المواطن المصرى فقير. البيانات الرسمية تشير إلى أن نسبة السكان الذين يقعون تحت خط الفقر فى مصر يمثلون نحو 27% من السكان. البيانات الرسمية تؤكد أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تحتاج 1620 جنيها شهريا للوفاء باحتياجاتها الأساسية، أى لمجرد البقاء على قيد الحياة، فى حين أن الحد الأدنى للأجور لا يتجاوز 1200 جنيه ولا يسرى أصلا إلا على العاملين لدى الحكومة. فالحد الأدنى للأجور لم يطبق على العاملين فى القطاع الخاص، ناهيك عن العمال الزراعيين، الذين يشكلون وحدهم أكثر من 27% من إجمالى العاملين. الحل الجذرى للقضاء على الفقر هو توفير مصدر عمل يوفر للعامل وأسرته دخلا يكفى للحياة الكريمة. القضاء على الفقر يتطلب القضاء على البطالة التى تصل نسبتها وفقا للأرقام الرسمية إلى 10% بين الذكور و25% بين الإناث. رجال الأعمال المصريين يتدللون كى يعودوا للاستثمار، والحكومة انسحبت منذ سنوات طويلة من مجال الانتاج وتركت مصانع القطاع العام تتهاوي. مصانع القطاع العام تعمل بجزء ضئيل من طاقتها ولا تجد المواد الخام والمستلزمات الضرورية لتشغيلها بطاقتها الكاملة، ناهيك عن تجديد آلاتها ومعداتها لتكون قادرة على الانتاج وفتح فرص العمل. السياسات اللازمة للقضاء على البطالة والمواجهة الجذرية للفقر، بافتراض تبنيها والعمل الجاد لتحقيقها، تتطلب بالضرورة وقتا لإنجازها. ومع ذلك ففى تصورنا أن هناك عددا من الإجراءات الممكنة لتحقيق تحسن سريع فى حياة الفقراء والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، الذين يتحملون حاليا بصبر وشجاعة تكلفة الخروج من أزمة مصر الاقتصادية. الإجراء الأول يتمثل ببساطة شديدة فى تخفيض المستوى العام للأسعار. ارتفاعات الأسعار المترتبة على تخفيض دعم الطاقة تنصب بشكل مباشر على تكلفة الاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية، وخاصة الأسر الفقيرة. أكثر من 80% من ميزانية الأسر التى تقع تحت خط الفقر يذهب إلى بنود الطعام والشراب، والسكن ومستلزماته (بما فيها تكلفة المياه والكهرباء والغاز)، و الانتقالات والنقل، وهى البنود التى ارتفعت أسعارها بشكل فورى بعد تخفيض دعم الطاقة. تخفيض المستوى العام للأسعار يتطلب وضع حد أقصى لهامش الربح فى مجالات النشاط المختلفة. يتطلب تحديد تعريفة الركوب للميكروباص الذى قسم المشوار الواحد إلى ثلاثة ليضاعف أجر الانتقال على المواطن، يتطلب السيطرة على مملكة التوكتوك التى تبسط سيطرتهاعلى الأحياء الفقيرة والعشوائيات وخارج كردون المدينة والقري، وتمرح عكس الاتجاه فى شوارع المهندسين! يتطلب توفير مستلزمات الانتاج الزراعى للفلاح بأسعار منخفضة. يتطلب تفعيل أهم أدوات الحكومة للسيطرة على الأسعار وهو تدخلها المباشر كمنافس للاحتكارات الصناعية والتجارية وتوفير السلع والخدمات والنقل العام بأسعار منخفضة. الإجراء الثانى لتحسين حياة المواطن المصرى يتمثل فى توسيع شريحة الإعفاء الضريبى للحدود الدنيا للدخل إلى 18 ألف جنيه سنويا بما يساوى قيمة الحد الأدنى للأجور، وتمويل ذلك الإجراء بضم كامل إيرادات ومصروفات الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة. توسيع شريحة الإعفاء للدخول الدنيا و تخفيض الأسعار يوفران معا للأسرة المصرية إمكان تغطية احتياجاتها الأساسية من السلع والخدمات. الخطوة التالية يجب أن تكون إعادة هيكلة الضرائب على الدخل وفقا لما نص عليه الدستور و تطبيق ضريبة تصاعدية حقيقية على دخول الأفراد ثم على دخول المشروعات. الإجراء الثالث الذى يمكن أن يحدث أثرا سريعا لتحسين حياة ملايين المصريين هو تعديل قانون الإيجارات الجديدة للمساكن. صدور ذلك القانون فى عام 1996 كان بمثابة إيذان للملاك بأن افعلوا ما يحلو لكم والدولة لن تتدخل! فى الأقاليم صار الناس يسكنون دون عقود إيجار، ليصبح من حق المالك أن يطرد المستأجر فى أى لحظة وحينما يريد. فى المدن التى يحصل فيها الساكن على عقد إيجار، صارت القاعدة العامة هى العقود قصيرة المدة، وللمالك مطلق الحرية فى تحديد الزيادة التى يريدها عند تجديد العقد. ارتفعت إيجارات المساكن فى أحياء الطبقة المتوسطة لتتراوح بين 1500 جنيه 3000 جنيه شهريا، وتتجاوز تلك المبالغ فى المدن الجديدة، وتصل إلى مئات الجنيهات فى العشوائيات. تعديل قانون الإيجارات الجديدة للمساكن، يصب مباشرة فى تخفيض تكلفة السكن وتحسين مستوى معيشة ملايين المصرين. التعديل يجب أن يضمن عقود إيجار مستقرة تنص على زيادة سنوية معلومة مسبقا ويتفق عليها الطرفان من البداية ويتم الالتزام بها طوال مدة العقد. يجب النص على أسس موضوعية واضحة لتحديد قيمة الإيجار، تأخذ فى الاعتبار تكلفة الأرض والمبانى ومستوى التشطيب واختلاف الموقع، والنص على عودة وتفعيل لجان تقدير الإيجارات. الإجراء الرابع هو تعديل قانون تحرير الإيجارات الزراعية الصادر فى عام 1992، والذى أدى إلى رفع الإيجارات بنسبة 500% والتهديد المستمر للفلاح بالطرد من الأرض. التعديل يجب أن يكفل للفلاح المصرى عقود إيجارت زراعية مستقرة لا تقل عن خمس سنوات، وأن تتحدد القيمة الإيجارية بحسب جودة الأرض والعائد الفعلى لها. تحسين حياة الفلاح المصرى يتطلب زيادة المقررات الموزعة بالجمعيات الزراعية من مستلزمات الانتاج المدعمة وأن يتم تسليمها للمزارعين الفعليين وليس الملاك. الفلاحون وأسرهم يمثلون ما لا يقل عن 25 مليون مواطن يريدون أن يتبقى لهم بعد دفع إيجار الأرض وتكاليف الإنتاج حد أدنى من الدخل يكفل الوفاء باحتياجاتهم الأساسية. أربعة إجراءات ممكنة لتحقيق تحسن سريع فى معيشة المصريين، ترى هل تستجيب الحكومة؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى