منى عين المواطن أن يجد السلع التى يحتاجها فى حياته اليومية مطروحة فى الأسواق بجودة مرتفعة وأسعار فى متناول يديه، وألا يعانى من نقص أو اختفاء تلك السلع. المستورد يقول افتحوا الباب أمامى وأنا كفيل باستيراد كل ما تحتاجه السوق المحلية. شهبندر التجار فى مصر يقول إن فرض القيود على الاستيراد يضع المواطن تحت رحمة المنتج المحلى الذى يطمئن إلى إغلاق السوق عليه، فيفعل بالمستهلك ما بدا له. الشهبندر كالمعتاد يخلط الحق بالباطل. يتجاهل أن المواطن المصرى يئن تحت وطأة احتكارات الصناعة والتجارة معا! من قال إن المستورد لا يفعل بالمستهلك ما بدا له؟ الأسعار العالمية للسلع الغذائية شهدت انخفاضا متواصلا خلال العام الماضي، وعلى الرغم من ذلك لم نر أى بادرة من احتكارات المستوردين لنقل ذلك الأثر إلى أسواقنا المحلية. تأمين حق المواطن فى سلع مرتفعة الجودة وبسعر مناسب يتطلب مواجهة احتكارات التجارة والصناعة معا. الدعوة لوقف استيراد السلع ذات البديل المحلى تقترن بالدعوة لوضع حد أقصى لهامش ربحها وإيجاد الإطار التشريعى والتنفيذى الكفء والفعال الذى يكفل تطبيق عقوبات رادعة وموجعة على المحتكر، تحرمه بالفعل من ثمار سياساته الاحتكارية. مطلوب جهاز رقابى قوى وكفء وسريع الحركة وله جميع الصلاحيات التى تمكنه من أداء دوره فى مواجهة الاحتكارات. مطلوب أيضا جهاز قوى وكفء لحماية المستهلك فى ظل صلاحيات كاملة تمكنه من مواجهة الآثار السلبية للاحتكار على سعر وجودة وانتظام عرض السلع والخدمات. عندما تسأل دعاة فتح الباب أمام الاستيراد ومن أين سنأتى بالنقد الأجنبى كى نسدد ثمن الواردات، يقولون لك ركز على التحول إلى اقتصاد خدمات. بإمكانك تصدير الخدمات للعالم الخارجى واستخدام الحصيلة فى سداد فاتورة الواردات. لجنة سياسات جمال مبارك رفعت لواء تلك السياسة.. لماذا ننشغل بالصناعة والإنتاج إذا كان يمكننا الاعتماد على السياحة وإيرادات قناة السويس وتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية لتمويل احتياجاتنا من الواردات؟ الإجابة التى كنا نرد بها دوما هى أن كل تلك المصادر تتوقف على عوامل خارجية ولا سيطرة لنا عليها. تجربة السنوات الخمس الماضية أكدت خطورة الاعتماد على تلك المصادر وحدها. هروب تدفقات النقد الأجنبى عقب ثورة يناير وانحسار الإيرادات السياحية بفعل الإرهاب، وتأثر إيرادات قناة السويس بتراجع حركة التجارة العالمية.. كل ذلك نعيشه ونراه رأى العين كل يوم. وبدلا من أن نعالج شح مواردنا من النقد الأجنبى بوقف استيراد كل السلع والخدمات التى لا تشكل حاجة ضرورية للقاعدة العريضة من الشعب، والسلع ذات البديل المحلي، تهرول الحكومة إلى الاستدانة من الخارج لتوفير النقد الأجنبى اللازم لتغطية فاتورة الاستيراد. القاعدة الصلبة التى يمكن أن نستند إليها فى توفير احتياجاتنا من السلع اللازمة للقاعدة العريضة من الشعب هى إنتاجنا المحلي. تشغيل مصانعنا بطاقتها الكاملة هو الحل. الشهبندر يقول لنا إن وجود السلع المستوردة فى السوق المحلية يشكل حافزا قويا للصناعة الوطنية لتحسين إنتاجها وتخفيض أسعارها، ويدفعها إلى التطور لتصبح قادرة على المنافسة فى السوق المحلية وزيادة التصدير واختراق الأسواق الخارجية. ونحن نتفق تماما مع الشهبندر فى أهمية المنافسة، لذا فإننا نؤكد ضرورة إعادة تنظيم السوق على النحو الذى يفتح الباب أمام دخول المزيد من المشروعات فى المجالات التى تهيمن عليها الاحتكارات وخضوع الجميع على قدم المساواة لما تنص عليه التشريعات من قيود تنظيمية وما تتيحه من مزايا. الشهبندر يؤكد أن الصناعات التى توفر لها حماية جمركية تعجز عن التطور ولا تقوى على المنافسة. يضرب المثل بصناعة السيارات فى مصر. ونحن أيضا سنضرب المثل بنفس الصناعة. فى يوم من الأيام كانت شركة النصر لصناعة السيارات تقوم بإنتاج وتصدير سيارات الأوتوبيس وسيارات النقل والجرارات بنسبة مكون محلى مرتفعة، تصل وفقا لبعض التقديرات إلى 90%، وتقوم بالتعاقد مع عدد معتبر من المشروعات المغذية التى تمدها بمكونات ومستلزمات إنتاج محلية الصنع. الشركة توقفت عن الإنتاج منذ عدة سنوات بعد أن تعرضت لإجراءات التصفية تمهيدا للبيع، تحت راية الخصخصة. المصانع والآلات ما زالت موجودة، تنتظر قرارا بإعادة التأهيل والعودة للإنتاج، وتوفير بديل محلى للاستيراد وحصيلة للنقد الأجنبى من التصدير، أخذا فى الاعتبار أن اتساع السوق يعنى إمكانية الوصول بتلك الصناعة إلى الحجم الأمثل الذى تنخفض معه تكلفة الإنتاج، وتحقيق التنافسية. نضرب المثل أيضا بشركة سيماف التى تأسست فى منتصف الخمسينيات لتتخصص فى إنتاج عربات السكك الحديدية والمترو والترام ونقل البضاعة وقطع الغيار اللازمة لها، فضلا عن إنتاج مستلزمات السكك الحديدية. الشركة التى نجت من مقصلة الخصخصة عندما اشترتها الهيئة العربية للتصنيع، قامت خلال العام الماضى بإنتاج عربات أول قطار مكيف يتم تصنيعه بالتعاون مع الصين ليعمل على خط الإسكندريةالقاهرة، وتعاقدت مع هيئة سكك حديد مصر على تصنيع وتوريد 212 عربة لعدد 25 قطارا مكيفا، ووفرت بذلك منتجا محليا بديلا للاستيراد. خلاصة القول إن قصور مواردنا من النقد الأجنبى يتطلب وقف استيراد كل السلع والخدمات التى لا تشكل حاجة ضرورية للقاعدة العريضة من الشعب، واستعادة القدرة على إنتاج قدر معتبر من السلع والخدمات التى نحتاجها، وليس الهرولة للاستدانة من الخارج. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى