جاء سقوط الطائرة الروسية واستغلال الحادث من جانب إنجلترا والولايات المتحدةالأمريكية وعدد من الدول الغربية لتوجيه ضربة فى مقتل للسياحة المصرية، كى يكشف بجلاء عن حقيقة الحرب متعددة الجبهات التى تستهدف إسقاط الدولة المصرية، واستكمال مشروع تفكيك المنطقة العربية الذى يحيط بنا فى العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا. تداعيات الحادث أكدت أننا نخوض حرب وجود، يستخدم فيها ضدنا سلاح الإرهاب، وسلاح المياه، وسلاح التركيع الاقتصادي، وسلاح تفكيك الجبهة الداخلية. مواجهة الحرب تتطلب تطبيق اقتصاد حرب يقوم على تعبئة كل الموارد المحلية المتاحة، وتحديد أولويات الإنفاق ليتم استبعاد كل ما يزيد عن متطلبات الوفاء بالاحتياجات الأساسية للقاعدة العريضة من المواطنين، ومتطلبات استمرار وزيادة الإنتاج، ويعمل على الخروج من دائرة الاعتماد المطلق على الخارج والخضوع التام لتقلبات السوق الدولية. تعبئة الموارد المحلية يتطلب تطبيق الضرائب التصاعدية على الدخول، ورفع معدلات الادخار. لا يعقل أن تعانى الدولة من انخفاض الإيرادات العامة وتعترف بانخفاض معدلات الضرائب فى مصر حتى بالمقارنة بالدول الفقيرة، ثم تقيم مهرجانا لتخفيض الضرائب على دخول كبار رجال الأعمال والطبقات القادرة. كما أنه لا يعقل أن تلجأ إلى تعويض الموارد التى تنازلت عنها للأغنياء، بفرض ضريبة مزدوجة على القيمة المضافة والاستهلاك تؤدى إلى رفع أسعار السلع والخدمات، وتعصف بمستوى معيشة الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة وأصحاب الدخول الثابتة. نحن فى حاجة إلى تطبيق اقتصاد حرب يحذف من قائمة وارداتنا كل السلع والخدمات التى لا تشكل حاجة ضرورية للقاعدة العريضة من الشعب، سواء فى مجال السلع الغذائية أو الملابس الجاهزة أو السيارات أو الأجهزة الإلكترونية أو المفروشات والموبيليا وغيرها، وسواء تم ذلك من خلال قرارات إدارية بحظر الاستيراد أو بتطبيق ضريبة جمركية مانعة، بالغة الارتفاع. هل يعقل أن تحتل قطع الموبيليا المستوردة من الصين وتركيا واجهات المحال فى القاهرة والمدن الكبرى بما فى ذلك مدينة دمياط قلعة إنتاج وتصدير الأثاث فى مصر؟ يجب وقف استيراد السلع ذات البديل المحلي، مع وضع حد أقصى لهامش ربحها وتفعيل جهاز مكافحة الاحتكار وجهاز حماية المستهلك، ضمانا لحق المواطن المصرى فى السعر والجودة وحتى لا يترك نهبا للاحتكارات المحلية. يجب التركيز على تشغيل مصانعنا بطاقتها الكاملة لإنتاج قدر معتبر من السلع والخدمات الأساسية التى نحتاجها، وتصدير سلع وخدمات تتمتع بالتنافسية وتوفر لنا النقد الأجنبى اللازم لدفع فاتورة ما نحتاج لاستيراده. عندما تكون فى حالة حرب تحتاج إلى تماسك الجبهة الداخلية لتكون حائط صد أمام كل محاولات الطابور الخامس لهدم الدولة من الداخل. تحتاج إلى بث اليقين بأننا جميعا نشترك فى تحمل الأعباء والتضحيات. لا يعقل أن تترك الجبهة الداخلية نهبا لمن يريد استغلال مشاعر الإحباط واليأس من تحسن الأوضاع وتحقيق حلم الحياة الكريمة. لا يعقل أن يكون انحيازك الاجتماعى بعيدا عن القاعدة العريضة من الجماهير. لا يعقل أن يكون الفقراء والشريحة الدنيا للطبقة المتوسطة هم وحدهم الذين يتحملون التكلفة، بينما يرفض القادرون التنازل عن مليم واحد من أرباحهم، ويرفضون المساس بثرواتهم. لا يعقل أن يظل الرهان على نفس الشريحة الاجتماعية التى نهبت ثروات الشعب ونفس السياسات التى فجرت الثورة. لا يعقل أن توفر حصانة قانونية تسرى على كل العقود السابقة واللاحقة التى تبرمها الدولة مع المستثمرين، وتبيح التصالح مع من أضروا بالمال العام رغم أنف الأحكام القضائية النهائية. لا يعقل أن يحكم القضاء بإعادة العمال الذين أجبروا على المعاش المبكر فى تلك الشركات ثم تمتنع الدولة عن التنفيذ. لا يعقل أن يتضمن مشروع قانون العمل الجديد استمراراستبعاد العمالة الزراعية من الحماية القانونية وتيسير عمليات الفصل التعسفى للعمال. تطبيق اقتصاد حرب يستهدف تماسك الجبهة الداخلية وتشكيل حائط صد أمام دعوات الطابور الخامس يتطلب المضى قدما فى الإجراءات التى اتخذتها الدولة أخيرا لتخفيف وطأة ارتفاع الأسعار على جماهير الشعب، يتطلب وضع حد أقصى لهامش الربح فى مجالات النشاط المختلفة، بما فى ذلك تجارة الجملة للخضراوات والفاكهة والمواد الغذائية، حتى لا يترك المستهلك تحت رحمة الاحتكارات. يتطلب تدعيم ورفع كفاءة وصلاحيات كل من جهاز حماية المنافسة ومكافحة الاحتكار وجهاز حماية المستهلك. يتطلب توسيع شريحة الإعفاء الضريبى للحدود الدنيا للدخل إلى 18 ألف جنيه سنويا بما يساوى قيمة الحد الأدنى للأجور، وتمويل ذلك الإجراء بضم كامل إيرادات ومصروفات الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة. الفكرة هنا هى توفير الشروط التى تمكن القاعدة العريضة من الأسر المصرية من مواجهة تكاليف الحياة الأساسية فى حدود دخلها المتاح ومستوى الأسعار السائدة. ومن المؤكد أن تحقيق هذا الهدف يرتبط ارتباطا وثيقا بتعديل قانون الإيجارات الجديدة للمساكن بما يكفل عودة وتفعيل لجان تقدير الإيجارات وفقا لتكلفة الأرض والمبانى ومستوى التشطيب واختلاف الموقع من جهة، واستقرار عقود الإيجار من جهة أخرى . ومن المؤكد أيضا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التوقف عن سياسات إفقار الفلاحين، بدءا برفع إيجارات الأراضى الزراعية، ورفع تكلفة الأسمدة ومستلزمات الإنتاج وانتهاء بخفض أسعار المحاصيل وانتزاع الحيازات. مطلوب اقتصاد حرب يوفر ظهيرا داعما للمواجهات العسكرية، ويشكل حائط صد أمام اختراق الجبهة الداخلية، ويعزز ثقتنا فى الانتصار والحفاظ على الدولة القومية وتحقيق حلم الحياة الكريمة. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى