فى الرياضة الأبطال أصحاب المواهب الذين تم اكتشافهم فى سن مبكرة وخضعوا لرعاية تدريبية علمية هم الذين يأتون بالميداليات الأوليمبية.. أما أصحاب الحظ القليل من الموهبة ومن الرعاية الحقيقية فليس فى مقدورهم إلا التمثيل المشرف!. بهذه الكلمات انتهى الكلام الأسبوع الماضى فى هذا المكان.. تعقيباً على نتائجنا فى الدورة الأوليمبية الأخيرة.. وأيضاً على ردود أفعالنا هنا.. الغاضبة الساخطة الرافضة الصارخة.. التى أوقفت مصر على حيلها أسبوعين.. ولأن الحوار بالصراخ لا ينتهى إلى شىء لأنه لا أحد يسمع ولأن النهاية الحتمية للصراخ والانفعال والسباب هى الصمت.. ليس من باب الإنصات إنما لاستنفاد كل الجهد والطاقة فى الصراخ وفقدان القدرة على الكلام!. خلاصة القول.. انتهى الغضب وحل الصمت وكأنه لم تكن هناك دورة أوليمبية من الأصل! لم نصل إلى شىء وطبيعى ألا نصل لأن حوار الغضب محصلته صفر!. طيب هل هناك من انتظر رحيل الصراخ وحلول الصمت لأجل حوار هادئ منه نستخلص الدروس التى تقودنا إلى الخروج من حدوتة التمثيل المشرف؟. لم يحدث ويقينى لن يحدث!. ليه؟ ربما نعرف الحقيقة من هذه النقاط: 1 لأن الوضع القائم من نصف قرن على الأقل فى شارع الرياضة هو الأفضل والأنسب لمن يريدونها عملاً بلا حساب وتمثيلاً مشرفاً لآخر العمر!. هو الأفضل والأنسب لمولد صاحبه هاجر ولا أحد يعرف له عنوانا!. هو الأنسب والأفضل لمنظومة فاشلة اسمها العمل التطوعى فى زمن الاحتراف!. الرياضة فى العالم كله يحكمها الاحتراف الذى لا مكان فيه لمن يعملون فى الوقت الفائض من أعمالهم التى يحترفونها.. الطبيب يحترف الطب والمهندس وقته للهندسة والأستاذ بجامعته وهكذا تسير الأمور حيث الأسبقية والأهمية للعمل الأساسى وما تبقى من فكر وجهد ووقت إن تبقى.. للعمل التطوعى فى الرياضة!. 2 النادى والاتحاد الرياضى واللجنة الأوليمبية.. أى قطاع البطولة بأكمله من أوله لآخره.. المتحكم فيه ويدير شئونه والمسئول عنه.. المتطوع بفائض الوقت والجهد والفكر من عمله الأصلى!. وليت المسألة تقف عند هذا الحد.. إنما الأخطر أن هذا المتطوع يأتى إلى مجلس الإدارة.. إدارة النادى مثلاً.. يأتى من خلال انتخابات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بقطاع البطولة أو حتى بالرياضة كلها!. كيف؟. أقول لحضراتكم واسمحوا لى العودة للوراء مسافة قليلة لإيضاح الصورة. 3 أصلاً الهرم الرياضى عندنا مقلوب منذ عرفت مصر الرياضة!. «إزاى»؟. نحن أخذنا من مفهوم الرياضة ومعنى الرياضة.. الجزء الأخير وتركنا بقية الأجزاء!. الرياضة هى أى نشاط بدنى يقوم به الإنسان. الجرى رياضة والمشى رياضة وأداء أى تمرينات رياضة والسباحة رياضة وممارسة أى لعبة رياضية رياضة.. سواء كانت اللعبة جماعية أو فردية.. باختصار أى حركة من شأنها انقباض وانبساط عضلات وتحريك للمفاصل وتنشيط للجهاز الدورى.. أى حركة هى رياضة. 4 الله سبحانه وتعالى الذى خلق الإنسان فى أحسن تقويم.. حكمته أن يبذل الإنسان فى يومه حدا أدنى من النشاط البدنى والحركة حتى لا يَمْرَضْ.. لكن الإنسان فى أغلب الأحوال عدو لنفسه هو من اخترع الكثير من الأشياء التى حرمت الإنسان من الحركة والنشاط والجهد.. وحتى المتر أو المترين اللذين كانا يتحركهما لتغيير قناة تليفزيون.. انعدما باختراع «الريموت كنترول»!. انعدم المشى لأنه يركب سيارته من باب المنزل لباب العمل.. وفى وجود الأسانسير ينتظره ولا يصعد دورا أو دورين رغم أنه فى أشد الحاجة للجهد والحركة التى كان سيبذلها صعودا وهبوطاً.. باختصار انعدمت الحركة تقريباً حركة الإنسان وتلك كارثة على قلبه وشرايينه وعلى عضلاته وعلى أربطته وعلى مفاصله، على كل شىء فى الجسد الذى خلقه الله للحركة وليس «للأنتخة»!. ولابد من النشاط والحركة التى هى الرياضة لأجل الحفاظ على النعمة التى منحها الله لنا!. 5 إذن الرياضة هى أى نشاط بدنى.. وإن لم نعرف ونعترف بهذا المفهوم لن يكون عندنا الرياضة التى هى عند العالم من حولنا.. ومن هنا تبدأ الحكاية!. نحن أغفلنا هذه الحقيقة من سنين طويلة .. ومسألة أن يمارس أطفالنا الرياضة.. لأجل صحة ولأجل لياقة بدنية ولياقة نفسية ولأجل توازن بدنى نفسى صحى وكل ذلك ينعكس على العمل وعلى الإنتاج وعلى المجتمع نفسه وتماسكه وفى النهاية على وطن حقه أن يكون أبناؤه أقوياء أصحاء منتجين متماسكين!. مسألة ممارسة الأطفال والشباب أى نشاط بدنى أى الرياضة.. هذه المسألة لم تخطر على بالنا طوال السنوات الطويلة التى مضت.. كل الذى فعلناه أننا أغفلنا الممارسة.. ممارسة الشعب للرياضة.. واتشعبطنا فى المنافسة أى البطولة!. 6 تركنا الأصل فى الرياضة وهو ممارسة كل طفل وكل شاب للرياضة.. وركزنا كل جهدنا فى قطاع البطولة.. لأنه صراحة.. هو الذى فيه رحلات لكل بلاد العالم سواء لبطولات أو لمعسكرات أو مؤتمرات.. وما ينفق على الإداريين فى حدوتة السفر والمؤتمرات وخلافه مبالغ كثيرة كثيرة كثيرة!. وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال: وما علاقة كل هذا الكلام بنتائجنا فى الدورات الأوليمبية؟. وسؤال آخر يقول: أنت تعترف أن الاهتمام كله عندنا بقطاع البطولة.. فماذا يفعلون أكثر من ذلك؟. 7 أقول أنا: الموجود عندنا مرتبط مباشرة بالمستوى الفنى والبدنى وينعكس مباشرة على النتائج.. ولست فى حاجة للتأكيد على أن المستوى والنتائج بعيد تماماً عن المستويات الدولية والقريب منها قليل ولا يتناسب مع دولة تعدادها 90 مليون نسمة لماذا؟. لأن الأطفال والشباب وأتكلم هنا عن أكثر من 20 مليونا.. لأن عدد من يمارس منهم الرياضة رقم مُحزِنْ لن يزيد على بضعة آلاف.. لأنه لا توجد رياضة بمعناها الصحيح فى المدرسة التى بها أكثر من 20 مليون طالب وطالبة.. والمفترض أن ال 20 مليون يمارسون أى نشاط بدنى.. وهذا الأمر غير موجود من زمان.. من يوم إلغاء الأنشطة التربوية من المدرسة المصرية.. لأن الملاعب هدموها وبنوا عليها فصولاً.. ولا الفصول حلت مشكلة التكدس ولا الملاعب بقيت للرياضة وهذا ما حدث مع أماكن الأنشطة الأخرى التى حولوها إلى فصول.. وبانعدام الأنشطة التربوية فى المدرسة حرمنا الوطن من كل المواهب الموجودة فى المدرسة سواء فى الرياضة أو بقية الأنشطة الأخرى!. 8 حرمان ملايين الأطفال والشباب من ممارسة الرياضة.. حرمنا من أجيال قوية عفية وأيضاً حرمنا من اكتشاف المواهب الموجودة وسط هذه القاعدة العريضة!. الكارثة كبيرة بحجم الملايين المحرومة من ممارسة الرياضة.. والأهم أن اكتشاف المواهب فى المراحل السنية الصغيرة.. يتيح لنا ولها الإعداد الأمثل مهارياً وبدنياً وسلوكياً.. ووقتها ستجد أمامنا عشرات الأبطال الذين لا تنقصهم موهبة ولم يفتهم الإعداد الصحيح من السن المبكرة.. وقتها ورغما عنا سنفاجأ بأن لدينا أبطالاً عالميى المستوى هم نتاج منظومة صحيحة بدأت بممارسة الملايين للرياضة لأجل توازن بدنى ونفسى وصحى ينعكس على وطن ولأجل اكتشاف المواهب الموجودة وسط الملايين والتى لن نتعرف عليها إلا بالممارسة!. 9 عندما يكون عندنا قاعدة شبابية تعدادها فوق ال 20 مليونا.. ليس فى مقدورهم ممارسة الرياضة لأنه لا توجد مساحات أرض يلعبون عليها.. فالخسارة كبيرة ومتنوعة وقادمة!. جزء من هذه الخسارة.. هو خسارتنا للمواهب ومصر يضيع عليها أكثر من 90٪ من مواهبها.. لأنهم لم تتح أمامهم فرصة ممارسة الرياضة أصلاً!. 10 الموجود عندنا قطاع بطولة متمثلاً فى الأندية والاتحادات واللجنة الأوليمبية.. لكن الأندية هى التى على عاتقها منظومة البطولة وللأسف المسألة أكبر منها بكثير!. النادى هو الذى يختار الناشئ الصغير لقطاع البطولة وهو الذى يختار الأجهزة الفنية والأجهزة الإدارية والأجهزة الطبية وهو الذى يوفر له كل سبل الأعداد.. هى منظومة كبيرة وتكلفتها عالية وهى مسئولية النادى!. طيب هل الجمعية العمومية للنادى تختار مجلس الإدارة على أساس أنه أهم مسئول عن صناعة البطولة فى مصر أم الاختيار على أسس اجتماعية.. يعنى اختيار المجلس الذى يوفر رحلات ويهتم بالمطعم ويراعى ثمن الوجبات!. طبعاً موضوع البطولة ليست على بال الجمعية العمومية.. رغم أن النادى هو أصل قطاع البطولة ولأن فكرة ممارسة كل طفل وشاب الرياضة ليس على بال الجمعية العمومية.. رغم أن النادى هو أصل قطاع البطولة ولأن فكرة ممارسة كل طفل وشاب الرياضة ليست عندنا.. النادى يختار أبطاله من قاعدة صغيرة جداً.. لأن عدد من يمارس الرياضة قليل جداً.. بالقياس للملايين التى لا تلعب رياضة أصلاً!. الملايين لا تمارس الرياضة لأنه لا توجد ملاعب متاحة لها.. والآلاف أعضاء الأندية.. أيضاً 90٪ منهم لا يمارس الرياضة رغم أنه عضو فى ناد.. وتلك مصيبة أخرى وهى موجودة فى كل الأندية!. 11 الأمر لا يتوقف على النقطة السابقة.. إنما يمتد إلى حقيقة الكل يَغُضْ البصر عنها!. الأندية التى على عاتقها تقوم البطولة.. هى أصلاً لا تعرف إن كانت أندية رياضية أم اجتماعية أم رياضية اجتماعية أم اجتماعية رياضية؟!. لا أحد يعرف وإذا احتكمنا لقانون الرياضة سواء القديم المستمر للآن أو الجديد الذى ننتظره من سنوات.. لا نحن نعرف ولا القانون يعرف!. الأندية باتت محترفة على الورق وعقود اللاعبين والمدربين والإداريين دليل.. ومع ذلك الأندية وفقاً لقانون الرياضة محكومة بلوائح هواة وانتخاباتها اجتماعية!. إذن النادى دخل عالم الاحتراف ولا هو ولا نحن نعرف إن كان هذا النادى محترفا تحكمه قواعد الاحتراف أم إنه ناد اجتماعى؟. 12 وفقاً للقانونين القديم والجديد المنتظر.. هو ناد اجتماعى تحكمه وتتحكم فيه بل وفى الاتحادات واللجنة الأوليمبية.. جمعية هذا النادى العمومية!. نعم الجمعية العمومية للنادى.. الزوج والزوجة هم من ينتخبون مجلس إدارة النادى وفقاً لمعايير الأعضاء هم من يحددونها.. معايير آخر شىء فيها حدوتة البطولة!. معايير الكراسى والمفارش وجودة البوفتيك ونظافة الحمامات!. الجمعية العمومية يحكم فكرها ومزاجها فى الاختيار أمور عديدة وتربيطات كثيرة.. وربما تكون البطولة آخر اهتماماتها..رغم إن اختيارات الجمعية العمومية تنعكس مباشرة على قطاع البطولة فى مصر كلها وليس الأندية وحدها!. كيف؟. 13 لأن الجمعية العمومية للنادى تختار مجلس إدارته.. وهذا المجلس الذى تم انتخابه على أسس اجتماعية.. هو الذى يختار الأجهزة الفنية والإدارية لقطاع البطولة فى النادى!. وأيضاً هذا المجلس الذى تم اختياره بمواصفات اجتماعية.. هو الذى ينتخب الاتحادات الرياضية المسئولة عن كل منتخبات مصر.. وهذه الاتحادات التى جاءت بإرادة تحكمها المفارش النظيفة والبوفتيك الكبير «أبو سعر رخيص»!. هذه الاتحادات هى التى تنتخب اللجنة الأوليمبية قمة قطاع البطولة!. 14 رأيتم الورطة التى نحن مزروعون فيها!. ملايين الأطفال والشباب لا يمارسون الرياضة.. لأنهم ليسوا أعضاء فى أندية رياضية.. وعشرات الآلاف من الأطفال والشباب أعضاء فى الأندية.. لكن القليل جداً منهم من يمارس الرياضة والأغلبية لم تنزل يوماً إلى ملعب لأنهم لم يجدوا ما يجذبهم للرياضة وما تفرجوا عليه فى السينما والتليفزيون جذبهم إلى أمور أخرى وأبعدهم عن الرياضة!. والورطة الأكبر أن مجالس إدارات الأندية.. لا تعرف أن أهم مسئولية لديها هى أن يمارس كل أطفال وشباب النادى الرياضة.. لأجل صحة ولأجل لياقة ولأجل وقاية من أشرس أمراض العصر.. الإدمان والتطرف والاكتئاب!. ممارسة الرياضة هى ارتقاء بالجسد وهى وقاية من أكبر خطر وهى السبيل الأوحد للكشف عن المواهب، والميداليات لا تأتى إلا بالمواهب التى أحسنا إعدادها من السن المبكرة!. هذه الممارسة غير موجودة فى مصر والموجود منافسة فقط أو قطاع بطولة.. ليس مهماً كيف نختاره أو من أى عدد نختاره وليس مهماً مستواه.. كل هذه الأمور لا تمثل أهمية فى أغرب قطاع بطولة فى العالم.. لأن الأهم أن يكون هذا القطاع موجودا.. أى عندنا منتخبات فى كل اللعبات فى كل المراحل.. والمنتخبات لزوم البطولات التى تقام فى كل دول العالم.. الأهم السفر للمعسكرات والبطولات وفى السفر فوائد لا حصر لها.. ووقت الحساب نرفع شعار التمثيل المشرف!. طيب والحل؟. طبعاً هناك حلول وليس حلا!. هناك الحل الجذرى الذى يعيد الأمور لنصابها وقبل أن نفكر فى المنافسة والبطولات.. نفكر أولاً وقبل كل شىء فى الإنسان الذى هو أساس الحدوتة!. نفكر لأجل معرفة أن البطل العالمى تبدأ صناعته من الطفولة وليس بعد ذلك بيوم واحد!. إن كنا نريد ميداليات أوليمبية وبطولات عالمية.. لابد أن يمارس كل طفل مصرى الرياضة.. إجباراً لا اختيارا.. يمارس الرياضة لأجل بناء عضلات وحماية عمود فقرى من تشوهات وحماية أربطة ومفاصل الجسد والجهاز الدورى.. حمايتها بالرياضة. هنا نخلق أجيالاً قوية عفية قادرة على انتاج وقادرة على حماية وطن!. عندما يمارس أطفال الوطن الرياضة.. ستظهر بينهم المواهب وباكتشافها يبدأ إعدادها مبكراً فنياً وبدنياً وسلوكياً.. وبدون لحظة شك سنجد أمامنا أبطال عالم!. عندنا حلول لمشاكلنا فى الرياضة وغير الرياضة.. تبدأ من الطفل وليس بعد ذلك.. ومعها وبها نكون أبطال عالم!. إلا صحيح.. هى الأندية.. رياضية أم اجتماعية؟. إن عرفنا الحل.. نجد حلاً للتمثيل المشرف!. عندى حل.. لكن المساحة انتهت!. لمزيد من مقالات ابراهيم حجازى