوقع أن تتبنى كل من مؤسسات "بريتون وودز" إطارًا مزدوجًا يجمع بين الرقابة على المخاطر الرقمية والسيبرانية ضمن آليات الاستقرار المالي، ودعم تمويل المناخ والانتقال الأخضر باعتباره جزء من الاستقرار الاقتصادي طويل الأمد، وتعيد هذه التوجهات الجديدة تعريف الاستقرار المالي ليصبح مفهومًا "هجينا" يجمع بين السيولة والكفاءة التقنية والمرونة البيئية. وأوضح المقال في ختامه أنه يمكن القول إن الاستقرار المالي العالمي يقف اليوم عند مفترق طرق تاريخي تتقاطع فيه التحديات الاقتصادية مع التحولات التكنولوجية والبيئية والجيوسياسية فقد أظهر تقرير الاستقرار المالي العالمي لصندوق النقد الدولي (2025) أن النظام المالي العالمي يبدو ظاهريا أكثر هدوءً لكنه يخفي تحت هذا السطح درجة عالية من الهشاشة البنيوية في أسواق الصرف الأجنبي، وأسواق الديون السيادية والمؤسسات غير المصرفية، هذه المخاطر الهيكلية تتطلب نهجًا أكثر تكاملًا ومرونة في الحوكمة المالية الدولية، يعيد النظر في الأدوار التقليدية لكل من صندوق النقد والبنك الدولي، فمن ناحية يُتوقع أن يظل صندوق النقد الدولي الركيزة الأساسية في منظومة الاستقرار المالي لكن بمهام محدثة تشمل التعامل مع المخاطر الرقمية، وإدارة الصدمات السيادية، وتعزيز الشفافية في تدفقات رأس المال. ومن مقالات العدد مقالًا للأستاذة الدكتورة منى صبحي نور الدين أستاذة الجغرافيا الاقتصادية ووكيلة كلية الدراسات الإنسانية للدراسات العليا والبحوث بجامعة الأزهر، تحت عنوان "المراكز المالية العالمية أهميتها وتوزيعها الجغرافي وتأثيراتها الاقتصادية"، حيث يهدف هذا المقال إلى إبراز الدور المحوري الذي تؤديه المراكز المالية في دعم الاقتصاد العالمي من خلال تحليل مفهومها وأهميتها وتوزيعها الجغرافي وتأثيراتها الاقتصادية، موضحًا كيف أصبحت هذه المراكز ركيزة أساسية لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات وتعزيز التجارة والخدمات المالية عبر الحدود، كما تناول المقال العوامل التي تحدد تنافسية المراكز المالية مثل البيئة التنظيمية والبنية التحتية والتقدم التكنولوجي ورأس المال البشري، مع استعراض لأبرز المراكز العالمية وفق مؤشرات الأداء المالي الدولي وتوزيعها الإقليمي في أمريكاالشمالية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وأوضح المقال أن المراكز المالية تمثل الدعامة الأساسية للاقتصاد العالمي المعاصر إذ تشكل محركات رئيسة لتدفق رؤوس الأموال وتنشيط التجارة والاستثمار عبر الحدود، فضلًا عن دورها في دعم الابتكار المالي وتطوير الأدوات والأسواق الحديثة ويعتمد استمرار قوة هذه المراكز على قدرتها في مواكبة التحولات التكنولوجية، وتعزيز الشفافية، وتوفير بيئة تنظيمية مستقرة وجاذبة للمستثمرين، كما أن التوازن بين التنافسية والانفتاح من جهة والرقابة والاستدامة من جهة أخرى يعد شرطًا جوهريًا للحفاظ على مكانة هذه المراكز ضمن النظام المالي الدولي وضمان مساهمتها الفاعلة في تحقيق النمو الاقتصادي العالمي المستدام.