يبدو أن قضية «تطفيش» الاستثمارات من مصر أصبحت ذات أولوية فى التقارير التى تبثها وسائل الإعلام الأجنبية عن مصر كل يوم!فعلى الرغم من اقتراب مصر من الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى يعد فى حد ذاته شهادة دعم وثقة فى الاقتصاد الوطني، ومحاولة جادة لنهوضه من عثراته، فإن حملة شعواء تبثها مجموعة من وسائل الإعلام الدولية الكبرى لتقديم صورة مشوهة عن اقتصاد مصر بوصفه اقتصادا منهارا، لا أمل فيه، وطاردا للمستثمرين، وغير قادر على النمو، وهو ما أكده قبل أيام قليلة تقرير وكالة «بلومبيرج» الاقتصادية «شديد السوداوية» الذى حمل الرئيس عبد الفتاح السيسى بشكل فج مسئولية هذه الأوضاع. وجاء تقرير «بلومبيرج» العدائى استكمالا لما نشرته وكالة «أسوشيتدبرس» للأنباء من تقرير مطول الشهر الماضى وشككت فيه صراحة، ومن جديد، فى جدوى المشروعات القومية، وربطت بينها وبين الأوضاع الاقتصادية المتردية حاليا فى مصر، واستبعدت فيه أيضا تحسن هذه الأوضاع قريبا، كما اتهمت القيادة المصرية باتباع «السرية» فى القرارات الاقتصادية المهمة وفى تنفيذ المشروعات القومية. وواضح أن وكالة «رويترز» تحديدا، وبخاصة خدمتها باللغة العربية، دخلت فى نوبة تركيز شديدة فى الآونة الأخيرة مع التقارير السلبية عن الاقتصاد المصري، ففى 28 يوليو الماضي، بثت الوكالة تقريرا يشكك فى جدوى التفاؤل السائد بين أوساط رجال الأعمال المصريين بعد اتفاق قرض صندوق النقد الدولي، زاعمة أن القرض لن يترجم إلى استثمارات أو تدفقات أجنبية إذا نفذت القاهرة إصلاحات صعبة، ووجدت حلا لأزمة العملة لديها. كما بثت الوكالة نفسها تقريرا ثانيا فى أول أغسطس الحالى يتضمن توقعات بأن تسفر الإصلاحات الاقتصادية المرتقبة - وفقا لاتفاق صندوق النقد الدولى - عن رد فعل شعبى ضدها بما لا يحمد عقباه، خاصة مع استهداف تلك الإصلاحات تقليص الدعم، وتجاهلت الوكالة تماما فى تقريرها توضيحات الحكومة فى هذا الصدد. كما بثت وكالة «رويترز» أيضا يوم 5 أغسطس الحالى تقريرا مطولا وغير مفهوم تحت عنوان «مستقبل غير مشرق للطاقة الشمسية فى مصر» جاء فيه أنه عندما أعلنت مصر عن خطط لتطوير الطاقة المتجددة فى عام 2014، لفتت انتباه المستثمرين الذين جذبتهم أشعة الشمس المتوافرة فى البلاد طوال العام والنقص المزمن فى الطاقة الكهربائية، إلا أنه بعد مرور عامين توقفت العديد من المشروعات عن العمل مما أثر سلبا على ثقة المستثمرين الأجانب الذين تحتاج إليهم مصر بشدة، كما زعمت الوكالة أن بعض الشركات الأجنبية تعلن الآن أنها ستصرف النظر عن إقامة مشروعاتها فى مصر فى وقت تسعى فيه الدولة المصرية لتشجيع الاستثمار الأجنبى من أجل تخفيف حدة نقص العملة الصعبة الذى يخنق الاقتصاد المصري. وبشكل عام، حظيت أزمة الدولار باهتمام بالغ من قبل «رويترز» التى تحرص منذ شهرين أو أكثر على نشر الأخبار السلبية المنقولة عن مصادر مجهولة والتشويش على أى فرص لحل الأزمة، ومن بينها تصريحات منسوبة لمتعاملين مجهولين حول انتشار «الذعر» فى الأسواق المصرية بسبب ضعف المعروض من الدولارات، مع تحميلهم رئيس البنك المركزى مسئولية البلبلة فى سوق الصرف. وانضمت شبكة «سي.إن.إن» الإخبارية الأمريكية بطبيعة الحال إلى كتيبة المشككين فى الاقتصاد المصري، فنشرت فى يوم 7 يوليو الماضى مقالا لباحث مصرى يدعى عمرو عادلى شكك خلاله فى جدوى سعى الحكومة لجذب استثمارات أجنبية لتنشيط الاقتصاد، زاعما عجز الحكومة عن الاستفادة من التحويلات الدولارية الضخمة التى ترد إليها من قبل المصريين فى الخارج، ولكن الباحث لم يتحدث بشيء عن الطرق الملتوية لجمع العملات الأجنبية من المصريين فى الخارج بأسعار غير طبيعية لخنق الاقتصاد، ولا لتضرر صناعة السياحة من الإرهاب المدعوم إقليميا ودوليا، وتأثير ذلك كله فى خنق البلاد اقتصاديا! كما نشرت «سي.إن.إن» تقريرا ثانيا عبارة عن مقال آخر للباحث نفسه يشكك فيه من جدوى تشجيع الحكومة للاستثمار العقارى فى محاولة منها لدفع حركة التنمية وإنعاش الاقتصاد، زاعما معاناة هذا القطاع تحديدا من اختلالات واعتماده على المضاربات، بما يستحيل معه توظيفه لخدمة الاقتصاد. واستكمالا لحملة «تطفيش» المستثمرين العرب والأجانب عبر ترسيخ فكرة مصالحة الدولة مع رموز الفساد، بل ومحاربتها وعدائها للمسئولين الذين يحاربون الفساد، نشرت «رويترز» أيضا يوم 3 أغسطس تقريرا بعنوان «رجل الأعمال حسين سالم يتخلى عن 75% من ثروته فى اتفاق للمصالحة مع الحكومة المصرية» زعمت فيه أن الاتفاق يأتى فى إطار مسعى أوسع لتحقيق المصالحة مع رجال الأعمال الأثرياء الذين فروا من مصر لتجنب اتهامهم بالفساد بعد 25 يناير 2011. فى حين نشرت «سي.إن.إن» تقريرا يتضمن تصريحات لمحامى هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق حول سعيه للاستئناف على الحكم بحبسه عاما، وقالت إن القضية ضد جنينة سببها تصريحاته حول بلوغ قيمة ممارسات الفساد فى أجهزة الدولة المصرية بقيمة 600 مليار جنيه، دون توضيح أى تفاصيل أو حيثيات لحكم المحكمة ضد جنينة! ولضرب قطاع البترول المليء بالفرص الاستثمارية الواعدة، بثت «رويترز» أيضا فى 10 يوليو الماضى تقريرا بعنوان «بطء نشاط الأعمال غير البترولية فى مصر للشهر التاسع على التوالي» تناول فيه مشكلات العملة الصعبة التى تواجه شركات البترول بسبب ما وصفه التقرير ب»المبالغة فى قيمة الجنيه»! وختاما، تتضح هذه الحملة الشعواء على الاقتصاد المصرى فى أسلوب تغطية أخبار البورصة كل يوم، بحيث يتم إبراز خسائر الأسهم تارة، وتجاهل أخبار ارتفاع المؤشرات، أو التقليل من أهميتها تماما! إن المتابع لوسائل الإعلام الأجنبية وتقاريرها اليومية عن الاقتصاد المصرى ليوقن تماما أن هذا الإعلام لا يعمل اعتباطا، وإنما يقوم بدور واضح ومحدد لترسيخ فكرة عدم أهلية مصر لجذب الاستثمارات الأجنبية فى ظل ما يزخر به اقتصادها من فساد وانعدام شفافية ومناخ مفزع ومشروعات فاشلة.