يعد الإنتاج المحلى وتصديره من أبرز أعمدة اقتصاد الدول فى العالم بوجه عام وفى الدول المتقدمة على وجه التحديد. فمن خلال الإنتاج المحلى تولد فرص العمل للجميع وتتحرك الأسواق ويتحرك الإقتصاد مبتعدا عن الركود ويشعر كل مواطن فى الدولة بأثر ما ينتجه من خلال زيادة الدخل ومستوى الحياة الكريمة التى يعيشها. وقد أدركت دول العالم المتقدم تلك الحقيقة منذ قرون. وعلى الرغم من دعوات العولمة والسوق المفتوحة وإمكانيات التعهيد الخارجى (أى إنتاج منتجات فى دول أجنبية للإستفادة من المزايا والتسهيلات وإنخفاض تكلفة الإنتاج)، فإن الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة تنظر لأى مستثمر بها يقوم بفتح مشروع خارج البلاد على أنه "خائن للوطن وللشعب". وكذلك الأمر بالنسبة لمن يقوم بتفضيل منتج مستورد من دولة أجنبية على المنتجات المحلية فى بلاده، فإنه يعد "مجرما" فى حق بلاده وشعبه وينظر له الناس على أنه قد ارتكب عملا مشينا بشراء المنتج المستورد الأجنبى وتغاضيه عن شراء البديل المحلى الوطنى. ودون إطالة، قررت هيلارى كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطى لخوض إنتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، مهاجمة خصمها رجل الأعمال دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى. فماذا فعلت السياسية المحنكة فى مواجهة رجل الأعمال الملياردير؟ لقد أدركت هيلارى أن الولاياتالمتحدة تعانى من عجز هائل فى تجارتها مع العالم الخارجى؛ فقد صدرت بما يقدر بتريليون ونصف التريليون دولار فى عام 2015 بينما استوردت من الخارج فى ذات الفترة بما يقدر ب 2 تريليون و347 مليار دولار. وأدركت أن زيادة الإستيراد من الخارج تعنى المزيد من البطالة للأمريكيين وزيادة الصادرات تعنى المزيد من فرص العمل. ورصدت حملة هيلارى الأنشطة التجارية والاستثمارية لترامب فى الخارج. فهناك استثمارات لترامب فى مجال صناعة الملابس فى فيتناموالمكسيك، وهناك تشكيلة فاخرة من الكرافتات (رابطات العنق) لترامب يتم إنتاجها فى الصين. وفى بنجلاديش وهندوراس يستثمر ترامب فى إنتاج القمصان. أما تركيا فهناك استثمارات كبيرة له فى شركة لإنتاج قطع الأثاث الثمينة. وفى اليوم الموعود، توجهت هيلارى وسط مظاهرة إعلامية حاشدة لزيارة مصانع شركة أمريكية لإنتاج رابطات العنق (الكرافتات). ومن هناك ووسط حشد من العمال طالبت منافسها ترامب بأن يأتى إلى المصنع الأمريكى الذى ينتج "الكرافتات" حتى يرى أين يقوم بتوجيه إستثماراته، ورفعت يدها وقد أمسكت بكرافتة مصنوعة لحسابه فى الصين وقالت أمام عدسات الكاميرات : "فعلا أريده ترامب أن يوضح لماذا دفع المال للعمال الصينيين ليصنعوا كرافتات ترامب"؟!! ثم قالت مستنكرة : "لماذا ذهب إلى الصين بدلا من إنتاج الكرافات هنا فى كولورادو بأمريكا؟!" ولم تكتف هيلارى بالكرافتات بل صرخت وسط العمال وأمام الكاميرات قائلة : "إنها ليست الكرافتات فقط، بل أن ترامب يصنع البدل الرجالى فى المكسيك وليس فى ولاية أوهايو الأمريكية، ويصنع الأثاث الخاص بشركاته فى تركيا وليس فى بنسلفانيا الأمريكية"!! ومنذ ذلك اليوم لم تتوقف هيلارى عن إثارة أمر "الكرافتات" الصينى أو "الأثاث" التركى فى كل مكان تذهب إليه. وإنخفضت شعبية ترامب. وهكذا علينا ان نتعلم من مواقف الغرب وساسته وأن نأخذ من مواقفهم "الحقيقية" العظة والعبرة. إنهم يرغبون فى فتح أسواقنا أمام منتجاتهم بلا حساب أو رحمة لخدمة مصالحهم ومصالح أبنائهم بغض النظر عن ما يمكن أن يسببه ذلك الانفتاح غير المدروس من مشاكل وأزمات محلية وتدمير لمستقبل الإقتصاد والصناعة الوطنية وتجريف لفرص العمل المحلية. واليوم يمر الوطن بأيام حاسمة أصبحت خلالها زيادة الإنتاج الوطنى وتقليص الإستيراد بمثابة النصر الحقيقى للشعب المصرى، بينما يعد استيراد أى سلعة مقابل إنفاق العملات الأجنبية بمثابة الهزيمة والخيبة المؤلمة. ما أحوجنا فى تلك الأيام الحاسمة إلى زيادة الإنتاج الوطنى وفتح أسواق خارجية لتصدير منتجاتنا والتوقف عن إستيراد المنتج الأجنبى حماية لإقتصادنا ولمستقبل الشعب والوطن. إن إنتاج بديل محلى لأية سلعة مستوردة وتصدير الفائض منها سيوفر فرصة عمل لك ولأبنائك وأحفادك، وسيزيد من دخلك ويحسن من مستوى معيشتك ويدعم من قرار وطنك فى الساحة الدولية. لقد حانت ساعة العمل للتخلص من هيمنة المنتج الأجنبى المستورد. لمزيد من مقالات طارق الشيخ