للمرة الألف تضع الحكومة الجرس فى رقبة البنك المركزي. وللمرة الألف يحاول البنك المركزى التصدى لجريمة استنزاف مواردنا المحدودة من النقد الأجنبى فى استيراد أى شيء وكل شيء. نائب محافظ البنك المركزى يقول إن مصر تحولت إلى كشك استيراد. يقول إن وارداتنا خلال السنة المالية المنتهية فى يونيو 2015 بلغت أكثر من 60 مليار دولار فى حين أن صادراتنا لم تتجاوز 22 مليار دولار. حصيلة صادراتنا السلعية تغطى 36% فقط من قيمة وارداتنا السلعية. كل موارد قناة السويس والسياحة وتحويلات أبنائنا العاملين فى الخارج وكل مانقدمه للعالم الخارجى من خدمات لا يكفى لتغيير الوضع.. الفرق نعوضه بالاقتراض والمساعدات وودائع الدول العربية الشقيقة وتدفقات الاستثمارات الأجنبية، فإذا لم يكف كل ذلك نسدد الفرق بالسحب من احتياطياتنا الدولية. البنك المركزى أصدر قواعد جديدة تنظم قيام البنوك بتوفير النقد الأجنبى للمستوردين. القواعد الجديدة تقول إن التجار عندما يتوجهون للبنوك لشراء النقد الأجنبى اللازم لوارداتهم يتعين عليهم أن يدفعوا المقابل بالكامل بالجنيه المصري، وإن البنوك لن تقرضهم نصف القيمة كما كانت تفعل. البنوك ستقوم بذلك فقط بالنسبة لواردات الأدوية والأمصال وألبان الأطفال وما تستورده المصانع من آلات ومعدات وخامات ومستلزمات إنتاج. القواعد الجديدة تطرح أيضا آليات تحاول قفل الباب على تهريب النقد الأجنبى للخارج من خلال المبالغة فى تكلفة الواردات. تعليمات البنك المركزى يجب أن تساندها إجراءات صريحة وواضحة من الحكومة لتنظيم الاستيراد. بحت أصواتنا من المطالبة بوقف استيراد كل السلع والخدمات التى لا تشكل حاجة ضرورية للقاعدة العريضة من الشعب، سواء فى مجال السلع الغذائية أو الملابس الجاهزة أو السيارات أو الأجهزة الالكترونية أو المفروشات والموبيليا التى تسببت فى وقف حال الورش فى دمياط.... ولكن لا حياة لمن تنادي. الحكومة أذن من طين وأذن من عجين. الحكومة تصم أذنيها للصناعة والإنتاج المحلى وتعطى أذنها وقلبها وكل جوارحها لشهبندر التجار! فى نفس اليوم الذى صدرت فيه تعليمات البنك المركزى المصري، أصدر اتحاد الغرف التجارية بيانا يشن فيه الحرب على كل من تسول له نفسه المطالبة بزيادة الجمارك على الواردات. البيان بحذافيره سبق أن أصدره اتحاد الغرف التجارية فى سبتمبر 2012 ثم فى مارس 2013. البيان يخلط الحق بالباطل.. يولول بأن زيادة الجمارك على مستلزمات الإنتاج سيرفع تكلفة الصناعة ويرفع الأسعار ويغلق الطريق أمام الصادرات.. البيان يتجاهل أن جميع الأصوات المطالبة بخفض الاستيراد بما فى ذلك تعليمات البنك المركزى المصرى لم تقترب من قريب أو بعيد من مستلزمات الإنتاج أو الآلات والمعدات. التخفيض المطلوب يتعلق بالسلع الاستهلاكية التى لا تشكل حاجة ضرورية للقاعدة العريضة من الشعب المصري، والسلع ذات المثيل المحلي. بيان اتحاد الغرف التجارية يرفع كارت إرهاب بأن زيادة الجمارك على الواردات يعد إخلالا بالتزاماتنا الدولية ويعرضنا لعقوبات من الدول التى نتعامل معها. بحت أصواتنا ونحن نقول إن فرض ضريبة جمركية مرتفعة على الواردات غير الضرورية لا تتعارض مع التزاماتنا الدولية فى إطار منظمة التجارة العالمية، أولا لأننا لم نصل إلى الحد الأقصى المسموح به لمعدلات تلك الضرائب، وثانيا لأننا فى ظروف استثنائية نعانى فيها من ضغوط اقتصادية وحرب على الإرهاب. الاقتصاديون المصريون حددوا النصوص الواردة فى اتفاقية الجات التى يمكن أن نستند إليها فى هذا الصدد، وضربوا الأمثلة لتجارب الدول التى مرت بظروف مماثلة. شهبندر التجار يحذرنا من أن زيادة الضرائب على الواردات سترفع أسعار السلع على المستهلك الذى من حقه أن يحصل على سلع رخيصة، بل ومن حقه طبقا للمادة الثانية من قانون حماية المستهلك رفع دعوى قضائية على الحكومة واقتضاء تعويض عادل عن الأضرار التى تلحق به أو بأمواله. طبعا الشهبندر يتجاهل أن فيضان الاستيراد هو الذى يغرق الجنيه المصرى ويرفع سعر الدولار وبالتالى أسعار كل السلع المستوردة ، كما يتجاهل أننا عندما نطالب بوقف استيراد السلع ذات البديل المحلي، فإننا نؤكد أن يقترن ذلك بوضع حد أقصى لهامش ربحها وتفعيل جهاز مكافحة الاحتكار وجهاز حماية المستهلك، ضمانا لحق المواطن المصرى فى السعر والجودة وحتى لا يترك نهبا للاحتكارات المحلية. الشهبندر يحذرنا من هروب الاستثمارات الأجنبية.. يخيرنا بين استمرار المعدلات الحالية للاستيراد وبين استفحال التهريب وفيضان السلع منخفضة الجودة.. يحدثنا عن الآثار المدمرة على الاستثمارات القائمة فى المراكز التجارية والتى تقدر بالمليارات! وهذا هو مربط الفرس. المهم هو استمرار الاستيراد وعدم المساس بمكاسب المستوردين، حتى ولو دفعنا ثمن الواردات بقروض ومساعدات خارجية. الشهبندر سطوته قوية وكلمته نافذة تعمل لها الحكومة ألف حساب، كما أن إحكام الرقابة على التهريب وعلى تطبيق مواصفات الجودة ومكافحة الممارسات الاحتكارية وتحديد هوامش ربح وتفعيل حماية المستهلك، تشكل جميعها صداعا لا ترى الحكومة له مبررا فى ظل جهازها الإدارى منخفض الكفاءة والذى ينخر فيه الفساد. الأسهل أن يظل باب الاستيراد مفتوحا على مصراعيه وأن تسدد الفواتير بالاقتراض وطلب المساعدات. الحكومة اتفقت على قروض 4.5 مليار دولار من البنك الدولى وبنك التنمية الإفريقى وتتفاوض على اقتراض مليار دولار من الصين وعلى اكتتابات فى سندات وأذون خزانة بمبلغ ستة مليارات من الكويت والسعودية.. ليصبح شعار الدولة نموت نموت ويحيا الشهبندر! لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى