عبر موجات الأطلنطي العالية ورياحه الباردة, انتقلت ثورات الربيع العربي من الشرق الأوسط لتصل الي أقصي الشمال في مونتريال أكبر مدن إقليمكيبيك الفرنسي والعاصمة الثقافية لكندا احتج طلاب الجامعات علي قرار زيادة مصروفات الجامعة, وأعلنوا حالة العصيان, وبدأت مظاهراتهم يوم13 فبراير الماضي ولم تنته حتي الآن. اجتاحت المظاهرات شوارع المدينة الرئيسية, وأغلقت طرقا كثيرة. وساند أولياء الأمور أبناءهم في ثورتهم, فهم الضحايا الذين يسددون مصروفات تعليمهم. وفي مواجهة ثورة الغضب, وشكاوي رجال الأعمال الذين كسدت تجارتهم, وبعد100 يوم من المظاهرات ارتكبت حكومة كيبيك أكبر خطأ في حق الاقليم الفرنسي وفي حق كندا التي هي بكل المقاييس أكثر دول العالم ديموقراطية واحتراما للحريات, فأصدرت قانون طوارئ! قانون الامثيل له سوي في جمهوريات الموز بأمريكا اللاتينية قبل أن تحررها أحزاب اليسار وتطرد الجنرالات الذين يحكمون بتعليمات من واشنطن. القانون السيء السمعة كما يطلقون عليه هنا أيضا يمنع الطلاب من التظاهر الا بموافقة الشرطة وبعد ثماني ساعات من إبلاغها, ويحرم الطلاب من وضع أقنعة علي وجوههم أثناء المظاهرات حتي يسهل علي الشرطة التعرف علي شخصياتهم, ويفرض غرامة600 دولار علي الأقل للرافضين لتعليمات الشرطة. القانون يحرم أيضا علي الطلاب المتظاهرين اقتحام فصول الدراسة لمنع زملائهم الراغبين في مواصلة تحصيل العلم والاعتداء علي الأساتذة. ولتفريق مظاهرات الطلبة دخلت الشرطة في كيبيك امتحانا صعبا وسقطت بامتياز, فرجالها ونساؤها لم يعتادوا مظاهرات وشغبا لأكثر من بضع ساعات تقع في الغالب بعد مباراة لهوكي الانزلاق اللعبة الشعبية الأولي في كندا والتي تنتهي بمظاهرتين: مظاهرة بالموسيقي والغناء والرقص للفائزين السعداء الفخورين بفريقهم, ومظاهرة أخري حزينة غاضبة يقودها مشجعو الفريق الخاسر المرضي بالتعصب والانحياز لفريقهم, وترتكب الجماهير في هذه المظاهرة أحيانا بعض أعمال العنف, لا تصل بالطبع الي القتل والاعتداء علي جماهير الفريق الآخر وتعميق الكراهية بين أنصارهما. المظاهرة المستمرة التي لم تشهد مثلها كيبيك ولا أقاليم كندا الأخري أصابت الشرطة بالصدمة والارتباك والارهاق الشديد, فاستعارت أساليب قمع الجماهير من العالم الثالث. أطلقت الشرطة علي المتظاهرين القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي, وألقي القبض علي2500 طالب وطالبة. ولأن الطلاب في كندا بصفة عامة لم يعتادوا مثل هذه الأساليب التي تحط من قدر المواطن, فقد تحدوا الشرطة وردوا علي العنف بعنف مضاد, وتحولت شوارع مونتريال الي ميدان للمعركة بين الشرطة والطلاب الذين لم يتراجعوا فهربت الجماهير والسياح من وسط المدينة التي تحولت شوارعها الي أشباح. مونتريال الجميلة الآمنة التي تحسدها القارة الأمريكية علي نقاء هوائها ويصفونها ب عروس شمال أمريكا فقدت في الشهور الثلاثة الماضية سحرها وعذوبتها. لقد هجرها ضيوفها التي كانت تسحرهم بطابعها الفرنسي الشيك وعطر بساتينها التي تغطي أكثر من40% من مساحات أرضها وشواطئها الدافئة, في الصيف بالطبع] التي تطل علي السان لوران ثالث أطول أنهار العالم وأكثرها عمقا. ولأنهم يؤمنون هناك بأن الحرية حق مثل الطعام, والتعبير عن الرأي حق والعصيان والغضب علي قرارات الحكومة أيضا حق, فقد استمرت الثورة وتصاعدت الاحتجاجات, ولم يكتف الطلاب بمطلبهم المتواضع بالغاء زيادة المصروفات, فصعدوا مطالبهم, وأصروا علي إقالة حكومة جان شاريه رئيس الحزب الليبرالي, ومحاكمة رئيس الشرطة الذي استخدم أساليب قمع وانتهاك لكرامة وحقوق الطلاب التي لا تصلح هنا! أعلن الطلاب أن ثورتهم مستمرة حتي تتحقق مطالبهم. استقالت وزيرة التعليم وأبعد رئيس الوزراء مستشاره ورئيس مكتبه, وجاءت وزيرة جديدة وضعت علي أولويات برامجها حل مشكلة الطلاب, وبدأت المفاوضات بين الطرفين هذا الأسبوع. لكن القانون السيء السمعة أحدث إنقساما في المجتمع الكندي وليس فقط في كيبيك, فالمؤكد أنه غير دستوري ويتعارض مع الديموقراطية والحريات, ولايصح أن يصدر مثله في كندا. لكن الحكومة ردت بأنه لحماية أمن المواطنين الذين يضجون بالشكوي من توقف أعمالهم, فالديمقراطية لا تعني العدوان علي حقوق الآخرين والحرية أيضا تقتضي إحترام رغبات وحريات الطلبة الراغبين في مواصلة تلقي العلم ويخشون ضياع سنة دراسية منهم. وبينما يجري النقاش بين المؤيدين والمعارضين, رفع الطلاب دعوة عاجلة أمام المحكمة الدستورية يطلبون الغاء القانون, وأعلنوا في نفس الوقت أن الثورة مستمرة.