مصر والسعودية وجهان لعملة واحدة، ولكي تصبح العملة قوية ومؤثرة وسارية المفعول، فهي تحتاج إلي الوجهين معا، فمصر هي قلب العرب النابض ومصدر قوتهم وثقلهم الإستراتيجي، ودائما وابدا كانت في المقدمة للدفاع عن الأراضي والشعوب العربية والحقوق التاريخية لهم، ولم تبخل بالدم أو المال لاسترداد الحقوق العربية، ورغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها فهي تقوم بواجبها علي أكمل وجه في جميع المحافل وعلي جميع الأصعدة، بدءا من القضية الفلسطينية ومرورا بالأزمة الليبية واليمنية وأنتهاء بالكارثة السورية. موقف مصر ثابت لايتغير في كل هذه الأزمات أو غيرها، وهو يتلخص في ضرورة الحفاظ علي تلك الدول بغض النظر عن الأشخاص وعودة السلام إلي شعوبها، واعطاء الحق لتلك الشعوب في تقرير مصيرها بعيدا عن التدخلات الخارجية أو المؤامرات الداخلية. لا تنحاز مصر لطرف علي حساب طرف آخر، لكنها تنحاز إلي مصلحة الشعوب وتدافع عن حقهم في عودة السلام والاستقرار إلي دولهم دون الوقوع في بئر المخططات الأجنبية الخبيثة لتدمير المنطقة وبعثرتها، وهي المخططات التي تم التحضير لها في الدول الكبري منذ عملية غزو العراق، وإعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بدعوي أوهام امتلاك الأسلحة النووية والأمريكية، التي ثبت زيفها، بعد خراب مالطة »وانطلاق المخطط الشيطاني يتحرك بمنتهي القوة حتي الآن لتدمير المنطقة ونهب ثرواتها. آخر تلك المخططات هو استهداف المملكة العربية السعودية من خلال إقرار قانون «جاستا» المثير للجدل الذي يستهدف معاقبة المملكة العربية السعودية علي أشياء وهمية ودعاوي كاذبة بزعم مساندتها ودعمها لمن قاموا بإرتكاب جرائم 11 سبتمبر الشهيرة في أمريكا. هو قانون وهمي وأكاذيب لكنها كرة الثلج الخبيثة التي انطلقت من قبل ضد العراق وضد دول المنطقة فيما عرف بالربيع العربي الذي كان يستهدف تدمير المنطقة بكاملها كما يحدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن الآن، ولولا ستر الله وعنايته ويقظة الشعب المصري ومساندة الجيش للشعب لوقعت مصر في الفخ. الآن هم يدبرون المكائد للمملكة العربية السعودية، وبدأت كرة الثلج بقانون «جاستا» وسوف تكبر وتتضخم تلك الكرة بالدعاوي القضائية التي بدأت أمام المحاكم هناك، والأخطر هو مساندة المرشحين للرئاسة الأمريكية (كلينتون وترامب) القانون للوصول إلي محاصرة المملكة وضرب إستقرارها تحت دعاوى كاذبة إلا إذا تنبهت المملكة ومعها كل العرب وفى مقدمتهم مصر لتفويت المخطط الشيطانى الأمريكى الخبيث. التعاون والتلاحم المصرى السعودى ليس ترفا، أو أنه يصب فى مصلحة دولة على حساب أخرى فلا بديل عن ذلك، ومن العبث أن يتم تجاهل الأحداث العالمية والظروف الإقليمية أثناء التعامل مع هذا الملف، فالسعودية هى قبلة العرب الروحية وتملك الامكانات المادية، ومصر هي قلب العرب ومصدر قوتهم وتملك اكبر وأقوى جيش عربى على الأطلاق ويحتل رقما متقدما في الترتيب العالمى للجيوش، فهو من أقوى عشرة جيوش على المستوى العالمى طبقا للتصنيفات العالمية المحايدة والمستقلة. كان الضلع العربى الثالث فى المثلث سوريا، لكن سوريا وقعت فى فخ المؤامرات وبدلا من أن تكون قوة ردع عربية تحولت الى أشلاء وفيها يرتكب كل الأطراف جرائم بشعة تصل الى مرتبة جرائم الحرب، كل ان الفصائل تقتل بعضها بعضا، وليس أفضل حالا منهم بشار وحكومته، ولأجل ذلك صوتت مصر على مشروعى القرار، اللذين عرضا على مجلس الامن مؤخرا سواء المشروع الفرنسى والمشروع الروسى، فالهدف ليس بشار أو غيره، وانما الهدف هو الدولة السورية والشعب السورى الذى تحول الى شعب من اللاجئين والأرامل والايتام، فالحفاظ على ما تبقى من الدولة والشعب له الأولوية ثم يأتى الحديث بعد ذلك عن مستقبل سوريا ونظامها السياسى ومن يستمر أو يختفى من المشهد. مصر من اكبر الدول التى تحتضن اللاجئين السوريين... تستقبلهم بكل ترحاب ويتقاسمون معنا لقمة العيش دون ضجر أو ضيق، رغم كل ظروفنا الصعبة، ولأن مصر اكتوت بنار المخططات الأجنبية القذرة فهى تريد الحفاظ على سوريا وجيشها وشعبها، لان البديل كارثى وهو أن تتحول الى بركة من الدماء والقتل وتقع فريسة للتطرف والارهاب، ويتحول مخطط التقسيم الحادث الآن الى حقيقة واقعة لتقام 3 دويلات متناحرة هناك تصبح مصدر قلق وتوتر وخنجرا فى ظهر كل دول المنطقة العربية بلا استثناء. لكل تلك الأحداث والظروف لا بديل عن الحوار الهادئ بين جناحى الأمة العربية مصر والسعودية للوصول الى رؤية مشتركة حول مستقبل سوريا، ومستقبل المنطقة العربية كلها، وهذه الرؤية المشتركة لابد ان تسمح بتعدد وجهات النظر فى القضايا المطروحة، فالمهم هو الهدف.. أما الوسائل فلابد ان تكون مفتوحة ومرنة بما فيه الكفاية. الخطر مشترك وداهم، واذا كان الدور الآن على سوريا، فالدور القادم يمكن ان يكون على دول أخرى، لأن الأمة العربية للأسف لا تتعلم بسهولة وتقع فريسة للاكاذيب والأوهام كما حدث فى السابق. لا يمكن للشعب المصرى ان ينسى دور المملكة العربية السعودية فى مساندته عقب ثورة 30 يونيو ودور الراحل العظيم الملك عبد الله ووزير خارجيته الامير سعود الفيصل، لكن لا يمكن ان يقبل الشعب المصرى أى دعم مشروط يتعارض مع الكرامة وحقوق الأخوة، فالسعودية لها علاقات متميزة مع تركيا وقطر، ولم تتدخل مصر فى ذلك، ولم تفرض شروطا على المملكة فى هذا المجال أو غيره، وهو نفس المبدأ الذى يجب ان تتعامل به المملكة مع مصر فى كل الملفات المفتوحة والقضايا الإقليمية والعالمية فى إطار من الاتفاق على الهدف الأساسى، وهو المصلحة العليا للدول والشعوب العربية. الأمر المؤكد ان هناك من يحاولون الصيد فى الماء «العكر» من الخارج أو حتى الداخل، ولابد من تفويت الفرصة على هؤلاء وتبديد غيوم سحابة الصيف العابرة فى إطار من الحوار الإستراتيجى بين الدولتين لمواجهة كل الأخطار الحالية والمستقبلية. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة