صادق مجلس النواب وقبله الشيوخ الأمريكيان على قانون يسمح لضحايا اعتداءات 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية، وشن وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف هجوماً بمقال بواحدة من أشهر الصحف الأمريكية على المملكة معتبراً إياها منتجة للإرهاب! وبينما تمنع إيران حجاجها من المناسك وتسير المظاهرات وتطلق إعلامها وألسنة مسئوليها بالتصريحات التحريضية والتكفيرية، كانت المملكة تعفى المفتى الشهير صاحب المكانة المرموقة من خطبة عرفة بعد 35 عاماً بسبب رد فعله المتسرع لتأتى تصريحات المسئولين السياسيين مسئولة ومنضبطة كوزير الخارجية، بل يدعو أمير مكةالإيرانيين إلى علاقة راشدة ب«إخوانهم» العرب والمسلمين. تظن إيران أن الأوضاع الحالية تتيح لها منافسة القوى العظمى ومن موقعها كقوة «دولية» صاعدة تتمكن من العصف بالدور العربى ومكانته ومكتسباته التاريخية، فطموح إيران عالمى وليس إقليميا وندها أمريكاوروسيا والصين وليس السعودية وتركيا ومصر، لكن خلافاً لمسار التنازع منذ «مبدأ أيزنهاور» الذى يعتبر حجر الزاوية فى سياسة أمريكا فى الشرق الأوسط لملء الفراغ الإستراتيجى قبل أن تملأه روسيا، اختار القطبان الدوليان اليوم التكامل ولو اضطراراً من أحدهما-، حيث ترى الولاياتالمتحدة أن مكاسب تحصل عليها روسيا أفضل من أن تذهب لإيران منفردة، وترى روسيا أن انفراد إيران بالملف السورى يعطيها حجماً أكبر ونفوذاً كان يجب أن يكون لروسيا باعتبارها المعادل التاريخى فى الثنائية القطبية، ومن يعتقد عدم وجود خلافات ومنافسات مؤثرة بين الحلفاء فهو واهم. المملكة السعودية -وكثيرون معها- تفضل الدور الروسى على الدور الإيرانى لكيلا تظل القسمة فقط بين الأمريكانوالإيرانيين، ولذلك تحرص المملكة على التعامل مع موسكو من أرضية المشتركات؛ حيث تتفقان على ضرورة الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها، وعلى محاربة داعش والتكفيريين المسلحين «الخطر المشترك بينهما» وإن كانت المملكة لا تتوافق مع روسيا فى مسألة بقاء الأسد فهى لا ترضى بديلا مذهبيا ولا أيدلوجيا نظرا لموقفها المعروف من «الإسلام السياسي» والمطامع الإيرانية. تراهن إيران على حاجة أمريكا والغرب إليها ويدعو أوباما العرب إلى «تقاسم حسن الجوار» رغم تجاوزات واختراقات فيلق بدر والحشد الشعبى وحزب الله، وصاحبة شعار «الموت لأمريكا» تتوج العلاقة البرجماتية مع «الشيطان الأكبر» منذ إيران كونترا إلى اليوم لتنجو من العقوبات وتوفر نفقات تغولها فى صراعات المنطقة ومشروعها التوسعي، ولتحصل أمريكا من العرب نفقات حروبها السابقة فى أفغانستانوالعراق قبل أن تتركهم لمصيرهم، لذا لزمت منافسة شراكة روسيا مع إيران؛ ففى الملف السورى تدرك روسيا أن مواقف المملكة السعودية اضطرارية متعلقة بحماية الأمن القومى العربى ونابعة من مخاوفها من النفوذ الإيرانى المتزايد خاصة بعد أحداث البحرين واليمن وسوريا وأن موقفها من الأسد يأتى تأسيساً على الموقف من إيران وليس العكس، فإذا وضع حد للأطماع الإيرانية فمن الممكن التوافق على الملفات الأخرى، خاصة أن سوريا، بعد الحرب لن تكون بنفس التوجهات والولاءات قبلها، وإيران لن تكون الوحيدة فى الساحة بعدما اكتشف السوريون أنها تريد سوريا تابعة لا حليفا وأنها تطالب بفاتورة مساعداتها من جسد سوريا كأرض وعقارات وجغرافيا فى طريق تغيير هويتها العربية وتبديل نسقها الحضاري. روسيا التى لعبت باحترافية فى ملف التحالفات تهمها هذه العلاقة فى سياق تحالفها البرجماتى المدروس والمراقب مع إيران فهى تحتاج لحلفاء منافسين تضغط بهم على حليفها الأصلى لتصل إلى التوازن المطلوب للحد من طموحات إيران غير المحدودة والإبقاء على التحالف معها فى حدود الشراكة دون أن يطغى طرف على الآخر، وتلك زاوية مهمة وصولاً لتفكيك كثير من الأزمات والإشكاليات العربية؛ فالعلاقة مع روسيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة وعلاقة روسيا مع مصر من جهة أخرى ينبغى أن تنافس شراكة روسيا مع إيران. جواد ظريف فى نيويورك تايمز يتهم السعودية بالإرهاب ويحرض الغرب عليها فماذا عن تأجيج الحرب الأهلية بالحضور العسكرى الميليشياوى الطائفى الذى زود الإرهابيين بمبررات إضافية لتكثيف هجراتهم إلى سوريا تحت عنوان «قتال الشيعة الغزاة» وكيف تمددت داعش بأريحية فى مناطق مثل الأنبار والفلوجة فى ظل وجود حكومة وأجهزة قادرة على القضاء عليها فى مهدها، ويقاس عليه السيناريو السوري، والإرهاب الذى تمارسه الميليشيات الشيعية فى سوريا وقبلها فى العراق أيضاً مدان، ويجب وقف تمويله ورعايته وتوجيهه إلى الداخل العربي. مشكلة إيران أنها تتوهم دوراً أكبر من مكانتها السياسية ومن مكانتها الدينية أيضاً، وظنت أن العالم الإسلامى سيتوجها زعيمة نتيجة خلافاته وبعض تعثره ومعاناته من التطرف والإرهاب والمؤامرات، وأنها من خلال بعض الألاعيب والخدع مع الكبار ستبنى نموذجها الإمبراطورى فوق حطام الدول العربية. هى نفس مشكلة تركيا والإسلام السياسى لدينا، والحل هو أن تهبط من الصراع الوجودى إلى التنافس الإصلاحي، ومن توظيف الدين والمذهب إلى احترام السيادة والتعايش، ومن الانتهازية والتزييف والتفاهم مع كل شيطان للوصول لمغانم وأمجاد غير مستحقة إلى المصداقية مع الذات ومع الشعوب. بلاد العرب تحتاج لنهضة وإصلاحات يباشرها أبناؤها جميعاً، عرب مسلمون ومسيحيون وسنة وشيعة، وتجديد الدين مهمة أهله، وتبقى حصون الإسلام التاريخية المنيعة هى أركان الأمة العربية ودولها، وما دامت قائمة وصامدة وحامية لديننا وشعوبنا وحضارتنا وثرواتنا وتاريخنا فمشاكلنا تحت السيطرة وإن استغرقت سنوات طويلة، لكن المشكلة المميتة عندما تبتلع أحدهم العولمة وينضم، واهماً ومنتفخاً لنادى الاستكبار فى الأرض، ويشغل مليارات البشر بما سموه الحرب على الإرهاب، ليتمكن الأباطرة من السيطرة المطلقة على الاقتصاد العالمى واقتسام النفوذ، وتزداد فداحة ووقاحة عندما يمارس ذلك باسم الرب وبزعم نصرة الدين وقضايا الأمة. لمزيد من مقالات هشام النجار